الدين يسر فضيلة الشيخ / محمد علي عبد الرحيم

عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة “رواه البخاري والنسائي .

تعريف بالرواة :

1- سعيد بن أبي سعيد المقبري :-

– بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء – من الأنصار ، روى الأحاديث عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وروى عنه كل من عمرو بن سعيد ، وعبد الله بن عمر ، وأيوب بن موسى والليث . وقال عنه صاحب تهذيب الكمال : هو أثبت الناس فيه . مات سنة 123 من الهجرة رضي الله عنه .

2- أبو هريرة رضي الله عنه :-

قال أبو هريرة : كان اسمى في الجاهلية عبد شمس بن صخر ، فسماني رسول اللهصلى الله عليه وسلم عبد الرحمن . وكنيت أبا هريرة ، لأني وجدت هرة فحملتها في كمي . فقيل لي أبو هريرة . وهو أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال محمد بن حزم : احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلثمائة حديث . وروى عنه أكثر من ثمانمائة من أهل العلم من الصحابة والتابعين ، كما قال البخاري رحمه الله تعالى . وكان أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديث وكذلك أنه كان أكثرهم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطنه . فكانت يده مع يده ، يدور معه حيث دار إلى أن مات رسول اللهصلى الله عليه وسلم . ولذلك كثر حديثه.

وأخرج البخاري في الصحيح عن سعيد المقبرى عن أبي هريرة قال يا رسول الله : ” من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : (لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك . لما رأيت من حرصك على الحديث) ” .

قدم المدينة مهاجرًا من قبيلة دوس . وسكن الصفة بالمسجد النبوي الشريف .

وقوة حفظه للحديث تأتي مما أخرجه البخاري عن طريق أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : قلت يا رسول الله : إن لأسمع منك حديثًا أنساه . فقال : أبسط رداءك . فبسطته ثم قال : (ضمه إلى صدرك) فضممته فما نسيت حديثًا بعد .

وفي الصحيح عن الأعرج ، قال أبو هريرة : إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني كنت امرأ مسكينا أصحب رسول اللهصلى الله عليه وسلم على ملء بطني . وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق . وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم (زراعاتهم) فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا فقال : (من يبسط رداءه حتى أفضى مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئًا مما سمعه ) فبسطت بردة على حتى قضى حديثه ثم قبضتها إلى . فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئًا سمعته منه بعد . أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي .

وكان أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم ورسول الله بخيبر وسنه لا تزيد عن الثلاثين .

قال أبو هريرة : أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، وأدور معه ، وأخدمه ، وأغزو معه ، وأحج ، وكانوا يعرفون لزومي له ، فيسألونني عن حديثه ، منهم عمر وعثمان وطلحة والزبير .

مات رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين . وهو ابن ثمان وسبعين سنة .

معاني المفردات :

* الدين يسر = دين الإسلام ذو يسر لا عسر فيه . وهو سهل بالنسبة للرسالات الأخرى , فقد رفع الله عن الأمة الإسلامية الآصار والأغلال , وكان بنو إسرائيل يتوبون بقتل أنفسهم , أما توبة المسلم فبالإقلاع والعزم والندم .

* لن يشاد = بتشديد الدال : أي لا يتعمق ولا يتنطع .

* إلا غلبه = المراد أن المشادة والتنطع في الدين , يدعو . إلى الملل والانقطاع .

* سددوا = إلزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط . وفي اللغة السداد التوسط في العمل .

* قاربوا = إن لم تأخذوا بالأكمل , فاعملوا بما يقرب منه .

* وأبشروا = بالثواب على العمل الدائم وإن قل .

* واستعينوا بالغدوة = أي بالسير في السفر أول النهار .

* والروحة = السير بعد الزوال .

* الدلجة = السير آخر الليل . والمعنى اجعلوا عبادتكم في الأوقات المنشطة .

المعنى :

دين الإسلام دين السهولة واليسر ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها , وخصال الإسلام كلها ميسرة ومحبوبة . وما كان منها سمحًا وسهلاً فهو أحب إلى الله تعالى . ويؤيد ذلك ما رواه أحمد عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم ” خير دينكم أيسره ” .

وحينما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى إلى اليمن , قال لهما : ” يسرا ولا تعسرا , وبشرا ولا تنفرا ” رواه البخاري .

والتيسر سهل على النفس , فلا يكثر ولا ينقطع في الطاعة حتى تملها النفس وتسأمها .

فالذي يشق عليه القيام في الصلاة , يتركه إلى القعود , والذي يشق عليه الصيام لمرض أو سفر , يتركه إلى الإفطار , والذي يصعب عليه الوضوء بالماء , لمرض أو للبرد القارس , ولم يتيسر له الماء الدافئ , يستبدل به التيمم , وهكذا يرفق بنفسه ولا يعسر عليها .

وهذا ليس معناه التساهل إلى درجة التفريط . ولكن المقصود هو الاعتدال أي لا إفراط ولا تفريط , لأن التقصير والغلو كلاهما غير محمود لخروجه عن الصواب .

وفي حديث جابر رضي الله عنه (إن هذا الدين متين , فأوغلوا فيه برفق , فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرا أبقى ) .

ومعنى المقاربة في الحديث الشريف : هي عدم الغلو في العبادة , لأن إجهاد النفس ومغالبتها يفضي إلى العجز والملل . والمطلوب أن يقارب المرء في الأعمال ولا يبالغ فيها , حتى لا يقع في درجة التنطع الذي نهى الرسول عنه بقوله الكريم (هلك المتنطعون) ثلاثًا : (أي المتشددون) .

ومن التنطع في العبادات , أن يقف أحد المأمومين في الصلاة مجافيًا قدميه بمسافة تزيد عن عرض كتفيه , والمطلوب أيضًا ألا يلصق قدميه بل يبعد قدمه اليمنى عن اليسرى بمسافة تعادل ما بين كتفيه و حتى لا يضع إحدى قدميه تحت كتف من جاوره في الصف أثناء الصلاة , كما أنه إذا سجد في صلاة الجماعة يلزمه أن يراعي عدم المضايقة إذا جافي بين ذراعيه أثناء السجود . وفي النصيحة , أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , ينبغي أن يتجنب الغلظة في القول , والقسوة في الموعظة .

ومن التنطع في العبادة أيضًا , عدم الأخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر , وذلك بإتمام الصلاة الرباعية بدلا من قصرها إلى ركعتين كما كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يفعل , ومن يسر الدين وسهولته الإشفاق على المصلين , في البرد الشديد أو المطر , أو الوحل في الطريق , وذلك بالجمع بين صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم في غير سفر , حتى لا يتعرض المصلون للضرر في السعي لصلاة العشاء . وفي كتاب الله العزيز ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ (185 : البقرة) .

وقد ورد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها ” ما خير – بالبناء للمجهول – رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما , ما لم يكن إثمًا . فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه ” .

وقد لاحظنا في العادات بعض التصرف الذي يدل على التنطع من المتنطعين , فتراه إذا دعى إلى طعام وليمة أو عقيقة , وجاء مع الطعام ملاعق , رفض أن يأكل بها بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل بها . ونقول لهذا المتنطع إن الأكل باليد أو بالملعقة جائز , واستعمال الملعقة من المباح شرعًا . وليس فيه حرمة أو كراهية , لأنها عادة لا عبادة . ولماذا يأكل المكرونة مع أن النبيصلى الله عليه وسلم لم يأكلها ؟ لعدم معرفتها زمن الرسالة , وهي تشبه استعمال المركبات الحديثة كالقطار والسيارة والطائرة . والدين الحنيف لم يحرم إلا ما فيه ضرر وخالف الفطرة وجاء نص بتحريمه . أفلا تعقلون ؟

لا نريد تشويه الدين بهذا الغلو أو التنطع في العادات ، كالتزام لباس معين ، في ثيابه أو ستر رأسه . فقد عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مع الرأس استعمل العمامة أو القلنسوة , وفي الثياب استعمل الرداء والإزار , واشتمل بالشملة , واستعمل البردة , والعباءة , والقميص . ولم يلتزم شيئًا معينًا يميزه عن غيره من الناس .

وختم الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله (واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة ) فيه توجيه كريم إلى الاستعانة على العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة .

وإذا كان عليه الصلاة والسلام قد اختار أطيب أوقات السفر , لحصول النشاط فيها , فإن هذه الأوقات أروح ما يكون البدن للعبادة ، والله أعلم .

ما يستفاد من الحديث :

1- القصد والاعتدال في كل شئ حتى العبادات .

2- سماحة الإسلام ويسره وسهولته في كل ما أمر به أو نهى عنه .

3- النهى عن الغلو والتشدد والتنطع , ليسر الدين وسماحته .

4- أن التنطع في الدين يأتي بنتيجة عكسية ، كمن يقاوم النوم بالليل للتهجد , إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة ، أو نام حتى طلعت الشمس . وكل شئ زاد عن حده انقلب إلى ضده .

والله ولى التوفيق .