اجاب عليها

فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين                                                     فضيلة الشيخ صفوت الشوادفي                       فضيلة الشيخ جمال المراكبي

 

 

قال القرطبي عند قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] : قولهم : إن اللَّه قال – أي للشيطان -: قد سلطتك على ماله وولده ، فذلك ممكن في القدرة ، ولكن بعيد في هذه القصة ، وكذلك قولهم : إنه – أي الشيطان – نفخ في جسده حين سلطه عليه فهو أبعد ، والباري سبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله من غير أن يكون للشيطان فيه كسب حتى تقر له – لعنة اللَّه عليه – عين بالتمكن من الأنبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم .
ثم قال : قال القاضي : والذي جرأهم على ذلك وتذرعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ، فلما رأوه قد شكا مس الشيطان أضافوا إليه من رأيهم ما سبق من التفسير في هذه الأقوال ، وليس الأمر كما زعموا ،والأفعال كلها خيرها وشرها في إيمانها وكفرها طاعتها وعصيانها خالقها هو اللَّه لا شريك له في خلقه ، ولا في خلق شيء غيرها ، ولكن الشر لا ينسب إليه ذكرًا ، وإن كان موجودًا منه خلقًا ، أدبًا أدبنا به ، وتحميدًا علمناه ، وكان من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم لربه به قوله من جملته : (( والخير في يديك ، والشر ليس إليك )) ، على هذا المعنى ، ومنه قول إبراهيم : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] ، وقال الفتى للكليم : { وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ } .
قال ابن العربي : ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا اللَّه عنه في كتابه في آيتين : الأولى قوله تعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ } [ الأنبياء : 83 ] ، والثانية في (( ص )) : { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله : (( بينا أيوب يغتسل إذ خر عليه رِجل من جراد من ذهب )) . الحديث . إذ لم يصح عنه فيه قرآن ولا سنة إلا ما ذكرناه ، فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره أم على أي لسان سمعه ؟
والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات ، فأعرض عن سطورها بصرك ، وأصمم عن سمعها أذنيك ، فإنها لا تعطي فكرك إلا خبالاً ، ولا تزيد فؤادك إلا خيالاً ، وفي الصحيح – واللفظ للبخاري – أن ابن عباس قال : يا معشر المسلمين ، تسألون أهل الكتاب وقد حصل لأيوب من المكروه ألم في الجسد وزوال الخيرات ، فقال : { مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ، والنصب : التعب .
قال في (( الظلال )) : وقصة ابتلاء أيوب وصبره ذائعة مشهورة ، وهي تضرب مثلاً للابتلاء والصبر ، ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها ، والحد المأمون من هذه القصة هو أن أيوب عليه السلام كان كما جاء في القرآن عبدًا صالحًا أوابًا ، وقد ابتلاه اللَّه فصبر صبرًا جميلاً ، ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعًا ، لكنه ظل على صلته بربه وثقته به ورضاه بما قسم له .وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ، ومنهم زوجته ، بأن اللَّه لو كان يحب أيوب ما ابتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء ، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه اللَّه ليضربنها عددًا عينه – قيل : مائة – وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان ومداخله إلى نفوس خلصائه ، ووقع هذا الإيذاء في نفسه : { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ، فلما عرف ربه منه صدقه وصبره ونفوره من محاولات الشيطان وتأذيه بها ، أدركه برحمته وأنهى ابتلاءه ورد عليه عافيته ، إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه فتنفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب فيشفى ويبرأ : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ ص : 42 ] . انتهى .
يقول الشنقيطي في تفسير سورة (( الأنبياء )) : فإن قلت : لم نسبه إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يسلط على أنبيائه ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحًا إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب . قُلْتُ : لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سببًا فيما مسه اللَّه به من النصب والعذاب نسبه إليه ، وقد راعى الأدب في ذلك ، حيث لم ينسبه إلى اللَّه في دعائه ، مع أنه فاعل ولا يقدر عليه إلا هو .
وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرض من تعظيم ما نزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع ، فالتجأ إلى اللَّه تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل .
ثم قال : وغاية ما دل عليه القرآن : أن اللَّه ابتلى نبيه أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأنه ناداه فاستجاب له وكشف عنه كل ضرر ، ووهبه وأهله ومثلهم معهم ، وأن أيوب نسب ذلك في سورة (( ص )) إلى الشيطان ، ويمكن أن يكون سلطه اللَّه على جسده وماله وأهله ابتلاءً ليظهر صبره الجميل وتكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة ، ويرجع له كل ما أصيب فيه ، والعلم عند اللَّه تعالى ، وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب ؛ لأن التسلط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي ينشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض ، وذلك يقع للأنبياء ، فإنهم يصيبهم المرض وموت الأهل وهلاك المال لأسباب متنوعة .
والشيطان قدرته وطاقته مع البشر موضحة في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } [ إبراهيم : 22 ] ، فصرح بأنه لا قدرة له في حق البشر إلا على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة .
قال الفخر الرازي : الحق أن المراد من قوله : { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } أنه بسبب إلقاء الوساوس الفاسدة والخواطر الباطلة ، كان يلقيه في نوع من العذاب والعناء .
وخلاصة القول : أن أيوب نبي كريم امتدحه اللَّه بالصبر : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ ص : 44 ] ، ومن العبودية الدعاء والمسألة وهي ليست من باب الشكوى : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ } ، { مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ، إنما هو دعاء ، وأما مس الشيطان له فهو وقع الوسوسة على نفسه ، إما من أثر الوسوسة له ، أو من وسوسته لخلصائه ، خاصة امرأته .

 

وفى سؤال اجاب عليه فضيلة الشيخ / محمد صالح العثيمين

هداية الموقع لك ……….. لك انت ايها المحب

https://www.youtube.com/watch?v=EXwpXZ0n8QY

راحل الشيخ على ياسين