لقد أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام في مواضع كثيرة؛ منها:

قوله تعالى: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37].

وقوله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، وهذه شهادة من الله تعالى بأنه أتم عهد العبودية.

وشهادة أخرى في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131]، وهذا ثناء على سبيل الإجمال.

أما التفصيل، فيقول الرازي: “فهو أنه عليه السلام ناظر في إثبات التوحيد وإبطال القول بالشركاء والأنداد في مقامات كثيرة:

المقام الأول: مناظرته مع أبيه، كما حكاها القرآن في سورة مريم: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42].

المقام الثاني: مناظرته مع قومه في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ… ﴾ [الأنعام: 76].

المقام الثالث: مناظرته مع ملك زمانه، في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

المقام الرابع: مناظرته مع الكفار بالفعل، في قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 58]”[1].

ومن خلال الكلام عن المقامات الأربعة، سوف أوضِّح مظاهر التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام؛ وأذكر منها:

1- البَدْء بدعوة أبيه؛ لأنه أقرب الأقربين إليه، ولأنه كان صانعًا للأصنام، وهذا من باب تجفيف ينابيع الكفر!

2- دعوته لقومه، وعلى رأسهم النمرود، وكان هذا في بابل محل نشأته الأولى، وهكذا يكون البَدْء.

3- دعوته لأهل حران بعد تركه بابل؛ حيث كانوا يعبدون الكواكب.

وألقي الضوء كذلك على دروس دعوية من خلال المواقف الآتية:

1- قرار العزلة الذى اتخذه بعد حواره مع أبيه.

2- قرار الهجرة بعد محاجَّته للنمرود ونجاته من النار.

3- قرار تكسير الأصنام من باب تغيير المنكر باليد وإزالته بالقوة، وإعطاء درس عملي لعَبَدة الأصنام؛ لبيان أن هذه الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق، ولا تغني عن عابديها شيئًا؛ فهي ليست أهلاً للعبادة؛ إنما الأحق بالعبادة هو الله ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 78 – 82].

مراحل دعوة إبراهيم عليه السلام:

1- دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه:

وأبدأ بإشارة لطيفة، وهي أنه في قصة إبراهيم مع أبيه كان الابن مؤمنًا والأب كافرًا، وفي قصة نوح عليه السلام كان الأب مؤمنًا والابن كافرًا، وبذَل إبراهيم عليه السلام جهده في دعوة أبيه كما سأبيِّن، كما بذل نوح عليه السلام جهده في دعوة ولده: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]، ولكن لَمَّا تبيَّن لإبراهيم عليه السلام أن أباه عدوٌّ لله تبرَّأ منه[2]، ولما تبيَّن لنوح عليه السلام أن ولده لن يؤمن وأنه عملٌ غيرُ صالح تبرَّأ منه، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47]، لنعلم أن الأمر بيد الله وحده، ولكن على الداعي أن يبذل وقته وجهده في الدعوة، وأن يبدأ بأقرب الأقربين إليه، ولا يمل دعوتهم، وأن يحرص على ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب، وكان يتمنى أن ينطق بكلمة التوحيد، ولكن التوفيق للإيمان لا يملكه إلا الله – عز وجل – وحده، فعلي الداعي أن يدعو، والنتائج على الله عز وجل.

قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 – 45].

يقول الرازي:

“واعلم أنه تعالى حكى أن إبراهيم عليه السلام تكلم مع أبيه بأربعة أنواع من الكلام”:

الأول: قوله تعالى: ﴿ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾، وصف الأوثان بصفات ثلاثة، كل واحدة منها قادحة في الإلهية.

الثاني: قوله تعالى: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾، ومعناه ظاهر، وطمع في التمسك به أهل التعليم وأهل التقليد.

الثالث: قوله: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾؛ أي: لا تطعه؛ لأنه عاصٍ لله، فنفَّره بهذه الصفة عن القبول منه.

الرابع: قوله تعالى: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾، والعذاب هنا هو الخِذلان، فتصير مواليًا للشيطان، والولاية سبب المعصية.

ثم يقول الرازي – رحمه الله تعالى -:

“واعلم أن إبراهيم عليه السلام رتَّب هذا الكلام في غاية الحسن؛ لأنه نبه أولاً على ما يدل على المنع من عبادة الأوثان، ثم أمره باتِّباعه في النظر والاستدلال، وترك التقليد بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي”.

ومن هنا يتبين لي ما يلي:

1- التلطف والرفق والتودد في دعوته لأبيه، كما يظهر واضحًا جليًّا الأدب والاحترام للوالد، وخفض الجناح في قوله: (يا أبت، يا أبت، يا أبت، يا أبت).

2- خوفه على أبيه أن يناله عذاب الله؛ باتباعه للشيطان، أو عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل.

3- أن أباه كان صانعًا للأصنام، فإذا وجَّه إليه الدعوة، واعتقد بطلانها، ترك صناعة الأصنام، فيكون بذلك قد قضى على مصدر الشر في عقر داره[3].

وهو ما قلت عنه: تجفيف ينابيع الكفر، ولا شك أن في هذا تدرجًا؛ حيث كان البَدْء بالأهم وبالاقتراب، وهو يتمثل في دعوته لأبيه.

ثم نتابع الآيات: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم: 46]، واجه الأبُ وعْظَ ولده بالشدة والغلظة؛ حيث هدَّده بالضرب والشتم، وقابل رفق ولده (يا أبت) بالعنف؛ حيث لم يقل له: يا بُني، بل قال: يا إبراهيم، وأمره بالبعد عنه؛ كي لا يرى وجهه ولا يسمع كلامه، عند ذلك قال إبراهيم: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾.

يقول الرازي:

“وهذا دليل على جواز متاركة الموضوع إذا ظهر منه اللجاج، وعلى أنه تحسُن مقابلة الإساءة بالإحسان”[4].

ومن هنا أقول: إن السلام هنا سلام متاركة، لا سلام تحية؛ بدليل قوله بعد ذلك وفعله: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم: 48]، ومن هنا تشرع العزلة والهجرة فرارًا من الأذى، أو فرارًا بالدين، وهكذا تتضح لنا سنة التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام؛ حيث بدأ بالأهم والأقرب (وهو أبوه صانع الأصنام)، ثم استعمال الرفق واللين، والصبر على ذلك ومقابلة الإساءة بالإحسان، ثم العزلة أو الهجرة عند اشتداد الأذى أو التهديد به.

إن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، هو ما يجب أن يلتزم به الداعي، ويُلزِم به نفسه قدرَ طاقته واستطاعته، ولكن ماذا بعد ذلك؟

هل لجأ إبراهيم عليه السلام إلى أسلوب آخر؟

لقد سجَّل القرآن الكريم هذا الحوار بين إبراهيم عليه السلام وبين أبيه وقومه: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 52 – 58].

وصورة أخرى من الحوار: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 69 – 77].

وفي تصوير آخر: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾ [الصافات: 83 – 93].

لقد بات واضحًا أن الأمر له حدود، ولا بد له من نهاية، فأراد إبراهيم عليه السلام أن يضع حدًّا لهذا اللجاج والفساد العقائدي، ومما أُحبُّ أن أنوِّه إليه أن إبراهيم لم يؤذِ أحدًا من قومه، ولم يتعرَّض لمخالفيه لا بالشتم ولا بالضرب، ولكنه حطَّم تلك الأصنام المنحوتة المصنوعة، التي صنعها البشر بأيديهم؛ ليردَّهم إلى صوابهم، فعل ذلك موطِّنًا نفسه على تحمل الأذى في سبيل الله عز وجل.

يقول القرطبي – رحمه الله -:

“إنه لم يكتفِ بالمحاجَّة باللسان، بل كسَّر أصنامهم فعلَ واثقٍ بالله تعالى، موطِّنٍ نفسَه على مقاساة المكروه في الذب عن الدين”[5].

ولَمَّا كسر إبراهيم عليه السلام تلك الأصنام، ثارت ثائرتهم، وغضبوا لآلهتهم، وتحرَّكت أجهزة النمرود للقبض على إبراهيم، وعقدت محاكمةً علنية لإبراهيم؛ ليكون عبرة لغيره – هكذا أرادوا – ولكن الأمر كان عكس ما أرادوا: ﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 61]، صدر قرار النمرود بالقبض على إبراهيم وإحالته إلى محاكمة عاجلة وعلنية.

يقول ابن كثير – رحمه الله -:

“أي في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد؛ لعلهم يشهدون مقالته، ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه، وكان هذا أكبر مقاصدِ إبراهيم عليه السلام؛ أن يجتمع الناس كلهم، فيقيم على عبَّاد الأصنام الحجَّة على بطلان ما هم عليه، كما قال موسى عليه السلام لفرعون: ﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 59]”[6].

وكان الحكم مُعدًّا وجاهزًا، والمحاكمة سريعة وعاجلة، وأحكامها رادعة لإبراهيم ولأمثاله؛ الإعدام حرقًا، ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 68].

ويقول القرطبي: “لَمَّا انقطعوا بالحجة، أخذتهم عزةٌ بإثم، وانصرفوا إلى طريقة الغشم والغلبة، وقالوا: حرِّقوه”[7].

ولتقف الدنيا كلها للداعية بالكيد والمكر؛ مكر الليل والنهار، لكن الله معه ولن يخذُلَه، ولن يضيعه، صدر الأمر الإلهي للنار، إن النار تحرق ولكنها في هذه اللحظة لن تحرق، وإن النار تحرق كل شيء، ولكنها لن تحرق إبراهيم الأُمَّة، ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].

يقول القرطبي – رحمه الله تعالى -:

“وهذه عادة الجبابرة، فإنهم إذا عُورضوا بشيء، وعجزوا عن الحجة، اشتغلوا بالعقوبة”[8].

وحدَث ما لم يكونوا يحتسبون، ورأَوا آية عظيمة، ومعجزة محيرة، ولكنهم لم يؤمنوا، ولم تهتز قلوبهم، وبعدها قرَّر إبراهيم عليه السلام الهجرة، لقد أصر القوم على الكفر والعداء، فما فائدة البقاء؟!

2- مناظرة إبراهيم عليه السلام مع النمرود:

والنمرود هذا رجل آتاه الله المُلْك، والمُلك غالبًا ما يُطغِي الإنسان ويُفسِد فطرته، ويُنسيه أصله ومادته التي جاء منها، فتكبَّر هذا النمرود وتجبَّر، وادعى لنفسه الربوبية، وأُصِيبَ بلُوثة عقلية، كالتي أصيب بها فرعون الملعون، وتصوَّر أنه ندٌّ للإله الأعظم، وأنه يفعل أفعال الإله الواحد، والحقيقة أنه يتصرَّف كتصرف الصبيان وأفاعيل الأطفال.

يقول – عز وجل -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

لقد كان الخذلان والخسران حليفَ النمرود الطاغي، فبُهت بهتانًا عظيمًا، ولم يجد له حجة تسعفه، ولا برهانًا يسانده، وشتان بين مَن كان وليُّه الله ومَن كان وليه الشيطان أو هواه.

يقول القرطبي – رحمه الله تعالى -:

“وذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لَمَّا وصف ربه تعالى بما هو صفةٌ له من الإحياء والإماتة، لكنه أمرٌ له حقيقةٌ ومجازٌ، قصد إبراهيم إلى الحقيقة، وفزع النمرود إلى المجاز وموَّه على قومه، فسلَّم له إبراهيم تسليم الجدل، وانتقل معه من المثال، وجاءه بأمر لا مجاز فيه ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾؛ أي انقطعت حجته، ولم يمكن أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق؛ لأن ذوي الألباب يُكذِّبونه”[9].

قد يتصوَّر إنسانٌ ما أنه قادرٌ على الإحياء والإماتة، ولكن لا يكون ذلك إلا بواسطة سائر الأسباب، فإن الجماعَ قد يُفضِي إلى الولد الحي، وتناول السم قد يفضي إلى الموت، ولا شك أنه بدون الأسباب لا يمكن ذلك بأي حال من الأحوال، ولا يملك ذلك أحد من البشر، فالله – عز وجل – هو خالقُ سائر الأسباب ومُوجِدها، وهو الذي أعطاها خصائصها، وبدون إذنٍ من الله تعالى لا تعمل هذه الأسباب ولا تفعل فعلها.

وقد يقدر إنسانٌ ما على أن يُنهِي حياة إنسان بأن يقتله مثلاً بشيء ما، لكن لا يقدر إنسان مهما كان أن يخلق إنسانًا من عدم، أو يعيد إليه الحياة بعد ما فارقها مرة أخرى.

لقد كان قصد إبراهيم عليه السلام أن يثبت أن الله تعالى هو الذي يحيي ويميت بغير أسباب، وأنه القادر على ذلك ابتداءً، وذهب النمرود حسب تصوُّره أن الإحياء والإماتة إنما هي بالأسباب فقط؛ ولهذا فإن الأمر في مقدوره؛ ولأن الأمر ليس كذلك، فإن إبراهيم عليه السلام لم يسترسل معه في هذا الاتجاه، ولم يقل له: رُدَّ إليه الحياة مرة أخرى؛ لأن هذه حقيقة مُسلَّمة، ومعلومة لدى النمرود وغيره، أنه لن يقدر على إحياء الرجل الذي قتله وترك الآخر حسب ما جاء في كتب التفسير، وبعض المفسرين كالرازي يقول: إن إبراهيم عليه السلام لم ينتقل إلى دليل آخر، بل الدليل الذي ذكره إبراهيم بعد ذلك إنما هو إتمام للدليل الأول، ومعناه كما قال الرازي: “أنه وإن كان الإحياء والإماتة من الله بواسطة حركات الأفلاك – وسائر الأسباب – إلا أن حركات الأفلاك والأسباب من الله، فكان الإحياء والإماتة بواسطة الاستعانة بالأسباب، إلا أن الأسباب ليست واقعةً بقدرته، فثبت أن الإحياء والإماتة الصادرَيْنِ عن البشر ليست على ذلك الوجه، وأنه لا يصلح نقضًا عليه، فهذا الذي اعتقده في كيفية جريان هذه المناظرة”[10].

وأما القول الآخر للمحققين وذكره الرازي كذلك، فهو: “أن إبراهيم عليه السلام لَمَّا رأى من نمرود أنه ألقى تلك الشبهة، عدَل عن ذلك إلى دليل آخر أوضح منه، فقال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِب ﴾، فزعم أن الانتقال من دليل إلى دليلٍ آخَرَ أوضحَ منه جائزٌ للمستدل”[11].

وعلى هذا القول، فإن في المناظرة تدرُّجًا من دليل إلى دليل أوضح وأكثر إلجامًا للخصم، كما أنه كذلك استدراج للخصم؛ ليقيم عليه الحجة، ويلزمه الإقرار بالحقيقة التي لا مفر منها ولا محيد عنها، “﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾؛ أي: فبقي مغلوبًا لا يجد مقالاً، ولا للمسألة جوابًا”[12]، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

وبيانًا لسنة التدريج؛ نجد أن إبراهيم بدأ بأبيه وقومه ودعاهم بالحجة واللين، ثم بالتهديد، ثم تكسير الأصنام، ثم تحمُّل الأذى والاضطهاد في سبيل الله عز وجل، ثم في النهاية كان قرار الهجرة وترك موطن الكفر وأرض الباطل؛ للبحث عن منطلق جديد للدعوة، وبداية مرحلة جديدة.

3- دعوة أهل حرَّان بالشام ومناظرة عبدة الكواكب:

إن الهدف من التدرُّج هو حصول اليقين، أو الانتقال من الشك إلى اليقين، واليقين علمٌ يحصل بعد زوال الشبهة؛ بسبب التأمل وكثرة الدلائل وتنوُّعها وتدرجها، وإبراهيم عليه السلام آتاه الله الحُجة على قومه، قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83].

يقول الرازي:

“إن العبد كلما كان تدبُّره في مراتب مخلوقات الله تعالى أكثر، كان شروق نور المعرفة والتوحيد أجلى، إلا أن الفرق بين شمس العلم وبين شمس العالَم، أن شمس العالَم الجسماني لها في الارتقاء والتصاعد حدٌّ معين لا يمكن أن يزاد عليه في الصعود، وأما شمس المعرفة والتوحيد، فلا نهاية لتصاعدها، ولا غاية لازديادها، فقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 75]، إشارة إلى مراتب الدلائل والبينات، وقوله تعالى: ﴿ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ إشارة إلى درجات أنوار التجلي وشروق شمس المعرفة والتوحيد”[13].

يقول الله – عز وجل -: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 75 – 79].

وأختصر القول في هذه المناظرة مستخلِصًا العِبرَ منها، وموضحًا المنهجَ الدعوي من خلالها؛ ليكون درسًا للدعاة والمصلحين إلى يوم الدين، فقد أمرنا الله – عز وجل – بذلك فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]:

1- إن مَن دعا غيره إلى الله تعالى، فإنه يُقدِّم الرفق على العنف، واللين على الغلظة، ولا يخوض في التعنيف والتغليظ إلا بعد المدة المديدة واليأس التام، وهكذا فعل إبراهيم عليه السلام في بداية دعوته لأبيه وقومه، حتى عنَّفهم بعد ذلك وكسر آلهتهم.

2- إن هذه المناظرة إنما هي مناظرة استدراجية، فإنه لو صرَّح بالدعوة إلى الله أولاً، لم يقبلوا منه، ولو اصطدم بأفكارهم ومعتقدهم من أول الأمر، ما استطاع أن يجاريهم، ولكنه أظهر موافقتهم على ما هم عليه – مع رفضه التام وكفره بآلهتهم المصنوعة – ولكنه مال إلى استدراجهم إلى استماع حجته، وليتمكن من ذكر الأدلة على بطلان ما هم عليه، وذلك في قوله: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾.

3- وأرد إبراهيم عليه السلام كذلك بدايةً أن يُزحزِحَهم عن موقفهم شيئًا فشيئًا، وشكَّكهم أولاً فيما يعتقدونه، ثم ينقلُهم بعد ذلك إلى ما يريدُه منهم، وهو الإيمان بالله والكفر بالكواكب، لكنه يتمهل معهم؛ كي يصلوا هم بأنفسِهم إلى النتيجة والحقيقة، إنه أراد أن يقول لهم ويفهمهم ما يلي:

• إن أفولَ الكواكب يدل على كونها عاجزةً عن الخلق والإيجاد، وبالتالي فلا يجوز عبادتها.

• إن أفول الكواكب يدل على حدوثها، وثبت في بداهةِ العقول أن كل ما كان محدَثًا، فإنه يكون محتاجًا إلى غيره، ومَن كان محتاجًا إلى غيره يستحيل أن يكون إلهًا معبودًا.

• وفي قوله: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ قصد إبراهيم عليه السلام حكاية قول الخصم، وافتراض الباطل؛ استدراجًا للخصم لا اعتقادًا أو إقرارًا بقوله، ونجده ذكر عقيبه ما يدل على فساده، وهو قوله: ﴿ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾.

• وفي قوله: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾؛ أي: في زعمكم، وأنا معكم فيما تقولون، لكنه أفل، فهل نعبد إلهًا يغيب ويأفل؟

• والقول في الكواكب هو القول في القمر، وهو القول في الشمس، كل ذلك يغيب ويأفل، وربنا الأحق بالعبادة لا يغيب ولا يأفل ولا يشبه الحوادث، فربنا خالق، والخالق أحق بالعبادة.

4- إن هذه الآيات تدل على أن الدين إنما يكون مبنيًّا على الدليل لا على التقليد، وإلا لم يكن لهذا الاستدلال فائدة ألبتة، كما تدل على أنه لا طريق إلى تحصيل معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال في أحوال مخلوقاته؛ إذ لو أمكن تحصليها بطريق آخر، لَمَا عدل إبراهيم عليه السلام إلى هذه الطريقة”[14].

5- إن قانون التدرج واضح جليٌّ منذ بداية المناظرة إلى نهايتها، فهي مناظرة استدراجية، يستدرج القوم ويزحزحهم عن موقفهم شيئًا فشيئًا، ويترقَّى بهم في الأدلة، كما قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “فبيَّن لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب للعبادة، فبدأ بالزهرة، ثم ترقَّى منها إلى القمر، الذي هو أضوأ منها وأبقى من حسنها، ثم ترقَّى إلى الشمس، التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياءً وسناءً وبهاءً، فبيَّن أنها مُسخَّرة مسيَّرة مقدَّرة، مربوبة”[15].

ويقول الدكتور عبدالوهاب عبدالعاطي عبدالله معلقًا على ذلك:

“ولو واجههم إبراهيم عليه السلام من أول الأمر بأن عبادتهم للكواكب باطلة، لوقفوا في وجهه من أول وهلة لسماع كلامه، ورفضوا رفضًا باتًّا ما يدعوهم إليه، ولكنه كان حاذقًا في أسلوب الاستدراج، ماهرًا في استمالة أذهانهم للوصول إلى الحق…”[16].

وخلاصة القول أن سنة التدرج سنةٌ ثابتة في دعوة إبراهيم عليه السلام، وتجلى ذلك فيما يلي:

1- البَدْء بالأهم، وهو الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، وكان ذلك بالبراهين والأدلة، والمناظرات العقلية، ومجادلة الخصم واستدراجه؛ لتظهر له الأدلة واضحة جلية فيقف في حيرة من أمره، لا يجد حيلة ولا حجة، فينهار داخليًّا، ويخر ساقطًا، ولو ظل واقفًا في أعين الناس.

2- البَدْء بالأقربين، وقد تمثَّل ذلك في البدء بدعوة أبيه، وقد كان صانعًا للتماثيل، وبهذا يستطيع إبراهيم عليه السلام أن يجتثَّ جذور الشرك، بالقضاء عليه من منابعه، ثم كانت دعوته لقومه.

3- لقد ابتعد إبراهيم عليه السلام عن أسلوب الصدام المباشر، فقد كان يقر الخصم على سبيل الافتراض أو الجدال؛ ليستدرجه بعد ذلك لما يريد.

4- الترقي في استعمال الأدلة كما حدث في مناظرة عبدة الكواكب؛ حيث بدأ بالكواكب ثم القمر ثم الشمس.

من كتاب: “خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج)”

——————————————————————————–

[1] مفاتيح الغيب ص 375 جزء 6.

[2] كما جاء في سورة التوبة آية 113، 114.

[3] مناهج أولي العزم من الرسل د. عبدالوهاب عبدالعاطي عبدالله طبعة أولى 1412هـ 1991م ص 81.

[4] مفاتيح الغيب ص 473 جزء 10.

[5] تفسير القرطبي، طبعة أولى دار الشعب، ص4337 جزء 6.

[6] قصص الأنبياء ص 98، مكتبة الصفا، طبعة أولى 2001.

[7] تفسير القرطبي ص 43 جزء 6.

[8] تفسير القرطبي ص 1053 جزء 2.

[9] تفسير القرطبي ص 1094 جزء 2.

[10] مفاتيح الغيب ص 563 جزء 3.

[11] مفاتيح الغيب ص 566 جزء 3.

[12] تفسير القرطبي ص 1053 جزء 2.

[13] مفاتيح الغيب 390 جزء 6.

[14] مفاتيح الغيب ص 395 – 403 بتصرف جزء 6.

[15] قصص الأنبياء ص 94 مكتبة الصفا 2001.

[16] مناهج أولي العزم من الرسل ص 100.