إشراق المصابيح في صلاة التراويح

لتقي الدين السبكي

رسالةٌ صغيرة للإمام السبكي من مصنفات الصيام، حيث تناولت مسألةً شغلَت حيزًا لا بأسَ به من مناقشات الفقهاء في القرن الثامن الهجري؛ وهي حكم صلاة التراويح، واجتماع الناس لها، وعلى قصرِها فهي جامعةٌ في موضوعها، حيث جمعت شتاتَ الأدلة في فضل صلاة التراويح.

 

وهذه الرسالةُ بيَّن فيها الإمام تقيُّ الدين السبكي حكمَ صلاة التراويحِ، حيث يذكرُ أقوالَ الأئمةِ الأربعةِ في هذا الشأن، ثم يسرد ما كان لكل فريق من دليل، حيث يعقب على هذه الأقوال، وفي النهاية يرد على شبهات المخالفين لسُنِّيَّة صلاة التراويح.

 

أصل الكتاب:

أصل هذه الرسالة مستخرج من ضمن فتاوى الإمام السبكي رحمه الله في الجزء الأول منها من الصفحات (165-170)، وذلك من طبعة القدس عام 1306 هـ.

 

وقد ألَّف الإمام السبكي في موضوع الرسالة مصنفًا كبيرًا أيضًا في مجلد كبير يسمى: “ضوء المصابيح في صلاة التراويح” فصَّل فيه الخلافَ بشأن صلاة التراويح، مع بيان أدلَّة كلِّ فريق، والترجيح بينها فقهيًّا.

 

المؤلف:

الإمام العلامةُ، الحافظ الفقيه، المجتهدُ النظَّار، الوَرِع الزاهد، قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبدالكافي السُّبْكيُّ الكبير رحمه الله.

 

ولد بسُبْك – بضم فسكون – من قرى المنوفية بمصر سنة 683 هـ، تفقَّه على ابن الرفعة، وأخذ التفسير عن العَلَم العراقي، والحديث عن الشرف الدمياطيِّ، والقراءات عن التقيِّ الصائغ، والأصلين والمعقول عن العلاء الباجيِّ، والخلاف والمنطقَ عن السيف البغدادي، والنحوَ عن أبي حيَّان.

 

ورحل في طلب الحديثِ إلى الشامِ، والإسكندرية، والحجاز، وسمع من شيوخها؛ كابن الموازيني، وابن مشرف، وابن الصوَّاف، والرَّضِيِّ الطبري وآخرين، يجمعُهم معجمُه الذي خرَّجه له الحافظ أبو الحسين بن أيبك في عشرين جزءًا، قال الحافظ أبو المحاسن الحسيني في ذيل تذكرة الحفَّاظ: عُنِي بالحديث أتمَّ عناية، وكتب بخطِّه المليح الصحيح المتقن شيئًا كثيرًا من سائر علوم الإسلام، وهو ممن طبق الممالك ذكرُه، ولم يَخْفَ على أحد عرفَ أخبارَ الناس أمرُه، وسارت بتصانيفِه وفتاويه الرُّكبان في أقطار البلدان، وكان ممن جمع فنونَ العلم مع الزهد والورع، والعبادة الكثيرة، والتلاوة، والشجاعة، والشدة في دينه.

 

وقال الجلال السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ وغيره: أقبلَ على التصنيف والفُتْيا، وصنف أكثر من مائة وخمسين مصنفًا، وتصانيفه تدل على تبحُّره في الحديث وغيره، وسَعَة باعه في العلوم، وتخرج به فضلاء العصر، وكان محققًا مدققًا نظَّارًا جَدَليًّا بارعًا في العلوم، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق اللطيفة، والقواعد المحرَّرة التي لم يُسبق إليها، وكان مُنصفًا في البحث على قدم من الصلاح والعفاف، ومصنفاتُه ما بين مطوَّلٍ ومختصر، والمختصرُ منها لا بدَّ وأن يشتمل على ما لا يوجد في غيره من تحقيق وتحرير لقاعدةٍ واستنباط وتدقيق.

 

وقال الصلاح الصفدي: الناس يقولون: ما جاء بعد الغزَّالي مثلُه، وعندي أنهم يظلمونه بهذا، وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري.

 

وقال الشيخ جمال الدِّين الإِسنوي في كتابه “طبقات الشافعية” مترجمًا لشيخه تقي الدِّين السبكي (2/ 75 – 76)، ما نصُّه:

“شيخنا تقي الدِّين أبو الحسن، علي بن عبدالكافي بن علي السُّبكي، كان أنظرَ مَن رأيناه من أهل العلم، ومن أجمعِهم للعلوم، وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة، وأجلَدهم على ذلك؛ إن هطل درُّ المقال فهو سَحابُه، أو اضطرم نارُ الجدل فهو شِهابُه، وكان شاعرًا، أديبًا، حسنَ الخط، وفي غاية الإِنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان أحد المستفيدين منه، خيِّرًا، مواظبًا على وظائف العبادات، كثير المروءة، مراعيًا لأرباب البيوت، محافظًا على ترتيب الأيتام في وظائف آبائهم”.

 

وعدَّه السيوطي من المجتهدين، وكان يلقب في عهده بشيخ الإسلام.

 

من مصنفاته: تفسير القرآن، وشرح المنهاج في الفقه للنووي، شرح المنهاج في أصول الفقه؛ للبيضاوي إلى قول البيضاوي (الواجب إن تناول كل واحد، فهو فرض عين)؛ الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص، نيل العلا في العطف بلا، وغيرها.

توفي بالقاهرة 756 هـ- 1355 م.

 

الكتاب:

تناقش هذه الرسالة حكمَ صلاة التراويح أو قيام رمضان، والأصل أنها من صلاة التطوع، وحكمها أنها سنة مؤكَّدة عند جمهور الفقهاء.

 

ويناقش تقي الدين السبكي الأقوالَ بشأن صلاة التراويح ومسائلها، وذلك في ثلاثة فصول مختصرة؛ حيث يورد في الفصل الأول من رسالته أقوال الأئمة الأربعة في حكم صلاة التراويح، فيبدأ بعلماء الشافعية حيث نصوا على أن صلاة التراويح سنة مؤكدة في معظم كتبهم، ثم يورد أقوال علماء الحنفية الذين ورد لهم فيها ثلاث روايات عن أبي حنيفة أنها: سنة مؤكدة، وأنها سُنَّة لا ينبغي تركُها، وأنها سُنَّة لا يجوز تركها، أما علماء المالكية، فنصوا على أن قيام رمضان سُنَّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلماء الحنابلة رجحوا أنها سُنَّة مؤكدة، وأولُ مَن سنَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

 

ثم يُورد السبكي آراء العلماء من غير المذاهب الأربعة؛ كالليث بن سعد الذي يرى أن “قيام الناس في شهر رمضان من الأمر الذي لا ينبغي تركه”.

 

وفي الفصل الثاني: يُورد تقي الدين السبكي مستندَ العلماء في سُنِّيَّة صلاة التراويح من الأحاديث والآثار، وما جاء في الترغيب فيها.

 

ثم يبيِّن حكمة ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ التراويح في المسجد خشيةَ أن تُفرضَ عليهم.

 

ويذكر جمعَ سيدنا عمر بن الخطاب الناس على إمام واحد في صلاة التراويح في أواخر خلافتِه، وما ورد في سبب ذلك، وأنه من سُنَّة الخلفاء الراشدين التي أوصانا النبي صلى الله عليها وسلم بالتمسُّك بها.

 

ويُورِدُ السبكي في رسالته أحد عشر دليلًا على استحباب صلاة التراويح وسُنِّيَّتها، وأن مجموع الأدلة يفيد تأكُّدَها؛ لأنها من فضائل الأعمال في شهر رمضان مما ينبغي المواظبةُ عليها.

 

أما الفصل الثالث، فيورد فيه الأدلة والبراهين على ردِّ شبه المنازعين حول صلاة التراويح، حيث يَخلُصُ في نهاية تلك الرسالة أنه: “لا ريبة في أنها سنة مؤكدة”، وأنها مما اجتمعت عليه الأمة، وتلقَّتْه بالقبول.

 

تحقيقات الكتاب:

حقَّق الرسالة مجدي السيد إبراهيم، في طبعة مكتبة القرآن – مصر، ومكتبة الساعي – الرياض، الطبعة الأولى – دون تاريخ، حيث جمعها في التحقيق مع رسالة (شرح الصدر بذكر ليلة القدر: فضائل وعلامات ليلة القدر)؛ لولي الدين أحمد بن عبدالرحيم العراقي (826 هـ) لارتباط موضوعهما، وصغر الرسالتين

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/104870/#ixzz6KTMFJ100