إِنّ الحمد لله، نَحمدُهُ، ونَستعينهُ، ونَستغفِرهُ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلّ له، ومن يُضْلل فلا هادىَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمّدًا عَبدُه ورسولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّـذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَـهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]. أمّا بَعْدُ: فإنه لما كان موضوع الساعة اليوم هو المناداة بحقوق المرأة من شرذمة لم تتخذ سبيل العلم، إنما اتخذت الجهل مطية، وجعلت موضوع المرأة تكأة إلى الفتنة أراد قلمي المتواضع أن يتكلم عن (مكانة المرأة بين اليهودية و المسيحية والإسلام)، وذلك بشكل موجز؛ لما تقتضيه طبيعة المرحلة والظرف الراهن؛ حتى يتبين المحق من المبطل. لا شكّ أنّ المرأة هي الأمُّ الحَنُون والابنة الرقيقة والأخت الرؤوم والخالة والعمّة الرَّزَان، والزوجة الحَصَانُ التي هي في حياة الرجل أهمّ مخلوق؛ فهي السكن والمودة والرحمة، وهى المُعِين في إدارة حياته. ولقد كانت المرأة -ولا زالت- مخلوقًا عجيبًا احتار الفلاسفة في فَهْمِه وتعريفه؛ إذ إنّ أسراره لا تنقضي، وعجائبه لا تنتهى، وسَبْر أغواره مُحَالٌ. ولمّا كان الأمر كذلك فقد كانت المرأة حَقْلًا خِصْبًا للدراسات الجادّة التي تنظرُ كلّ منها إلى المرأة من زَوايةٍ تختلف عن الأخرى، حسب طبيعة القضايا المطروحة. ومِنَ النّادر أن نجد قضية اختلفت فيها وجهات النظر بمثل ما اختلفت وتعدّدت في قضية المرأة، هذه القضية التي تعدّدت فيها التشريعات ووجهات نظر المفكرين والفلاسفة ودُعَاة الإصلاح -ومُدّعيه أيضًا- على مرّ العصور، حتى وصل التعدد إلى مستوى التناقض والاختلاف الجذري الذى لا إمكان معه للقاء أو اتفاق أو تقارب. ولا عَجَبَ في هذا التَّعَدُّد والاختلاف وكثرة الخائضين؛ فقضيّة المرأة إنّما تعنى وتخصّ نصف البشرية، والعمران الإنساني في ماضيه وحاضره ومستقبله، بل تعنى عند التحقيق أكثر من ذلك؛ لأن أوضاع المرأة تُؤَثّر بالسلب والإيجاب على كافّة أوضاع العُمران البشرى في عمومه؛ لأنّ المرأة لا تعيش منفردة فيه، إنّما هي الأمُّ، والبنت، والأخت، والزوجة، وهى تُؤَثّر في هؤلاء جميعهم وتتأثر بهم. إِذَنْ قضية المرأة إنّما هي قضية المجتمع البشرى كله. وليس العجب في هذا، إنّما العجب في الضجيج والثّرْثَرة الكلاميّة حول مكانة المرأة التي تَوَلّى كِبْرهَا طائفة من الغَوْغَاء نَسَبَتْ إلى الشريعة الإسلامية الغَرّاء ظلم المرأة، ونَسَجَتْ وَهْمًا لا أصل له -عند الحديث عن قضايا المرأة- في مِيرَاث المرأة وعلاقته بمِيرَاث الرجل. وجعل هؤلاء الجُهّال من قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] سَاحةَ تفكّهٍ وتندّرٍ. وإزاء ذلك رفع المُتباكون على المرأة شِعَار المساواة في الميراث والمُناداة بتعديل -أو إلغاء- قانون الأحوال الشخصية في العالم العربي، المُستمدّ من الشريعة الإسلامية. هذا، ولمّا كان بحثى يعالج القضايا المتعلّقة بالمرأة بين اليَهوديّةِ والمَسيحيّةِ والإِسلامِ، وكان المقام لا يتّسعُ للإسهاب في هذه القضية فإنّ الإشارات العَجْلى تجعل المَهْيع لاحِبًا، وتُميطُ اللِّثام عن بعض ما يَجُولُ بالصدر، كما يلى: من القصايا المتعلقة بالمرأة: أوّلًا: مكانتها ومنزلتها. ثانيًا: من القضايا المتعلقة بالأمور المادية (المالية) للمرأة. أوّلًا: مكانة المرأة في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، كما يلي: 1- في اليهوديّة: إنّ مكانة المرأة في اليهوديّة شر مكانة، ومن الأدلة على ذلك: – تعتبر اليهوديّة المرأة أصل الشر في العالم، أو هي المسئولة عن الخطيئة البشرية الأولى؛ لأنها -بزعمهم- هي السبب في خروج آدم عليه السلام من الجنة، ونرى ذلك بوضوح في التوراة: “وكانت الحيّةُ أَحْيَلَ جميع الحيوانات البريّة التي عملها الربّ الإله، فقالت للمرأة: أحقًّا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحيّة: من ثمر شجر الجنة نأكل. وأمّا ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: لا تأكلا منه ولا تَمَسّاه؛ لئلا تموتا. فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عَارِفَيْنِ للخير والشر… فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل… فقال الربّ الإله للحيّة: لأنّكِ فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم، ومن جميع وُحوش البريّة… وقال للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّرُ أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك” (تكوين 3: 1–16). – المرأة في اليهوديّة تُبَاع وَتُشْتَرى: “وإذا باع رجل ابنته أمة، لا تخرج كما يخرج العبيد” (خروج 21: 7). – تعتقد اليهوديّة أنّ نجاسة ولادة الأنثى ضعف نجاسة ولادة الذكر: “إذا حبلت امرأة وولدت ذكرًا تكون نجسة سبعة أيام… ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يومًا في دم تطهيرها … وإن ولدت أنثى، تكون نجسة أسبوعين… ثم تقيم ستة وستين يومًا في دم تطهيرها” (لاويين 12: 1 –5). – المرأة في العهد القديم “شباك، وقلبها شراك، ويدها قيود” (الجامعة7: 26). ويمكن تلخيص مكانة المرأة في اليهوديّة بذِكْر ما قاله ويليام باركلى William Barclay: “كان مقام المرأة رسميًا مُتدنيًا جدًا. لم تكن المرأة تُعدّ كبشر في الشريعة اليهودية، وإنّما كانت تُعَدّ شيئًا A thing . كانت تحت سلطان أبيها أو زوجها. كانت ممنوعة من تعلّم الشريعة، وكان يعدّ تعليم المرأة الشريعة كإلقاء اللؤلؤ إلى الخنزير …” ( The Letters to Timothy, Titus, and Phileman.p.74. 2nd 2003. Westminster John Knox Press – Kentucky). – لا ترى اليهودية المساواة بين الرجال والنساء، منذ عصور سحيقة، ويجدر بي ذكر العبارة في أصلها(Barbara Walker: The Woman’s Encyclopedia of Myths and Secrets.p. 223. 1983. New York). “Gender inequalities found in the Torah suggest that women were subordinate to men during biblical times”. 2- في المسيحية نجد أن بولس: – اعتقد أن حَوَّاء هي التي أخطأت أوّلًا، ثم أغوت آدم فانقاد وراءها وأخطأ ثانيًا (تيموثاوس الأولى 2: 12–14). – أوصى جميع الذى خدمه -رجالًا، ونساءً- أن يُسلّم بعضهم على بعض بقبلات مقدسة! (رومية 16: 1– 16)، (كورنثوس الأولى 16: 20)، (كورنثوس الثانية 13: 12). والناظر إلى أوربا النصرانية يجدها تنظر إلى المرأة على أنّها أقذار، حتى أنّ أودو الكلني في القرن الثاني عشر الميلادي ذكر أنّ مُعَانقة امرأة تعنى مُعانقة كيس من الزبالة (الأستاذ أحمد عبد الوهاب: تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام. ص 230. ط1. 1409هـ / 1989م. دار التوفيق النموذجية – القاهرة.)! وقد جاء في الموسوعة البريطانية في مقال سفر الأمثال أنّ في هذا السِّفْر: “نقطة مهمة، وهى أنّ النصائح بالتزام العفة موجّهة إلى الرجال فقط؛ فالرجل ينظر إليه كضحية، والمرأة كَمُغْوِيّة. لم تُحذِّر النِّساء البتّة من الرجال، أو من عموم إغواءات المجتمع”(The new Encyclopedia Britannica: “study of religio” . Vol.22. p. 508. by Safra, S.Yannias, James E.Goulka. 15th. 1998. Chicago). ويَجْدُرُ بي ذِكْر العبارة، كما وردت في الموسوعة: A point of interest is that the exhortations to chastity are addressed to men only; the man is regarded as the victim, the woman as the temptress – women are never warned against men or against the general seductions of society. ويُعبر أدريان ثاتشر Adrian Thatcher عن نظرة الكنيسة للمرأة، فيقول: “لقد بذل العالم الغربي الكثير في القرن الأخير ليتجاوز احتقاره للنساء، لكنّ هذا الاحتقار لا يزال ثابتًا في الكنيسة” (The Savage Text, The use and Abuse of the Bible. P. 108. 2008. Wiley – Blackwell). إذن النصرانية لم تكن -تاريخيًا- في صفّ النساء؛ إذ كانت المرأة في كثير من الأحايين لا قيمة لها ولا وزن، كما كانت تحتل مكانة سيئة في المجتمع. وظل هذا الأمر ملازمًا للمسيحية منذ السنين الأولى -بعد المسيح وحوارييه- وحتى يومنا هذا. ويجدر بي أن أذكر العبارة: Christianity has not been very supportive of women, historically speaking. Much of the time women have been denigrated and forced into a second-class status. This was true right from the earliest years of Christianity and has continued down through today. كما كان للزوج -في أوروبّا الحديثة- الحقّ في بيع زوجته، وقد حدّد ثمن الزوجة بستّ بنات، وكان معمولًا بهذا القانون في إنجلترا حتى عام 1805م. وقد حرّم هنري الثامن على الإنجليزيات قراءة الكتاب المقدس، وظلت نساء إنجلترا حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وحتى عام 1882م ليس لهنّ أي حقوق شخصية، أو حقّ في التملك الخاصّ (د. محمد الصادق عفيفي: المرأة وحقوقها في الإسلام ” سلسلة دعوة الحق الشهرية “. ص 183. ط 1402هـ. رابطة العالم الإسلامي– مكة المكرمة). وفى القرن الخامس الميلادي اجتمع مجمع ماكون للبحث في مسألة هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ وبعد البحث قرر المجمع: أنها خِلو من الروح الناجية من عذاب جهنم. وعقد الفرنسيون في عام 1958م مؤتمرًا قرروا فيه أنها “إنسان خُلِق لخدمة الرجل فحسب”. وبعد الثورة الفرنسية وإلى اليوم لا يُسْمَح للمتزوجة بالتصرفات المالية إلا بإذن زوجها، ولا يزال أجر المرأة على عملها إلى اليوم أقلّ من أجر الرجل، كما تفقد اسمها وحريتها بمجرد الزواج، وظلّت إلى القرن التاسع عشر محرومة كذلك من التعليم (د. مصطفى السباعي: المرأة بين الفقه والقانون. ص 13– 22. ط6. 1404هـ / 1984م. المكتب الإسلامي – دمشق. وأيضًا: د. زيدان عبد الباقي: المرأة بين الدين والمجتمع. ص 1– 12. ط2. 1984م. نهضة مصر – القاهرة. وكذلك: د. عبد المتعال الجبري: المرأة في التصوّر الإسلامي. ص 155. ط6. 1403هـ / 1983م. مكتبة وهبة – القاهرة.). 3- في الإسلام: إِنّ مكانة المرأة في الإسلام مُخالفة -تمامًا- لما تقول به اليهودية والنصرانيّة من تحميل المرأة وِزْر الخطيئة الأولى، وما ترتب عليها من شقاء، فالقرآن يُحَدِّد -بصريح العبارة- مسئولية آدم عليه السلام عن ذلك، وإنْ شاركته امرأته المعصية بالأكل من الشجرة المحرمة (هذا ما اعترف به روجيه كارودي Roger Garandy المفكر الفرنسي حين أنصف الإسلام فقال: “إن القرآن -من وجهة نظر اللاهوتية- لا يُحدّد بين الرجل والمرأة علاقة من التبعية الميتافيزيقية؛ فالمرأة في القـرآن توأم وشريكة للرجل… والقرآن لا يُحمل المرأة المسئولية الأولى للخطيئة” (انظر: وعود الإسلام. ص 78. ترجمة أ. ذوقان قرقوط. ط 1984م. منشورات الوطن العربي – بيروت)، بعدما أن استجاب هو وامْرَأتُه لوسوسة الشيطان؛ طمعًا في الخلد ومُلْكٍ لا يَبْلى، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا . وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى . فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى . إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى . فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى . فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:115–121]. كما جعل الإسلام النساء شقائق الرجال، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجَالِ» (أبو داود السجستانى: سننه. كتاب الطهارة. باب “في الرجل يجد البِلَّة في منامه”. ص 45. رقم 236. من حديث عائشة، وهو حديث صحيح). ومعنى هذا الحديث مُطّرد في كلّ ما لم يَرِد فيه نصّ يُفَرِّقُ بين الرجال والنساء، أمَّا المسائل التي وردت فيها نصوص تُفَرِّقُ بين الرجال والنساء فلا يَطّرد فيها الحديث، وحينئذٍ يَلزمُنا الوقوف مع النصوص، وإعطاء ما للنساء للنساء، وما للرجال للرجال (الشيخ محمد رشيد رضا: حقوق النساء فى الإسـلام. ص 8. تعليق الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى. ط 1404هـ / 1984م. المكتب الإسـلامى– بيروت. وأيضًا: الشيخ مصطفى العدوى: جامع أحكام النساء. جـ 5. ص 8. ط 1. 1419هـ / 1999م. دار ابن عفان – القاهرة). كما جعل حقَّ الأمّ في البرّ أكثر من حقّ الأب، وقد بيَّنَ الرسـول صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال له رجل: يا رسول الله، مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أُمُّك». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أُمُّك». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أُمُّك». قال: ثم مَنْ؟ قال: «أبوك» (مسلم: صحيحه. كتاب البر والصلة والآداب. باب “بِرّ الوالدين، وأنّهُمَا أحقّ به”. ص 1029. رقم [2548]. من حديث أبي هريرة). والإسلام لا ينظر إلى الرجل والمرأة على أنَّ كلًا منهما بديل عن الآخر، وإنَّما يرى أنّهُما يُكَمِّلان بعضهما البعض، وهذا مراعاة لمبدأ توزيع العمل الذى اقتضته الحكمة الإلهيّة، حيث تُعوّض المرأة جوانب النقص في الرجل، ويُوفّر الرجل ما تفتقر إليه المرأة (أ. وحيد الدين خـان: المـرأة بين شريعة الإسـلام والحضارة الغربيـة. ص 179، 180. ترجمة سيد رئيس أحمد النـدوى، ومراجعة د. ظفر الإسلام خان. ط1. 1414هـ / 1994م. دار الصحوة للنشر – القاهرة). كما لم يُفَاضِل بين الرجال والنساء في الأجر؛ إذ بيَّن الله تعالى أنه لا يضيع جهد مَنْ عَمِلَ عملًا صالحًا ذكرًا كان أو أنثى، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]. وقال جلّ ثَنَاؤُهُ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ في سَبِيلِى وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:195]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]. ويُخاطب الرِّجال والنِّساء على السواء، ويعاملهم بطريقة شبه متساوية، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. والآية تُشير إلى أنّ المرأة خُلِقت من نفس الرجل، أي من جنس الرجل (أ. وحيد الدين خان: المرأة بين شريعة الإسلام والحضارة الغربيـة. ص 179-180. ترجمة سيد رئيس أحمد الندوي، ومراجعة د. ظفر الإسلام خان. ط1. 1414هـ / 1994م. دار الصحوة للنشر – القاهرة). وتَهدِفُ الشريعةُ الإسلاميّةُ بشكلٍ عامٍ إلى غاية مُتميّزةٍ هي حماية المجتمع. ويُقدّم التشريع للمرأة تعريفاتٍ دقيقة لِمَا لها من حقوق، ويُبْدى اهتمامًا شديدًا بضمانها، فالقرآن والسُّنَّة يَحُضّان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف، كما ضمن لها حق المِلْكيّة الخاصة الشخصية والإرث (مارسيل بوازار M. Poizer: إنسانية الإسلام. ص 109، 110. ترجمة د. عفيف دمشقية. ط 1980م. دار الآداب – بيروت). تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونك Hunke Sigrid: “إِنّ الرجل والمرأة في الإسلام يتمتّعان بالحقوق نفسها من حيث النوعيّة، وإن لم تكن تلك الحقوق هي ذاتها في كلّ المجالات؛ لذلك فعلى المرأة العربية أن تتحرر من النفوذ الأجنبي… فينبغي عليها ألا تتخذ المرأة الأوربيّة أو الأمريكيّة أو الروسيّة قدوة تحتذيها، أو أن تهتدى بفكر عقائدي مهما كان مصدره؛ لأنّ في ذلك تمكينًا جديدًا للفكر الدخيل المؤدى إلى فقدها لمقومات شخصيتها، وإنّما عليها أن تتمسك بهدى الإسلام الأصيل” (د. محمد عمارة: الإسلام فى عيون غربية، بين افتراء الجهلاء، وإنصاف العلماء. ص 328. ط 1425هـ / 2005م. دار الشروق– القاهرة). وتشهد لورا فيشيا فاجليري Laura Veccia Vaglieri -كاتبة إيطالية، من أعلام الاستشراق الأكاديمي- للإسلام بإنصافـه للمرأة، فتقول: “إذا كانت المرأة قد بلغت -من وجهة النظر الاجتماعية في أوروبّا- مكانة رفيعة -فإنّ مركزها الشرعي- على الأقل -كان حتّى سنوات قليلة جدًّا- ولا يزال في بعض البلدان أقلّ استقلالًا من المرأة المسلمة في العالم الإسلامي. إنّ المرأة المسلمة تتمتع بحقّ الوراثة مثل إخوتها، ولو بنسبة أصغر، كما يحقّ لها ألا تُزفّ إلى أحد إلا بموافقتها الحُرّة، ومن حقّها ألا يسئ زوجها معاملتها، كما تتمتع -أيضًا- بحقّ الحصول على مهر من الزوج، ولها أنْ يُعيلها ولو كانت ثريّة من الأصل، ولها الحقّ -إذا كانت مؤهلة شرعًا- في إدارة ممتلكاتها الشخصية” (An interpretation of Islam. P. 72. 2nd ed. 1958.The American Fazl Mosque – U. S. A) ويذكر القرآن بالتعظيم والتوقير نماذج لنساء ارْتَقَيْنَ بطاعتهن لله، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لي عِندَكَ بَيْتًا في الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11-12]. ذلك هو مقياس الأفضليّة في الإسلام، التقوى والطاعة. لقد وصلت مكانة المرأة في الإسلام إلى درجة أنّ الله قد سمع شكواها من فوق سبع سموات قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]، وقرأ عليها جبريل عليه السلام، السلام من الله تعالى (عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: أتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعام أو شراب، فإذا هى أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرْها بِبَيْتٍ في الجنّة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ» (البخارى “أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ت 256 هـ”: الجامع الصحيح. كتاب مناقب الأنصار. باب تزويج النبى خديجة. ص 726. رقم [3820]). أمّا نظر الإسلام إلى النساء على أنهنّ ناقصات عقل ودين، فليس هذا قدح في النساء، وإنّما القصد من نُقْصان العقل أنّ عاطفة النساء أقوى؛ لأنّهن يُحكّمن العاطفة على العقل، وآفة اختيار الآراء الهوى والعاطفة. أمّا نُقصان الدين فالمعنى أنّها تُعفى من أشياء لا يُعفى منها الرجل أبدًا، فالرجل لا يُعفى من الصلاة، وهى تُعْفى منها في فترات شهرية، والرجل لا يُعفى من الصيام، بينما هي تُعفى كذلك عدة أيام في الشهر. وهذا تقدير من الله تعالى لمهمتها وطبيعتها، وليس لنقص فيها، مِصْدَاقًا لقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]. إِذْن فليس قصد الإسلام أن يَصِمَ المرأة بالعيب، لكن يقصد وصف طبيعتها (انظر: ردّ افتراءات المنصرين حول الإسلام لمجموعة من المؤلفين. ص 184، 185. د. ت. مركز التنوير الإسلامى – القاهرة)، بل لقد رَسَمَ الإسلام للمرأة طريقًا وسطًا يتوافق مع طبيعتها، ويُلائم تكوينها الجسمي، والوظائف التي خلقها الخالق تعالى من أجلها (مع الأخذ في الاعتبار أنّ الأصل أنّ المرأة لا تخرج من بيتها إلا إذا احتاجت، أو احتاج إليها المجتمع، بل إذا احتاجت يكفل لها المجتمع حاجتها. ومع ذلك فإنها إذا خرجت تكون خاضعة لقاعدة أصولية هي: “الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تُقَدَّرُ بِقَدَرِهَا”. هذا إلى جانب استعمال المرأة فيما تصلح له طبيعتها، مع الالتزام بالضوابط الشرعية التي حدّدها الإسلام، وعلى رأسها عدم الاختلاط بالرجال). ولا يُقلّل من مكانة المرأة في الإسلام إباحته لتعدد الزوجات، مع تَوَافر القدرة والعدالة عند الزوج؛ وذلك لأن الهدف من تعدد الزوجات هو ضمان حماية المرأة لتتزوج بكرامة، وتنجو بنفسها من استغلالها كأداة للشهوة عند الرجال. وإذا كان الإسلام قد حدّد التعدّد بأربعٍ فإن نصوص العهدين القديم والجديد -وهى مُحرّفة كلها أو جلّها، بلا رَيْبٍ- التي بين أيدينا لم تُحدّد عدد الزوجات! وهكذا نرى سوء مكانة المرأة في اليهودية والنصرانية، في الوقت الذى عَزَّزَ فيه الإسلام مكانتها، وجعلها مَلكِةً مُتوجةً في بيتها، بحيث بلغت مكانة عالية، لم تبلغها في شريعة سابقة، ولم تدركها أمة تالية (د. فاطمة نجا: المستشرقون والمرأة المسلمة. ص 11. د. ت. دار الإيمان – مصر). لقد أراد الإسلام أن تكون المرأة جوهرة مصونة، وأَبَتِ المرأة الخارجة على آدابه إلا أن تكون سُوقًا مُبْتذلة للعيون الشهوانية. إنّ القرآن مازال يُدوّى صوته في الآذان، قولًا من الربّ الحكيم في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا النبي قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]. ويدعو المؤمنين إلى أن: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. لقد انسلخ هؤلاء من تلك الضوابط، وبُلُوا بِرِقِّ النفس والشيطان. وأصبحت المرأة المسلمة تُوَاجِهُ خطر الخروج على المبادئ التي تُحَدّدُ علاقتها بالرجل، بموجب ما جاء في الشريعة الإسلامية؛ بسبب تلك الصيحات الشريرة التي انطلقت من دعاة الاستعمار والتبشير والصهيونية، حيث يهدفون بذلك إلى تقْوِيضِ أركان المجتمع الإسلامي من أجل السيطرة العامّة (د. عمر سليمان الأشقر: المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم. ص 15. ط3. 1404هـ / 1984م. مكتبة الفلاح – الكويت). ومن أبناء هذه الأمة الذين نَمَتْ عقولهم على مفاهيم مُزَيَّفة مَنْ أخذت أقلامهم المَأْجورة، تَنْفُثُ السُّمّ الزُّعاف، مُطالِبَةً بما يُسَمُّونَه بحقوق المرأة، راغبين في إخراجها من خدرها. ومن عَجَبٍ أنّ هذه العقول تَثَقّفت وتَعَلّمت، لكنّها كانت أوعية لعلوم وثقافة غير أصيلةٍ تُطالب بالتّنَصُّلِ منَ الإسلام، وتدعو إلى مدنيّات بَرّاقة وحضارات موقوتة (أ. باسمة كيّال: تطور المرأة عبر التاريخ. ص 5. ط 1401هـ / 1981م. مؤسسة عز الدين – بيروت). هذا مع أنّ من عقلاء الغرب مَنْ رأى أنّ قَرَارَ المرأة في بيتها هو الأصل، يقول William Graham ويليام جراهام عن المرأة: “مكانها هو في دائرة الأسرة، وواجبها هو في أن تبقى في البيت”. وعبارته هي A practical and Exegetical Commentary on the Epistle of Titus. P. 80. 1860. London “Her place is the family circle, and her duty is to stay at home”. * من القضايا المادية (المالية) المتعلقة بالمرأة: سأتناول الحقوق والواجبات المتعلّقة بالمرأة في اليهودية المسيحية والإسلام بتوسّع في الأطروحة. لكنني سأكتفى -هنا- بالإشارة إلى نموذج من حقوق المرأة الماديّة؛ للتوضيح: – الميراث: أولًا: الميراث لغةً: مصدر لفعل واحد هو: وَرِثَ، يَرِثُ، إِرْثًا، ومِيراثا. قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: من الآية 16]. و”الوارث” اسم من أسماء الله الحسنى الذى يعنى الباقي بعد فناء خلقه. ويأتي الميراث بمعاني أخرى هي الإرث الفطري: وهو انتقال الخصائص والصفات البدنية والطابع النفسي والأحوال الصحيّة من الآباء إلى الأبناء، فهذا يرث من والديه تقاسيم الوجه أو القامة أو لون البشرة وغيرها، وهذا يرث الذكاء أو البلادة أو اللين أو الشدة… إلخ. الإرث المعنوي: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دِينارًا ولا دِرْهمًا إنّما وَرَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍّ وافرٍ» (الترمذي: سننه. كتاب العلم. باب “ما جاء في فضل الفقه على العبادة”. رقم 2682. ص 604). أي يرثون عنهم العلم، يتعلمون شرائعهم ويقومون بالدعوة إلى الله نيابة عنهم. الإرث المادي: وهو انتقال المال ويُسمّى المال المنتقل مِيراثًا، أي انتقال تركة الميت بوفاته إلى ورثته (ابن منظور -جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم ت 711هـ-: لسان العرب. المجلد الأول. جـ1. ص 57. مادة “أرث”. تحقيق عبد الله الكبير وآخرين. د. ت. دار المعارف – القاهرة). ثانيًا: الميراث اصطلاحًا: الميراث عند الفقهاء اسم لما يستحقه الوارث من مُوَرِّثه بسبب من أسباب الإرث سواءً كان المتروك مَالًا أو عَقَارًا أو حقًّا من الحقوق الشرعية. أما علم المِيرَاث أو علم الفرائض فهو علم من العلوم الشرعية يَحْوِى مجموعة من القواعد الفقهية والحسابية التي يُعْرف بها حق أو نصيب كل وارث شرعي من التركة، ويُسمّى علم الفرائض، وذلك أن الفريضة مأخوذة من الفرض، أي التقدير وهو النصيب المقدر للوارث قال تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية 237]. أي: ما قدرتم. ولذلك يُسمّى هذا العلم بعلم الفرائض أو علم الميراث (الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن. تحقيق محمد سيد كيلاني. كتاب الواو. ص 518، 519. د. ت. دار المعرفة – بيروت). وبعد أن تعرضنا للدلالة اللغوية والاصطلاحية للميراث، نتناوله بين اليهودية والمسيحية والإسلام. 1- في اليهودية: إنّ اليهود يُقدّسون المال ويتمسّكُون به، ويمنعون تسربه إلى غير أسرته (الأصول، والفروع)؛ لذلك كانوا يَحْرِمُون البنت من الميراث إذا كان للميت ولد ذكر، كما يمنعون الأم والزوجة والأخت من الميراث. فإذا مات الأب وترك ذكورًا وإناثًا كانت التركة من حقّ الذكور، فإن لم يُوجد يجعلون للبنت حظًّا، على أن تتزوج من رجل من بين أفراد الأسرة؛ حتى لا يؤول الميراث إلى أجنبي. وللبنات حقّ النفقة حتى الزواج أو سنّ البلوغ (أ. نادي فرج درويش: الأحكام الشرعية في التوراة. ص 449. ط1. 2004م. مركز ابن العطار للتراث – القاهرة). أما الزوجة فلا ترث زوجها، لكن لها الحقّ في أن تعيش من تركة زوجها. والمرأة التي يموت زوجها تُعتبر جزءًا من ميراث أخى الزوج يتزوجها وإن كانت كارهة. وبمعنى أدقّ لا يعتبر هذا الزواج زواجًا، بل هو ميراث، أو بالأحرى اغتصاب، فهؤلاء اليهود جعلوها مجرّد حيوان يرثه أهل المتوفى، ولهم مُطلق الحرية في التصرّف فيه. وقد وَرَدَ مثل هذا الكلام في سفر العدد: “أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته” (27: 8). 2- في المسيحيّة: لم يتعرض الإنجيل للميراث؛ لذلك اتبع النّصَارى النظام المعمول به في شريعة اليهود، وما ورد في الشرائع القديمة (Sarah Sheriff: Women’s Rights in Islam. P. 17. 1989. London) 3- في الإسلام: وقد مَرّ تشريع الميراث بمراحل عديدة؛ مراعاة لسنة التدرج المألوفة في الإسلام، وكانت مراحل تشريعه كالآتي: المرحلة الأولى: لَمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة هو وصَحْبُهُ الكِرام تركوا أموالهم وأملاكهم في مكة فتلقاهم إخوانهم الأنصار من أهل المدينة فآووهم ونصروهم وقاسموهم أموالهم، فصار التوريث بالهجرة والتحالف والأخوة التي آخاها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، قال الله تعـالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَىءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال:72]. المرحلة الثانية: شُرِعَ فيها الميراث بالوصية الواجبة للوالدين والباقي للأقربين من الولد وغيره، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180]. المرحلة الثالثة: وفيها تمّ نَسْخُ التوارث بالمؤاخاة والتحالف، بالقرابة والرحم، قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75]. المرحلة الرابعة: وفيها شُرِع الميراث بالقرابة دون تفصيل، وجعل للنساء حُظوظًا في ذلك، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] (أ. محمد أبو زيد: مكانة المرأة في الإسلام. ص 210. ط 1979م. دار النهضة العربية – القاهرة). وإذا كانت الأشياء تتميز بأضدادها فإن هذه الأطروحة ستكون -إن شاء الله- دراسة تحليلية مقارنة بين المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام حتى ينجلي الغبار، وتستبين السبيل. وانطلاقًا من ذلك رأيت أن أساهم بجهدي المتواضع فأدلى بدلوي في هذا الباب لأُرْوى نفوسًا ظامئة إليه مستعين بالله، ثم بمن سبقني فيه على قدر ما يصل إلى علمي من اطّلاع. وذلك من خلال التعرض لمكانة المرأة والقضايا المتعلقة بها في التشريعات الثلاثة. ياسر منير (باحث بالدكتوراه، مقارنة أديان – جامعة القاهرة)
رابط المادة: http://iswy.co/ev6jh