إن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تنقسم من حيث القطعية والظنية إلى أربعة أقسام فهي إما قطعية الثبوت والدلالة، وإما ظنية الثبوت والدلالة، وإما قطعية الثبوت ظنية الدلالة، وإما ظنية الثبوت قطعية الدلالة، ويراد بثبوت النص نسبته إلى مصدره، ويراد بالدلالة، مفهوم النص الدال على الحكم المستنبط منه والنصوص الثابتة بيقين هي القرآن الكريم بكل آياته وحروفه بما تحمله من ضبط إعرابي أو بنيوي، وكذلك السنة النبوية الصحيحة، والنصوص ظنية الثبوت تختص بالسنة النبوية غير المتواترة كالآحاد والمرسل وغيرهما.
وتنقسم النصوص الشرعية من حيث الدلالة على الحكم المستنبط منها إلى قسمين قطعية الدلالة وهي النصوص التي لا تحتمل إلا حكما واحدا لا غير، والقسم الثاني ظنية الدلالة وهي النصوص التي تحتمل الحكم وغيره لقرينة.
والأحكام الشرعية المنصوص عليها في قضية الميراث لا تخرج عن نطاق النصوص القطعية الثبوت والدلالة، وهي على هذا الأساس غير خاضعة ولا قابلة لتأويل جديد أو فهم بعيدا فهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، إذ تولى الله تقسيم الإرث بعلمه وحكمته ولم يترك ذلك لأحد من عباده، وقد بين الله ذلك في قوله “آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما”،[1] فهو العليم بأحوال عباده وبما فيه الخير لهم وهو الحكيم في تدبيره وتشريعه لهم ،وفي قوله تعالى “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا”.[2]
وقد جاء ذكر أحكام الإرث في الآيتين 11 و 12 من سورة النساء ثم بعدها مباشرة جاءت الآية 13 بالوعد لكل من أطاع الله بتنفيذ حدوده على الوجه المشروع بجنات تجري من تحتها الأنهار، وبالوعيد لكل من تعدى حدود الله بزيادة أو نقصان أو بحرمان من يستحق وإعطاء من لا يستحق وكل من لا يقبل بهذا التقسيم الإلهي بالعذاب المهين قال تعالى “تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين” ثم خثم الحديث على الإرث بقوله تعالى “يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم”.[3]
إن نظام التوريث في الإسلام نظام عادل بعدل الله الذي تولى تقسيمه، متوافق مع الفطرة ومتماشي مع متطلبات الحياة، يرث فيه الصغير كما يرث الكبير وترث فيه المرأة كما يرث الرجل، فالإسلام ساوي بينهما في أصل الميراث وبمجرد قدومنا للحياة ذكورا وإناثا نكون وارثين، إلا أنه فرق بينهما في مقداره، وهذه هي نظرة الإسلام للإنسان عموما، فحين تكون الحقوق والواجبات حقوقا وواجبات إنسانية تتعلق بالإنسان كونه إنسانا تكون واحدة لا تختلف ولا تتنوع يشترك فيها الذكر والأنثى على السواء دون أي تمييز قال تعالى “إن المسلمين و المسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما”،[4] وحين تتعلق بطبيعة الأنثى بوصفها أنثى وبطبيعة مهامها ودورها داخل المجتمع أو تتعلق بطبيعة الذكر بوصفه ذكرا وبطبيعة مهامه ودوره في المجتمع هنا لابد أن تختلف وتتنوع لأنها ليست علاجا للإنسان مطلقا بل لنوع واحد منه ،ولذلك جعل الله نصيب الرجل في الميراث ضعف نصيب الأنثى، وهذا في العصبات كالأولاد والإخوة، ولنفهم أصل هذا التفاوت لابد أن ننظر لنصيب كل من الرجل والمرأة في سياق الحقوق والواجبات المالية لكل منهما، فالرجل في الإسلام تجب عليه لائحة طويلة من التكاليف المالية الثقيلة أكثرها واجبة عليه تجاه المرأة زوجة كانت أو بنتا أو أما أو أختا ،مثل الصداق والنفقة والسكن والمتعة إلى غير ذلك من التكاليف المالية، التي يعتبر بعضها من الواجبات الدينية غير القابلة للتنازل أو الإسقاط ولا سبيل للتملص منها أو التفاوض عليها.
أما المرأة فهي معفية من كل هذه التكاليف خاصة الزوجة التي تبقى نفقتها وسكناها على زوجها حتى وإن كان غنية أكثر منه، فكان من تمام العدل أن يعطى الرجل ضعف نصيب الأنثى،
ثم إن الفارق الحقيقي بين الذكر والأنثى والنقص الذي يلحقها في نصيبها ليس شيئا كبيرا بل لا يتجاوز السدس، فإذا فرضنا تركة من ستة إذا قسمت بالتساوي بين الابن والبنت يأخذ كل منهما ثلاثة، واذا قسمت بالتفاضل يأخذ الابن أربعة وتأخذ البنت اثنين، فالذي خسرته البنت هو السدس فقط، وقد عوضها الإسلام عنه بما فرضه لها من حقوق ، وبما أعفاها من تكاليف مالية التي لو أعطت ذلك الفارق لعجز عن سدادها واحتاجت إلى التكسب الذي أعفاها الإسلام منه وألقاه على الرجل وحده حرصا على صحتها وراحتها وصونا لها عن الابتذال في طلب المال وإشفاقا عليها من مشاكل تكسبه.[5]
إن قاعدة “للذكر مثل حظ الانثيين” مجرد صور لوضعية معينة لا تسري على كافة المواريث، إذ بالرجوع إلى أحكام المواريث في الإسلام نجد أن هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل وأخرى ترث فيها أكثر منه، وقد ترث هي ولا يرث هو:
الحالة الأولى :
ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل، ولهذه الحالة قسمان هما :
القسم الأول: حالات ترث فيها المرأة تعصيبا بالرجل، وتأخذ نصفه ولها أربع صور فقط وهي: إذا ترك الميت ابنا وبنتا أو ابن ابن وبنت ابن، أو أخا شقيقا وأختا شقيقة، أو أخا لأب وأختا لأب.
القسم الثاني: حالات تأخذ فيها المرأة نصف الرجل لو وجدت مكانة، وهي :
إذا ماتت الزوجة وتركت زوجا، ولم يكن لها فرع وارث، فللزوج نصف التركة، بينما إذا مات الزوج وترك زوجة، ولم يكن له فرع وارث، فللزوجة ربع التركة.
إذا ماتت الزوجة وتركت زوجا، ولها فرع واث، فللزوج ربع التركة، بينهما إذا مات الزوج وترك زوجته، وله فرع وارث، فللزوجة ثمن الترك.
– الحالة الثانية :
ترث فيها المرأة مثل نصيب الرجل، ولها صور كثيرة منها :
إذا ترك الميت: بنتا وأبا، فللبنت نصف التركة فرضا وللأب باقي التركة تعصيبا.
إذا ترك الميت: بنت ابن، وجدا فلبنت الابن نصف تركة فرضا لأنها تحل محل البنت عند عدم وجود أولاد للميت وللجد باقي التركة تعصيبا.
إذا ترك الميت : ابنا، وأبا، وأما فلكل واحد من الأب والأم سدس التركة فرضا.
أما، أخا لأم، أختا لأم، عما، فللأخ والأخت لأم ثلث التركة يقسم بينهم بالتساوي للذكر مثل حظ الانثى.
– الحالة الثالثة :
ترث فيها المرأة نصيبا أكبر من نصيب الرجل ولها صور كثيرة منها :
إذا ترك الميت: بنتا وأبا وأما، فللبنت نصف التركة فرضا، وللأم السدس فرضا وللأب سدس التركة فرضا والباقي تعصيبا، وبهذا يكون نصيب البنت أكبر من نصيب الأب.
إذا ترك الميت: بنت ابن، وجدا، وجدة فلبنت الابن النصف فرضا، وللجدة السدس، فرضا، والباقي تعصيبا، وبهذا يكون نصيب بنت الابن أكبر من نصيب الجد.
إذا تركت الميتة: بنت ابن، وزوجا وأبا، فلبنت الابن نصف التركة فرضا وللزوج ربع التركة، وللأب سدس التركة فرضا والباقي تعصيبا وبهذا يكون نصيب بنت الابن أكبر من الزوج والأب أيضا.
وفي بعض الصور تأخذ المرأة أكثر من نصيب الرجل إذا وجدت مكانه منها :
إذا تركت الميتة: ابنين، وزوجا، وأما وأبا فللزوج ربع التركة فرضا، وللأم سدس التركة فرضا، وللأب سدس التركة فرضا، وللابنين الباقي بعد أصحاب الفروض وإذا وضعنا مكان الابنين بنتين، لكان نصيب البنتين ثلثا التركة، وهو بلا شك أكبر بكثير من نصيب الابنين.
– الحالة الرابعة :
ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل ولها قسمان، هما :
– القسم الأول: حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل:
– إذا ترك الميت : بنتا، وأخا لأم فإن البنت تحجب الأخ لأم ولا يرث شيئا بسببها.
إذا ترك الميت: بنت ابن وأختا لأب وابن أخ شقيق، فلبنت الابن نصف التركة فرضا، ولأخت الأب باقي التركة تعصيبا مع بنت الابن، ولا شيء لابن الأخ الشقيق، لأنه حجب بسبب إرث أخت الأب.
– القسم الثاني: صور ترث فيها المرأة ولو وجد مكانها رجل لا يأخذ شيئا:
– إذا تركت الميتة : زوجا، وأما وأبا وبنتا، وبنت ابن، فللزوج ربع التركة، وللأم السدس وللأب السدس والباقي إن تبقى شيئا، وللبنت نصف التركة، ولبنت الابن سدس التركة، فلو وضعنا مكان بنت الابن الرجل المساوي لها وهو ابن الابن، فلا يأخذ شيئا لأنه يرث بالتعصيب ما يتبقى بعد أصحاب الفروض، في هذه المسألة لن يتبقى له شيء، أما بنت الابن فإنها ترث السدس فرضا، وهذه المسألة ستعول حتى تأخذ بنت الابن نصيبها.
إذا ترك الميت: أبا، وأم أم فللأم الأم سدس التركة.
ولو وضعنا مكان أم الأم الرجل المناظر لها وهو أب الأم فإنه لا يرث شيئا، لأنه ليس من الورثة أصلا.
وعلى كل فإن التمايز في الميراث لا تحكمه الذكورة والأنوثة كما يشاء للبعض أن يفسره وإنما هو محكوم بمعايير ثلاثة:
– أولها: درجه القرابة بين الوارث ذكرا أو أنثى وبين المورث –المتوفى-فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث.
– وثانيهما: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال… فالأجيال التي تستقبل الحياة عادة يكون نصيبها من الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين فالبنت ترث أكثر من الأم وكلتاهما أنثى بل وترث أكثر من الأب، والابن يرث أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.
– وثالثهما: العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين وهذا هو المعيار الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى.[6]
[1] – النساء :11
[2] – النساء : 7
[3] – النساء :176
[4] – الأحزاب : 35.
[5] – محمد التاويل، مقالة نشرت في مجلة المحجة تصنيف العدد 310-309، الفقه المعاملات يوم 1 يناير 2009.
[6] – هل الإسلام هو الحل لماذا وكيف للدكتور محمد عمارة دار الشروق ص 157. لقمان : 14. ميراث المرأة وقضية المساواة تأليف د. صلاح الدين سلطان الطبعة الاولى دار النهضة ص 4.