طالما أن معجزاته صلى الله عليه وسلم عظيمة لماذا عانده المشركون كل هذا العناد؟
كبار الكفار كانوا يعلمون صدق رسالته صلى الله عليه وسلم لأنها رسالة التوحيد فكانت فطرتهم تُسلم بذلك.
أليسوا هم الذين قد قالوا في أول يوم لبعثته: ما عهدنا عليك كذبًا قط.
ما جَرَّبْنَا عليك إلا صدقًا.[1]
ألم يقل هرقل في حديثه الطويل مع أبي سفيان والحديث في أول صحيح البخاري: ” وسَألتُك هل كنتُم تتهِمونه بالكذبِ قبلَ أن يقولَ ما قال، فذكَرْتَ أن لا، فقد أعرِفُ أنه لم يكُن لِيَذَرَ الكذبَ على الناسِ ويكذِبَ على اللهِ.
ثم قال هرقل قولته الشهيرة: “لو كنت عنده لكنت غسلت عن قدميه”.
وكان أبو سفيان يومئذٍ كافرًا.
وحين تلاحى سعد بن معاذ رضي الله عنه والكافر أمية بن خلف، وقد حاول أمية أن يمنع سعد بن معاذ من الطوف بالبيت، فقال سعد في أثناء الجدال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه قاتلك.
فتوقف أمية وأُسقط في يده وقال إياي؟
قال : نعم.
قال : والله ما يكذب محمد إذا حدث.
فرجع إلى امرأته ، فقال : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي ، قالت : وما قال ؟ قال : زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي ، قالت : فوالله ما يكذب محمد ، قال : فلما خرجوا إلى بدر ، وجاء الصريخ ، قالت له امرأته : أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ، قال : فأراد أن لا يخرج ، فقال له أبو جهل : إنك من أشراف الوادي فسر يوما أو يومين ، فسار معهم ، فقتله الله .[2]
إنهم يقطعون بصدقه صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الذي رواه البيهقي في سننه: “عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله فقال رسول الله لأبي جهل: «يا أبا الحكم، هلمَّ إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله».
فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت؟ فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك.
فانصرف رسول الله .
وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا السقاية.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا الندوة.
فقلنا: نعم.
ثم قالوا: فينا اللواء.
فقلنا: نعم.
ثم أطعموا وأطعمنا.
حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، والله لا أفعل”.
وما أعجب قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه التي رواها عن نفسه في جاهليته حين وفد على مسيلمة ، وكان صديقا له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد ، فقال له مسيلمة : ويحك يا عمرو ، ماذا أنزل على صاحبكم – يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم – في هذه المدة ؟ فقال : لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة فقال : وما هي ؟ فقال : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) [ سورة العصر ] ، ففكر مسيلمة ساعة ، ثم قال : وقد أنزل علي مثله . فقال : وما هو ؟ فقال : ” يا وبر إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حقر نقر.
كيف ترى يا عمرو ؟ ” فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك لتكذب.
فكان الناس يقطعون بصدقه ونبوته ولكن يمنعهم شيء –حب الدنيا والحسد-!
فمعجزاته صلى الله عليه وسلم الغيبية تزيد على الألف.
ومعجزاته المعرفية تملأ موسوعات.
ومعجزاته الإخبارية ما زلنا نرصدها.
ونقلة المعجزات هم صحابته أصدق الخلق وأبّرهم بعده.
وبعض معجزاته صلى الله عليه وسلم شهدها آلاف الصحابة مثل نبع الماء من بين أصابعه الشريفة حتى توضا منه وشرب ألف وخمسمائة صحابي والحديث متواتر ورواه البخاري ومسلم.
وتكثير الطعام اليسير ليطعم منه الجيش العظيم جائت به الأخبار المتواترة عن الصحابة فمَن بعدهم. وقد ذكر البخاري وحده معجزات تكثير الطعام في خمسة مواضع من صحيحه.[3]
فإذا كانت دواعي الصدق عامة متعاضدة على نبوته صلى الله عليه وسلم، فأنى لعاقل أن يُكذب بكل هذا؟
[1] صحيح البخاري، حديث رقم4770
[2] صحيح البخاري3632
[3] البخاري (1217)، البخاري (2618)، البخاري (3578)، البخاري (4101)، البخاري (6452). وكلها أحداث ووقائع مختلفة متباينة وهذا في البخاري وحده!