عرض القرآن الكريمصورة المسيح الحقيقية ، من لحظة ولادته إلى نهاية وجوده على وجه الأرض ، موضحاًحقيقة هذه الشخصية ، وهدف دعوتها ، وأركان رسالتها ، وما أختصها الله سبحانهوتعالى بالمعجزات . وذلك على النحو التالي :
1 – عيسى ابن مريم – عليه السلام – هو بشر مخلوق ،وعبد للخالق عز وجل ، وليس هو إله ، ولا بابن إله ، وأمه إمرأة طاهرة ظهرتبراءتها على لسان رضيعها ، وكانت هذه هي الحقيقة الأولى التي نطق بها المسيح وهوفي المهد ، حيث انطقه الله بقدرته العظيمه ، وذلك قوله سبحانه وتعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَفِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَوَجَعَلَنِي نَبِيًّا } [ مريم 29-30 ]
فالمسيح ليس إلا بشراًمخلوقاً ، ونبياً مرسلاً ، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِوَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ]
والمسيح عليهالسلام لن يستكبر عن الخضوع لخالقه ، بل يتشرف في كونه عبداً للخالق العظيمسبحانه وتعالى ، وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًالِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْعِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } [ النساء : 172 ]
وما كانت ولادته – عليه السلام – بهذا الشكل المعجز ، إلا لأنه آية للناس ، على قدرة الله سبحانهوتعالى في الخلق .
ولقد سبقه في هذهالطريقة المعجزة التي خلق بها ، في تميزها وغرابتها ، مثل قديم ، وهو آدم أبيالبشر – عليه السلام – ، قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَخَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ]
2 _ عيسى ابن مريم – عليه السلام – نبي ورسول منعند الله عز وجل ، كغيره من الانبياء والمرسلين ، جاء ليدعو إلى توحيد الخالقسبحانه وتعالى ، ويصحح انحراف اليهود عن دينهم ، وبعدهم عن شريعتهم . : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِالطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّىيُؤْفَكُونَ } [ المائدة : 75 ] .
وقوله تعالى:{ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْجِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَفِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }[ الزخرف : 63 ]
وقوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَىابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَاللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُالْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْكَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَايُرِيدُ } [ البقرة : 253 ]
وقوله تعالى : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَاوَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ } [ الحديد : 27 ]
3_ عيسى ابن مريم – عليه السلام – إنسان بار بوالدته ، ليس بجبار ولا شقي .
قال الله سبحانهوتعالى على لسانه : { وَبَرًّابِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [ مريم : 32 ]
وهذه الحقيقة القرآنيةتنفي بوضوح كل ما جاء في الانجيل الحالي ، من أن المسيح – عليه السلام – كانإنساناً مستهتراً بأمه ، يناديها بكل لا مبالاه قائلاً : (( مالي ولك يا إمرأة ؟! )) [ يوحنا 2 : 4 ] ..
4 _ عيسى ابن مريم – عليهالسلام – في القرآن الكريم هو قدوة صالحة ، وأنموذج رائع للإيمان والعبادةوالإخلاص لله سبحانه وتعالى ، يقول الله تعالى على لسانه : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَالْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } [ مريم : 30 _ 31 ]
5_ حقيقة رسالة المسيح – عليه السلام – ،ومحدوديتها ، إذ بعثه الله تعالى إلى طائفة محددة من البشرية ، فليست رسالته عامةلكافة الناس ، وإنما هو نبي مرسل إلى بني اسرائيل ، وفقط ، والآيات القرآنيةواضحة في هذه النقطة ، حيث تبين محدودية رسالة المسيح ، واختصاصها ببني اسرائيلوحدهم ، يقول الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُاللَّهِ إِلَيْكُمْ } [ الصف : 6 ]
وقوله تعالى : { وَيُعَلِّمُهُالْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولًا إِلَى بَنِيإِسْرَائِيلَ } [ آلعمران : 48 ]
وإن محدودية رسالةالمسيح – عليه السلام – واختصاص دعوته ببني اسرائيل ، أمر واضح تماماً فيالاناجيل المعتمدةعند المسيحيين حالياً ، فقد صرح بذلك المسيح نفسه ، في قوله : ( لم أرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة ) . ومن المعروف في اللغةأن ( إلا ) هي أداة تفيد الحصر فقد حصر المسيح رسالته ببني اسرائيل .
وهذ النصوص فيها ردواضح على كل دعوى تقول : إن المسيحية دين عالمي ، وأن التبشير به من أركان ذلكالدين .
6 _ يعرض القرآن الكريم حقيقة المسيح – عليه السلام – ومهمته التي جاء لأجلها ، وأن له وقتاً محدداً سوف يمضي فيه بدعوته إلى اللهتعالى ، حيث سيبلغ رسالة ربه المتمثله في الإنجيل ، وليتابع شريعة وسيرة التوراة، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَيَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌوَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةًلِلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 46 ]
7_ يذكر القرآن الكريم إحدى أهم وظائف المسيح – عليه السلام – وهي الإخبار والتبشير بمجيىء النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وذلكفي قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍيَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِقَالُوا هَذَا سِحْرٌ } [ الصف : 6 ]
8 _ المسيح – عليه السلام – هو كلمة الله تعالى ،يقول الله عز وجل : { يَا أَهْلَالْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّاالْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِوَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِوَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُإِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِوَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وكيلاً } [ النساء : 171 ]
والمقصود بالكلمة هنا : الأمر الإلهي ، الذي صدر عن الله تعالى بلفظ ( كن ) ، من غير واسطة أب ،فالمسيح مخلوق بالكلمة وليس هو الكلمة .
قال الله سبحانهوتعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىيَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُمَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ]
فالخالق العظيم وهو اللَّه يَخْلُق مَا يَشَاء إذَا قَضَى أَمْرًا” أَرَادَخَلْقه “فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون” أَيْ فَهُوَ يَكُون .
وتعني الكلمة أيضاًبشارة الله تعالى ، وهديته ، وذلك في قوله تعالى : { إِذْقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍمِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَاوَالْآخِرَةِ وَمِنَ المقربين } [ آل عمران : 45 ] .
9_ المسيح – عليه السلام – هو روح من الله تعالى ،يقول الله تعالى : { يَا أَهْلَالْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّاالْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِوَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِوَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُإِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِوَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وكيلاً } [ النساء : 171 ]
وهذه الإضافة ( روحالله ) هي إضافة التشريف والاجلال والتكريم كما يقال ( بيت الله ) و ( رسل الله ) و ( نعمة الله ) و ( ناقة الله ) .
وقيل هي اضافة خلق وملك كَمَا قَالَ : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِيالسَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ } [ الْجَاثِيَة : 13 ] أَيْ مِنْ خَلْقه . وكقولك : هذه نعمة منه أي من الله فهذه النعمة خالقها ومالكهاهو الله سبحانه وتعالى وعندما نقول روح منه أي مخلوقة ومملوكة لله سبحانه وتعالى .
والقول هنا فى كلمةروح منه تدل على ان المسيح من خلق الله فهو روح من الوهاب عز وجل وهذه تفنداعتقاد الطائفة التى زعمت ان المسيح إله غير الله او بمعنى انه إله مع الله ،فجاء الرد الإلهي بأنه روح منه أي كباقي الارواح التي خلقها الله سبحانه وتعالى .
ولعل هذه الاضافة لصفةعيسى – عليه السلام – إلى الله تعالى : ( روح الله ) ، هي التي اعتمدها المسيحيون، وأقاموا على مدلولها أسس دينهم ، في قضية التثليث ، ففسروا هذه الالفاظ تفسيراًمحمولاً على الظاهر ، دون الانتباه إلى الدلالة اللغوية لهذه الاضافات .
وكلمة روح هنا ليستخصيصة اختص الله تعالى بها في قرآنه السيد المسيح – عليه السلام – فهناك معانأخرى لكلمة روح ، وهناك من أطلقت عليه هذه اللفظة أيضاً .
يقول الله تعالى عنآدم عليه السلام : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِمِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ]
والقرآن الكريم هونفسه روح من أمر الله تعالى ، قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُوَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْعِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ]
ووحي الله تعالى لكلأنبيائه ، سمي في القرآن روحاً من أمر الله تعالى ، يقول الله تعالى : { يُنَزِّلُالْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْأَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [ النحل : 2 ]
وجبريل أمين الوحي – عليه السلام – سمي في القرآن روحاً من الله تعالى وذلك في قوله تعالى : { فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَارُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [ مريم : 17 ]
وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَلِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 192 ]
وقد سمى القرآن الكريممعونة الله تعالى ، وتأييده ، ونصره للمؤمنين ، عند القتال بالروح منه ، قال اللهتعالى : { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَوَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } [ المجادلة : 22 ]
وإذا انتقلنا الي كتبالنصارى نجد أن كاتب رسالة يوحنا الأولى [ 4 : 1 ] قد صرح بأن الروح التي هي منالله ليست هي الله وانما هي شخص أو انسان فقال : (( أيهاالاحبة لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الارواح هل هي من الله ؟ لأن أنبياء كذبةكثيرين قد خرجوا إلى العالم ))
إن قول يوحنا : (( لا تصدقوا كل روح )) يفيد أن الروح شخص ، فهو صادق إذا قامت البراهين على صدقه ، وكاذب إن دلت الأدلةعلى كذبه .
10_ معجزات السيد المسيح – عليه السلام – :
السيد المسيح – عليهالسلام – نبي كسائر الأنبياء – عليهم السلام – دعا قومه إلى الايمان بالله تعالى، وبين لهم شرائع اختلفوا فيها ، ومنهجاً للحياة السعيدة ، يقول الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِوَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَوَأَطِيعُونِ } [ الزخرف : 63 ]
ومع هذه الدعوى إلىالله تعالى : كان لا بد من معجزات تظهر تأييد الله عزوجل لرسوله بدعوته ، وهذهالمعجزات تتناسب مع أحوال كل قوم من الأقوام .
والمعجزات المذكورة فيالقرآن الكريم عن المسيح – عليه السلام – هي :
1 . إبراء الأكمة .
2 . إبراء الأبرص .
3 . إحياء الموتى .
4 . نزول المائدة منالسماء .
5 . تصوير الطين ،والنفخ فيه ، فيصبح حياً بإذن الله سبحانه وتعالى .
6 . الإخبار ببعض المغيبات . التي اطلعه الله عليها .
7 . الكلام في المهد .
وكل هذه المعجزات هيبأمر الله تعالى وإذنه ، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمَا كَانَلِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 38 ]
والآيات التي ذكرت تلكالمعجزات لم تغفل هذه الناحية ، حيث بينت أن هذه المعجزات هي لإثبات نبوة المسيحعليه السلام وكلها تجري بأمر الله تعالى وتأييده .
يقول الله تعالى : { وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْبِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِالطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِوَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِيذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 49 ]
وقول الله سبحانهوتعالى : { إِذْ قَالَالْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْكُنْتُمْمؤمنين * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَاوَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَامِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْعَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَاوَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَاللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْفَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 112 ]
11_ نهاية المسيح عليه السلام :
أراد اليهود قتلنبي الله عيسى عليه السلام فتآمروا على ذلك ، إلا ان الله سبحانه وتعالى أنجاهمنهم فرفعه إليه ولم يتمكنوا منه .. قال الله تعالى عن اليهود : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِوَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّااتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاًحكيماً} [ النساء : 157 ]
وفي قولهم – أي قولاليهود كما حكاه الله عنهم – وهو : { إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } دلالة ظاهرة على منتهى جرأتهم وقبح أفعالهم وتمردهم على الحق فهم لميكتفوا بتكذبيه بل سعوا إلى قتله وعزموا على ذلك وأعلنوا فعلتهم الشنعاء وأنهمقتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وأشاعوا ذلك بين الناس ، إلا أن الحقيقة هيان الله سبحانه وتعالى حفظ المسيح عليه السلام ورفعه إلى السماء ولم يتمكنوا منهوكان الله عزيزاً حكيماً ..
وقد تظاهرت الأدلة منالكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبدالله – عليه الصلاة والسلام – رفع إلىالسماء بجسده الشريف وروحه ، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يصلب ، وأنه ينزل آخرالزمان فيقتل الدجال ، ويكسر الصليب ، ويحرم أكل الخنزير ، ويضع الجزية بمعنى أنهلا يقبل إلا الاسلام ، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة ، وقد أجمع علماءالاسلام الذين يعتمد على أقوالهم على ماذكرناه ، وإنما اختلفوا في معنى التوفيالمذكور في قول الله عز وجل : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىإِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [ آل عمران : 55 ] على أقوال :
أحدها : أن المرادبذلك وفاة الموت ، لأنه الظاهر من الآية بالنسبة إلى من لم يتأمل بقية الأدلةوالقرائن ، ولأن ذلك قد تكرر في القرآن الكريم بهذا المعنى ، مثل قوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ السجدة : 11 ] ، وقوله سبحانه : { وَلَوْتَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ } [ الانفال : 50 ] وعلى هذا المعنى يكون في الآية تقديم وتأخير .
القول الثاني : معناهالقبض ، نقل ذلك ابن جرير في تفسيره عن جماعة السلف ، واختاره ورجحه على ما سواه، ومن هذا المعنى قول العرب : توفيت مالي من فلان أي قبضته كله وافياًوعليه يكون معنى الآية : إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حي ورافعكإلي .
القول الثالث : إنالمراد بذلك وفاة النوم ، لأن النوم يسمى وفاة ، كقوله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِيلَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَوَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ } [ الزمر : 42 ]
والقولان الأخيرانأرجح من القول الاول .
ومهما يكن من أمرفالحق الذي دلت عليه الأدلة البينة ، وتظاهرت عليه البراهين ، أنه عليه الصلاةوالسلام رفع إلي السماء حياً ، وأنه لم يمت ، بل لم يزل عليه السلام حياً فيالسماء ، إلى أن ينزل في آخر الزمان ويقوم بأداء المهمة التي أسندت إليه ،المبينة في أحاديث صحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسيكون نزولهعليه الصلاة والسلام علامة من علامات الساعة . لقوله سبحانه وتعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي أن عيسىعليه السلام سينزل في آخر الزمان ، ويكون نزوله ، علامه من علامات الساعة .
ثم يموت بعد ذلكالموته التي كتبها الله عليه مصداقاً لقوله تعالى : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا }
وأما من زعم أن اليهودقد تمكنوا منه وأنهم قتلوه أو صلبوه فصريح القرآن يرد قوله ويبطله ، والأدلة علىذلك كثيرة معلومة ، منها قوله سبحانه وتعالى في شأن عيسى عليه السلام : { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ } [ المائدة : 110 ] فقدكف الله سبحانه اليهود عن المسيح حين هموا بقتله وانجاه من كيدهم .
ومن ذلك قوله تعالىعلى لسان المسيح :{ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ } ولا شك ان السلام على المسيح حين يموت لا يكون بتعليقه على الصليب ودقالمسامير في يديه حتى يموت معذباً.
ومن ذلك قولهتعالى : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَىابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْشُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَالَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [ النساء : 157 ]
12 _ إبطال وقوع صلب المسيح بالدليلالتاريخي :
يدعي النصارى أن المسلمين بقولهم بنجاةالمسيح من الصلب ينكرون حقيقة تاريخية أجمع عليها اليهود والنصارى الذين عاصرواصلب المسيح ومن بعدهم.
فكيف لنبي الإسلام وأتباعه الذين جاءوا بعد ستة قرون من الحادثة أن ينكروا ذلك؟ !!
قد يبدو الاعتراض النصراني وجيهاً لأول وهلة، لكن عند التأمل في شهادة الشهودتبين لنا تناقضها وتفكك رواياتهم.
ولدى الرجوع إلى التاريخ والتنقيب في رواياته وأخباره عن حقيقة حادثة الصلب، ومَنالمصلوب فيها ؟ يتبين حينذاك أمور مهمة:
– أن قدماء النصارى كثر منهم منكرو صلبالمسيح، وقد ذكر المؤرخون النصارى أسماء فرق كثيرة أنكرت الصلب.
وهذه الفرق هي: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسيةوالماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية،والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون.
وبعض هذه الفرق قريبة العهد بالمسيح، إذ يرجع بعضها للقرن الميلادي الأول ففيكتابه “الأرطقات مع دحضها ” ذكر القديس الفونسوس ماريا دي ليكوري أن من بدع القرنالأول قول فلوري: إن المسيح قوة غير هيولية، وكان يتشح ما شاء من الهيئات، ولذالما أراد اليهود صلبه؛ أخذ صورة سمعان القروي، وأعطاه صورته، فصلب سمعان، بينماكان يسوع يسخر باليهود، ثم عاد غير منظور، وصعد إلى السماء.
ويبدو أن هذا القول استمر في القرن الثاني، حيث يقول فنتون شارح متى: ” إن إحدىالطوائف الغنوسطية التي عاشت في القرن الثاني قالت بأن سمعان القيرواني قد صلببدلاً من يسوع”.
وقد استمر إنكار صلب المسيح، فكان من المنكرين الراهب تيودورس (560م) والأسقفيوحنا ابن حاكم قبرص (610م) وغيرهم.
ولعل أهم هذه الفرق النكرة لصلب المسيح الباسيليديون؛ الذين نقل عنهم سيوس في ” عقيدة المسلمين في بعض مسائل النصرانية ” والمفسر جورج سايل القول بنجاة المسيح،وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي، ولعل الاسمينلواحد، وهذه الفرقة كانت تقول أيضاً ببشرية المسيح.
ويقول باسيليوس الباسليدي: ” إن نفس حادثة القيامة المدعى بها بعد الصلب الموهومهي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب على ذات المسيح”.
ولعل هؤلاء هم الذين عناهم جرجي زيدان حين قال: ” الخياليون يقولون: إن المسيح لميصلب، وإنما صلب رجل آخر مكانه “.
ومن هذه الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلاً عنه: الكورنثيون والكربوكراتيونوالسيرنثيون. يقول جورج سايل: إن السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرقالنصارى، قالوا : إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه،يشبهه شبهاً تاماً، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصاً آخر صلب بدلاً منالمسيح.
وثمة فِرق نصرانية قالت بأن المسيح نجا من الصلب، وأنه رفع إلى السماء، ومنهمالروسيتية والمرسيونية والفلنطنيائية. وهذه الفرق الثلاث تعتقد ألوهية المسيح،ويرون القول بصلب المسيح وإهانته لا يلائم البنوة والإلهية.
كما تناقل علماء النصارى ومحققوهم إنكار صلب المسيح في كتبهم، وأهم من قال بذلكالحواري برنابا في إنجيله.
ويقول ارنست دي بوش الألماني في كتابه ” الإسلام: أي النصرانية الحقة ” ما معناه: إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس، ومن شابهه منالذين لم يروا المسيح، لا في أصول النصرانية الأصلية.
ويقول ملمن في كتابه ” تاريخ الديانة النصرانية ” : ” إن تنفيذ الحكم كان وقتالغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمينالذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف،وصدقهم القرآن “.
وأخيراً نذكر بما ذكرته دائرةالمعارف البريطانية في موضوع روايات الصلب حيث جعلتها أوضح مثال للتزوير فيالأناجيل.
ومن المنكرين أيضاً صاحب كتاب ” الدم المقدس، وكأس المسيح المقدس ” فقد ذكر فيكتابه أن السيد المسيح لم يصلب، وأنه غادر فلسطين، وتزوج مريم المجدلية، وأنهماأنجبا أولاداً، وأنه قد عثر على قبره في جنوب فرنسا، وأن أولاده سيرثون أوربا،ويصبحون ملوكاً عليها.
وذكر أيضاً أن المصلوب هو الخائن يهوذا الأسخريوطي، الذي صلب بدلاً من المسيحالمرفوع.
وإذا كان هؤلاء جميعاً من النصارى، يتبين أن لا إجماع عند النصارى على صلبالمسيح، فتبطل دعواهم بذلك.
ويذكر معرِّب ” الإنجيل والصليب ” ما يقلل أهمية إجماع النصارى لو صح فيقول بأنأحد المبشرين قال له: كيف يُنكر وقوع الصليب، وعالم المسيحية مطبق على وقوعه ؟
فأجابه: كم مضى على ظهور مذهب السبتيين ؟ فأجاب القس المبشر: نحو أربعين سنة.
فقال المعرِّب: إن العالم المسيحي العظيم الذي أطبق على ترك السبت خطأ 1900 سنة،هو الذي أطبق على الصلب.
وأما إجماع اليهود فهو أيضاً لا يصح القول به، إذ أن المؤرخ اليهودي يوسيفوسالمعاصر للمسيح والذي كتب تاريخه سنة 71م أمام طيطوس لم يذكر شيئاً عن قتل المسيحوصلبه.
أما تلك السطور القليلة التي تحدثت عن قتل المسيح وصلبه، فهي إلحاقات نصرانية كماجزم بذلك المحققون وقالوا: بأنها ترجع للقرن السادس عشر، وأنها لم تكن في النسخالقديمة.
ولو صحأنها أصلية فإن الخلاف بيننا وبين النصارى وغيرهم قائم في تحقيق شخصية المصلوب،وليس في وقوع حادثة الصلب. { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه } (النساء: 157) وهذا حال اليهود والنصارى فيه.
ولكن المؤرخ الوثني تاسيتوس كتب عام 117م كتاباً تحدث فيه عن المسيح المصلوب.
وعند دراسة ما كتبه تاسيتوس، يتبين ضعف الاحتجاج بكلامه، إذ هو ينقل إشاعات ترددتهنا وهناك، ويشبه كلامه أقوال النصارى في محمد صلى الله عليه وسلم في القرونالوسطى.
ومما يدل على ضعف مصادره، ما ذكرته دائرة المعارف البريطانية، من أنه ذكراًأموراً مضحكة، فقد جعل حادثة الصلب حادثة أممية، مع أنها لا تعدو أن تكون شأناًمحلياً خاصاً باليهود، ولا علاقة لروما بذلك.
ومن الجهل الفاضح عند هذا المؤرخ، أنه كان يتحدث عن اليهود – ومقصده: النصارى. فذكر أن كلوديوس طردهم من رومية، لأنهم كانوا يحدثون شغباً وقلاقل يحرضهم عليها ” السامي ” أو ” الحسن ” ويريد بذلك المسيح.
ومن الأمور المضحكة التي ذكرها تاسيتوس قوله عن اليهود والنصارى بأن لهم إلهاً،رأسه رأس حمار، وهذا هو مدى علمه بالقوم وخبرته.
كما قد شكك المؤرخون بصحة نسبة العبارة إلى تاسيتوس، ومنهم العلامة أندريسنوصاحبا كتابي ” ملخص تاريخ الدين ” و ” شهود تاريخ يسوع “.
وقد تحدث أندريسن أن العبارة التي يحتج بها النصارى على صلب المسيح في كلامهمغايِرة لما في النسخ القديمة التي تحدثت عن CHRESTIANOS بمعنى الطيبين، فأبدلها النصارى، وحوروها إلى: CHRISTIANOS بمعنى المسيحيين.
وقد كانت الكلمة الأولى ( الطيبين ) تطلق على عُبّاد إله المصريين “أوزيريس”، وقدهاجر بعضهم من مصر، وعاشوا في روما، وقد مقتهم أهلها وسموهم: اليهود، لأنهم لميميزوا بينهم وبين اليهود المهاجرين من الإسكندرية، فلما حصل حريق روما؛ ألصقوهبهم بسبب الكراهية، واضطهدوهم في عهد نيرون.
وقد ظن بعض النصارى أن تاسيتوس يريد مسيحهم الذي صلبوه، فحرف العبارة، وهو يظنأنه يصححها. ويرى العلامة أندريسن أن هذا التفسير هو الصحيح.
وإلا كان هذا المؤرخ لا يعرفالفرق بين اليهود والنصارى، ويجهل أن ليس ثمة علاقة بين المسيح وروما.
وهكذا فإن التاريخ أيضاً ناطق بالحقيقة، مُثبت لما ذكره القرآن عن نجاة المسيحوصلب غيره.
وتذكر دائرة المعارف الكتابية سفرا اسمه ” اعمال يوحنا ” وهو من الاسفار التيحكمت الكنيسة بعدم قراءته وانه من الاسفار الأبوكريفية . و تقول المصادر المسيحيةان هذا السفر من المحتمل أنه قد كتب فيما بين 150 – 180 ميلادية . ومما جاء في هذا السفر أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي ، وأنالصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلاً . هذا وقدكان لأعمال يوحنا تأثير واسع كما تذكر الدائرة .
ونجد في مخطوطات ( نجع حمادي ) المكتشفة في مصر؛ حيث كشف بعد الحرب العالميةالثانية عن ثلاثة وخمسين نصاً، تقع في ألف ومائة وثلاثة وخمسين صفحة، ومن هذهالنصوص ما تحدث عن نجاة المسيح، وأنه لم يصلب.
ولم يرد في هذه المخطوطات أيُّ ذِكْرٍ لمحاكمة المسيح وصلبه، بل جاء في إنجيلبطرس على لسان بطرس: “رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: ما هذا الذي أراه يا سيد؟ هل هو أنت حقاً من يأخذون ؟.. أم أنهم يدقون قدميّ ويديّ شخص آخر ؟.. قال ليالمخلص.. من يُدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي فيشبهة في العار ! انظر إلي ، وانظر إليه “. [ رؤيا بطرس 24-81.4، نجع حمادي 344 ] ( Pagels.TGGp.72)
وفي مخطوطة أخرى من هذه المخطوطات وهي كتاب ” سيت الأكبر Second Treatise of Great Seth ” جاء على لسان المسيح “كان شخص آخر، هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا… كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجاً في العُلا.. أضحك لجهلهم “. [ رسالة شيثالكبير الثانية 19-56.6 ، نجع حمادي 332] ( Pagels.TGGp.72-73)
وفي مخطوطة ” مقالة القيامة “: ما يدل على أن المسيح مات موتاً طبيعياً، وأن روحهالمقدسة لا يمكن أن تموت.
يقول البرفسور بورتون ماك Burton : (( أما بالنسبة لقصة الصلب والقيامة ، فإن مرقس _ أول منكتب القصة _ أخذ الفكرة الأساسية من أسطورة كريستوس غير أنه تجرأ بأن تخيل كيفيمكن أن تبدو قصة الصلب والقيامة لو كتبها تاريخاً فعلياً تمت أحداثه في القدسوهو ما كانت الأسطورة ترفضه ، وهكذا يمكننا أن نفهم قصة مرقس باعتبارها دمجاًلأحداث المسيح الحقيقي مع أسطورة كريستوس )) ويقول البرفسور: (( كافة القصص فيالأسفار الأخرى تبدأ من مرقس ، فلا يغير أحد من المؤلفين بعد مرقس أساس القصة ) وايضاً : (( ثم بعد ذلك صار المسيحيون يتخيلون قصة مرقس الخيالية كما لو كانتتاريخاً واقعاً ) ( MackWWNT p.152 )
وفوق كل ذلك نلاحظ أنه لا يوجد في سفرالأقوال Q ولا فيسفر توما Thomas المكتشف حديثاً ، أي اشارة لا من قريب ولا من بعيد عن قصةالآلام والصلب ، مع أنهما كتبا في وقت مبكر أي حوالي ثلاثين عاماً قبل أن تكتب أيمن الاسفار الاربعة القانونية .
ومن المعلوم ان المجامع الأولى قد حرمت قراءة الكتب التي تخالف الكتب الاربعةوالرسائل التي اعتمدتها الكنيسة فصار أتباعها يحرقون تلك الكتب ويتلفونها ، ومايدرينا أن تلك الكتب التي فقدت وحوربت كانت تنكر الصليب ؟ فنحن لا ثقة لناباختيار المجامع البشرية لما اختارته فنجعله حجة ونعد ما عداه كالعدم . وها هومجمع (ترنت) الذي عقد في القرن الخامسعشر والذيصادق على قرارات مجمع ( قرطاج Carthage ) سنة 397 بشأن الاسفار السبعة وحكم بقانونيتها ،فجاءت الكنيسة البروتستنانية بعد ذلك في اوائل القرن السادس عشر ورفضت قرارات هذينالمجمعين !
ومن الروعة أن نقارن كل ذلك مع ماورد في القرآن الكريم بهذا الموضوع : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّاقَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُوَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِلَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَاقَتَلُوهُ يَقِينًا } [ النساء : 4 / 157 ]