إن ما جاء في الكتاب المقدس – بوجه عام – وما جاء في أسفار موسى (وخاصة سفر التكوين) من تصادمٍ مع حقائق العلم فيما يتعلق بخلق الكون والحياة، لهي أمور يبرِّئُ منها أهلُ العلم موسى والأنبياء؛ فهي من عمل كَتبة الأسفار الذين لم يراعوا الدقة فيما سطروه، وها هي مقدمة أسفار الشريعة الخمسة (أسفار موسى) تقول:
“ما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل البانتاتيك (الكتب الخمسة) منذ قصة الخلق إلى قصة موته” [1].
هذا تقرير إجمالي، نجد تفصيلاً له في كتب الشريعة الخمسة، المترجمة إلى العربية نقلاً عن الترجمة الفرنسية المسكونية التي قام بها 125 عالِمًا؛ إذ تقول في تقديمها لسفر التكوين ما يقطع بأنه من عمل مؤلفين مختلفين تأثروا بأساطير الشرق الأدنى القديم:
“لم يتردد مؤلفو الكتاب المقدس، وهم يروون بداية العالم والبشرية، أن يستقوا معلوماتهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من تقاليد الشرق الأدنى القديم، ولا سيما من تقاليد ما بين النهرين ومصر والمنطقة الفينيقية الكنعانية”…
على أن المؤلفين الذين أعادوا النظر في الفصول الأولى من سفر التكوين، وأضفَوْا عليها اللمسات الأخيرة، لم يكونوا مجرد مقلدين عميان، بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفرة بين أيديهم…
بديهي أن المقارنة بين نص الكتاب المقدس والروايات المتعلقة ببداية العالم، أو بأبطال العصور القديمة، لا تخلو من الفائدة في نظر قارئ الكتاب المقدس؛ فهناك كثير من الشواهد عن الماضي الأدبي في الشرق الأدنى القديم، نذكر منها الرواية البابلية عن خلق العالم على يد الإله مردوك، ومغامرات جلجامش البطل، المحتوية على رواية بابلية عن الطوفان، أو الأبراج الشامخة التي شادتها مدن ما بين النهرين إكرامًا لآلهتها، والتي تذكر برواية برجل بابل.
“وضعت روايات الآباء في زمن يبعد كثيرًا عن الأحداث العائدة إليها”.
إن الله الذي وسِعت رحمته كل شيء، يخاطب الناس جميعًا في القرآن العظيم، آخر كتبه للناس، فيقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 174، 175].
[1] مقدمة الكتاب المقدس، الصادر عن دار المشرق – بيروت – 1983م.
صادرة عن دار المشرق – بيروت – 1984.