الحمد لله الذي أرسل رسوله داعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا.
وبعد:
فلا شكَّ أنَّ الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال التي يقوم بها المسلم؛ ولذا تنافس العلماء والصالحون في الدَّعوة إلى دين الله، وفي عصرنا الحاضر ومع ظهور وسائل الاتِّصال المتطورة كالإنترنت، ومع تغير الزمان، وتبدُّل الأحوال والظُّروف، واختلاف طبائع الناس – ظهرت على الساحة الدعوية وسائل جديدة، وأساليب مُبتكرة في مُخاطبة المدعوين، وترغيبهم في الخير، وترهيبهم من الشر، ومنها ما يسمى بـ (الأسلوب الفكاهي) وتوظيفه على النحو الذي يَخدم تعاليم الإسلام، ويكون له الأثر في جذب المدعوين، وتحبيبهم لتعاليم الدِّين الحنيف، وقد سلك عدد من الدُّعاة هذا الأسلوب في مُخاطبة الناس، وقد لقي رواجًا بين عموم المسلمين، وخاصَّة طبقةَ الشباب، فأحبوه، بل واهتدى الكثيرُ منهم بسببه، عير أنَّ البعض انتقده، وسجَّل ملاحظات عليه، وسنحاول في هذه الأسطر القليلة، والكلمات الوجيزة، بيانَ قرب هذا الأسلوب أو بُعده من المنهج الصحيح الموافق لنصوص الكتاب والسنة، وبالله التَّوفيق، ومنه نستمد العون والمدد.
أساليب ومصادر الدعوة:
لما كانت الدعوة إلى الله من المنزلة والأهمية في القرآن والسنة بمكان، فهي تحتاج إلى أن يكون الدَّاعي على قدر وفير من العلم والكفاءة، والتأثير فيمن يدعوهم، ويَتطلب ذلك معرفة جيدة بأحوال وظروف مُعينة، وخبرة بأحوال النفس البشريَّة وانفعالاتِها، وهذا كله لا بُدَّ أنْ يكون مَبنيًّا على المصادر الصَّحيحة؛ كي تُعطي الدعوةُ إلى الله ثِمَارَها، ويجني منها الدَّاعي الخير والبركة مع الأجر، والمثوبة في الدُّنيا والآخرة، ومن هذه المصادر: كتاب الله وسنة رسوله، وسير الصالحين وتجاربهم في حقل الدَّعوة، واستنباطات أهل العلم والنظر الثاقب[1] .
أمَّا القرآن الكريم ففيه الكثير من العبر والتَّجارب والفوائد التي يستفيد منها الدَّاعي في دعوته، مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم التي قصَّها الله علينا، وتحمُّلهم أعباء الدعوة، والصبر على ما لاقوه من الأذى ممن كذبوهم من أقوامهم، والأساليب التي اتَّبعوها في دعوة أقوامهم إلى الهدى والتوحيد.
وفي السنة الشريفة مادة غزيرة، وتجارب وفيرة، يستفيد منها الدَّاعي في مُعالجة مُعظم، بل جميع الأحداث والظُّروف التي يَمر بها، ويستفيد أيضًا من المراحل المتعددة التي مرَّ بها رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ “ما من حالة يكون فيها الدَّاعي، أو أحداث تواجُهه، إلا ويوجد نفسها أو مثلها، أو شبهها أو قريب منها في سيرة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيستفيد الداعي منها الحل الصحيح، والموقف السليم الذي يَجب أنْ يقفه إذا ما فقه معاني السيرة النبوية، وقد يكون من حِكْمة الله ولطيف لُطف الله أنْ جعل رسولَه الكريم يَمرُّ بما مر به من ظروف وأحوال؛ حتى يعرف الدُّعاة المسلمون كيف يتصرفون، وكيف يسلكون في أمور الدعوة في مختلف الظروف؛ اقتداء بسيرة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم”[2]، والتجربة أيضًا خير معلِّم، فهي مَجموع ما تعلَّمه الدَّاعي من تَجارب سابقة، ومما استفاد منه من خبراته المتراكمة، ثم خبرة غيره؛ كي لا يقعَ في الخَطَأ، وكذلك يدخل في ذلك استنباطات بعض العُلماء والفقهاء في هذا المجال، ممن رزقه الله إلهامًا صادقًا، وفراسة صحيحة، وعملاً متقبلاً، وبذا تكون الخبرة والتجربة كالكتاب المفتوح للدَّاعي المسلم، يرى فيها الأخطاء فيجتنبها، ولا يرتكب الخطأ، ويقع فيه مرة ثانية.
على الداعية الالتزام بالمنهج السليم في الدعوة:
لا عذر للداعية المسلم من ترك المنهج السليم – المصادر المتقدمة – في الدَّعوة لأيِّ حجة أو سبب؛ لأن المطلوب منه هو أن تكون دعوته وفقًا لما أمر الله به ورسوله، وسيجد الداعية في الطريق القويم من الثمار والإيجابيَّات ما تقرُّ به عينه، وينشرح به صدره، ولو طال به الطَّريق، وشق عليه، ولو كان ذلك بعد مماته، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، والحجج التي يَحتج بها من يُخالفون المنهج السليم في الدَّعوة، أو يسلكون غير سبيلها، غالبها ترجع إلى ما يلي:
1- عدم قَبول وارتياح الناس له، وهي حُجَّة مرفوضة من الأساس، فليس كل ما يقبله الناس صحيحًا، ولا كل ما يرفضونه باطلاً؛ لأنَّه قد يُوافق أهواءهم فيَعُدُّونه حسنًا مقبولاً، ولا يعني هذا ألا يبالي الدَّاعي بنفسيات الناس، ودراسة أحوالهم، وما يُحبونه، وما يُبغضونه، وعلى ضوء ما جاء من المصادر الصحيحة، بل يتفحص ذلك ويهتم به، ويسلك من الوسائل ما يتسلَّل به إلى القلوب؛ ليؤثر فيها، ويأخذ بناصيتها نحو الخير، والهدف من ذلك كلِّه ابتغاء مرضاة الله – سبحانه – وهداية الخلق إلى هدى الله – سبحانه – وقد جاء في السيرة أنَّ رسولَنا الكريم ذهب إلى الطائف، ولقي منهم أذًى شديدًا، بل رفضوا دعوته، وضربوه بالحجارة[3]، ولم يستجب لرغبات الناس، ولكنَّه استعمل معهم الصَّبر والدعوة بالحكمة، ولم يدعُ عليهم بالهلاك والويل، فهداهم الله بعد حين أجمعين، بفَضْل ما كان يتحلَّى به من خُلُق عظيم، وصبر وحكمة – صلَّى الله عليه وسلَّم.
2- طول الطريق ومشقته: مما يدعو الدَّاعي في بعض الأحيان إلى الاستعجال في قطف الثِّمار، أو يسلك من الوسائل ما يُخالف نهج الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في دعوته؛ استعجالاً لبلوغ الغاية والهدف، فتكون له ردود ونتائج عكسيَّة، بل قد يفشل الدَّاعي في دعوته، وفي السيرة النَّبوية: أنَّه لما اشتد أذى قريش لصحابة رسولِ الله الكرام، فكانوا يأتونه فيطلبون منه الدُّعاء على قريش[4]، فيأمرهم بالصبر لعلمه – بأبي هو وأمي – أنَّ طريق الدعوة طويل وشاق، يَحتاج إلى قدر كبير من الصبر والتحمُّل والتقوى، وأنَّ العاقبة الحميدة والنصر يأتي بعد ذلك، ولكونه لم يأمر حينها بعد بالجهاد والهجرة.
3- الانجرار وراء النِّيات الحسنة والعواطف النبيلة، وهي من المطبات التي يقعُ فيها بعض من ينتسبون للدعوة أفرادًا وجماعات، علمًا أنَّ النيات والعواطف الطيبة الحسنة لا تَجعل من الخطأ صوابًا، ولا شَكَّ أنَّ الداعية في هذه الحالة يتحمل نتيجةَ خطئه، وجريرة عمله، ولو كان صادقًا؛ لأنَّ الله رتب الأسباب وَفْق مسبباتِها، ومن هذا القبيل إقدام بعض الصحابة الكرام على قطع جسر في معركة حاسمة[5] بين المسلمين والكفار حبًّا للشهادة، فكانت النتيجة وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف المسلمين، وكان لذكاء القائد المثَنَّى وحنكته في المعارك دورٌ فعالٌ في إنقاذ الجيش الإسلامي من خسارة كبيرة مُتوقعة.
فعلى هذا الأساس يتبين أنَّ الداعي المسلم الصادق يأخذ بنظر الاعتبار الوسائل والأساليب، ومن منظور القرآن والسنة وتجارب العلماء، ويقوم بما يجب عليه، وليس مطلوبًا منه النتيجة أو الثمرة من حيث بلوغُ الهدف؛ لأن هذا بيد الله – سبحانه – وحده، وإن كان رؤية الثمرة مما يُفرح الداعي، وهو يرى كثرة مَن يدخلون الإسلام من الجُدُد، كما فرح رسولنا الكريم بنصر الله – سبحانه – ونزل قوله – تعالى -: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ… ﴾ [النصر: 1 – 2][6]، لكن المطلوب من الداعية هو البيان – بيان الدلالة – والتبليغ، أمَّا الهداية – هداية القلوب – والتزام الناس بما يقول ويدعو إليه، فليسَ من اختصاصه؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، وهذا الموضوع يَجُرُّنا إلى أنْ نتفحص في بعض الأساليب والوسائل التي انتشرت في عصرنا الحاضر، وأصبحَ لها رواجًا واسعًا، واستخدمها بعضُ الدعاة، ونسلط عليها الضَّوء؛ لنرى هل هي مُوافقة لشرع الله – سبحانه – وهل توافق المصادر التي ذكرناها؟ ومنها استعمال الفكاهة والطرف والنكت، وتوظيفها للدعوة.
فنقول بعد هذه المقدمة:
الطُّرفة أو الفُكاهة: – بالضم – في اللغة هي: المزاح، وبالفتح مصدر: (فكه) الرجل، من باب سلم، فهو فَكِهٌ إذا كان طيبَ النفس مزاحًا، (والمفاكهة) الممازحة، ومعناها: ما يتمتَّع به المرء من حديث مستملح، واستعمالها وسيلة فعالة – إذا أحسن استخدامها – في إيصال المعلوم، ومعناها أيضًا: استغلال بعض المواقف بقول أو فعل يُدخل السُّرور على القلب، ويسري في النَّفس؛ مما يُحقق للفرد الصفاء الذِّهني، والتوازُن النفسي[7]، وقد عرف الأدباء بلطائف ونوادر لإجمام النُّفوس، وتسلية لها، وإبعادًا للسآمة، ولَهَا فوائدُ جَمَّة يستعان بها في تلطيف أجواء الدروس والمحاضرات، خاصَّة التي تستغرق وقتًا، وتزخر كتب الأدب، ودواوين الشِّعر والنَّثر بما يفرح القلب، ويؤنس النفس.
رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – هو القُدوة الحسنة:
فقد كان من هديه – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنْ يُلاطف أصحابه الكرام، ويداعب ويبتسم، ويبشُّ في وجه أصحابه ولا يقول إلا حقًّا[8]، وفي نفس الوقت يقومُ من الليل حتى تتفطر قدماه[9]، ويبكي حتى يبل الأرض من الدُّموع، فهو – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُعطي صورةَ الإسلام الحقَّة التي تَجمع بين المثالية والواقعية، مثالية في الحِرص لبلوغ الكمال في المستوي الإيماني والأخلاقي، مع النَّظر إلى طبيعة البشر وتفاوُتِهم، ومدى استعدادِهم لبلوغ المستوى الرفيع، والمتمثلة بالواقعية التي تعترف بفِطَر النَّاس وغرائزهم ورغباتِهم، ومن الأمثلة على استعمال الطرفة في الدَّعوة في الأفعال: قوله لزهير بن حرام: ((لستَ كاسدًا، أنت غالٍ))[10]، وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لامرأة عجوز: ((إنَّ الجنة لا يدخلها عجوز))[11]، والقصد من المزاح: “تأليف قلوب الضعفاء وجبرهم، وإدخال السرور عليهم، والرفق بهم، ومزاحه – صلَّى الله عليه وسلَّم – سالم من جميع هذه الأمور، يقع على جهة النُّدرة لمصلحة تامَّة من مُؤانسة بعض أصحابه، فهو بهذا القصد سُنَّة”[12].
ومن هذا الباب دأب العُلماء في دروسهم ومحاضراتهم[13] على استعمال المزاح، وفي حدود معينة، من أجل دفع المَلَل عن طلابِهم، خاصَّة إذا كان الدَّرس طويلاً، وتوسع فيه بعضُ الدعاة ممن يحسن فيهم الظَّن ممن له قدم راسخ في مجال الدَّعوة[14]،والذي دفعهم إلى ذلك جملة أمور منها:
1- ما يتعرض له الإسلام والمسلمين من حملة شعواء، يراد من خلالها تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي[15] خاصة، وفي أذهان الناس عامَّة، وإعطاء صورة قاتمة سوداويَّة عن المسلم؛ حتَّى لا يبقى مجال للعوام من تدبر الدَّعوة الإسلامية وتعاليمها، فأراد هؤلاء الدُّعاة – غيرةً لدينهم ودفاعًا عنه – دفعَ الشبه، ودفعَ التُّهم الموجهة إلى المسلم، وبيان أنَّ الإسلام ليس كما يصور في الغرب، ومن خلال ابتكار وسائل في الدَّعوة تُعينهم على إيصال المفهوم الصَّحيح لمعاني الإسلام.
2- توصيل معاني الإسلام الحنيف بهذا الأسلوب إلى أكبر شريحة من المسلمين وغيرهم؛ بحيث يستوعب أغلب الفئات العمريَّة، وفتح الباب على مصراعيه؛ لِيَلِجَه أناسٌ لم يتعوَّدوا حضور المساجد، وقاعات الدُّروس والمحاضرات.
3- التمكُّن من الدُّخول إلى مؤسسات ثقافية وإعلامية، وهيئات، ومجتمعات ممن لا تتقبل نوعًا معينًا من الدُّعاة، وإيصال معاني الدِّين بأسلوب مَمزوج نُشئ من الدُّعابة، واللهو المباح، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب – كما يقولون.
4- التنفيس عن طاقة التوتُّر، والقلق النَّفسي الناتج عن ضُغُوط الحياة ومشاكلها المعقدة، ولا شَكَّ أنَّ إدخالَ المرح أو الفكاهة في الدرس أو المحاضرة يزيل الملل، ويَبعث على النَّشاط والحيوية، ويُقلل من حِدَّة روتين الحياة، وهو بديل رائع يتوجه إليه الشباب، بدلاً من التنفيس فيما يضر ولا ينفع.
ضوابط مهمة في الموضوع:
ولكي يؤتي هذا الأسلوب ثماره، ويكون موافقًا لما شرعه الله ورسوله من الأساليب والوسائل؛ لا بُدَّ من التذكير بما يلي:
أولاً: الاعتدال وعدم الإفراط؛ لأنَّ الإفراط في أسلوب الفكاهة يخرج الدَّعوة أو الدرس عن هدفه، فيحسن ألا يستخدم إلاَّ لمصلحة تامَّة، من دفع ملل، أو تأليف القلوب، واجتماع كلمة ونحوه، ومن وصايا سعد بن العاص لابنه: “اقتصد في مزاحك، فالإفراطُ به يذهب الحياء، ويُجرئ عليك السفهاء، وتركه يقبض المؤانسين، ويوحش المخالفين”، وفي كتاب البخلاء: “وللمزح موضع، وله مقدار، متى ما جاوزه أحد، وقصر عنهما أحد، صار الفاضل خطلاً، والتقصير نقصًا”[16].
ثانيًا: الحذر من استخدام هذا الأسلوب في ذات الله ورسوله، أو معاني الإسلام الثابتة، وخاصَّة في أسلوب تصوير المعاني، وضرب الأمثال؛ مما يدعو العوام إلى الاستهزاء أو الاستخفاف من المادة الدعوية، فيخرج الدرس عن هدفه، وهو إخراج النَّاس من حيرة الجهل والمعصية إلى نور العلم والهداية، بل ويفقد حينها الداعية وزنه وهيبته في القلوب.
ثالثًا: تجنب الكذب والسُّخرية من الآخرين، أو التحدُّث في أمور لم تحدث مطلقًا، أو افتعال أحداث ووقائع لم تقع، فمثل هذا وغيره يسوق ثقافة الكذب، ويحدث أنواعًا من الخلل في عقيدة المسلمين، فيكون كمن يريد أنْ يبني قصرًا فيهدم مصرًا.
رابعًا: لا بُدَّ للداعية المسلم من العلم أنَّ من يُحاورهم سيفهمونه أو ممن تعوَّدوا على أسلوبه؛ لئلا يصبحَ بينهم مهرجًا أو ممثلاً على خشبة مسرح، كما لا يَحسن استخدام هذا الأسلوب في غير مقامه، أو لمبتدئ لا يَحسن استعماله، فيقع في الإحراج.
وسائل نافعة تعين الداعية على بلوغ القصد:
1- الفهم الصحيح والدَّقيق لمعاني الإسلام، ومن خلال مراجعة ما درسه وتعلَّمه من المنهج السليم في الدَّعوة، ومن خلال مُراجعة هدي الرسول الأكرم في دعوته، وقراءة ما يتعلق بالسيرة النبوية بشكل دقيق ومُستمر، ومتابعة ما يصدر عن أئمة الهدى والعلم فيما يَخص وسائل الدعوة، ومراجعة أهل الاختصاص، واستشارتهم من العلماء العارفين، والتأمُّل في معاني الدعوة الصحيحة دائمًا، حتَّى ترسخ في الذِّهن، وتكون حاضرةً غير غائبة عن الذِّهن في كل وقت وحين.
2- تقوى الله وتطهير القَلب من شوائب الرِّياء، وتقوى الله ومراقبته لها أبلغ الأثر في بلوغ القصد والقَبول، ولا شك أنَّ طَلَب السمعة وحُبَّ محمدة الناس قد يَجر الداعية إلى سلوك وسائل غير مشروعة؛ من أجل إرضاء الناس، فينحرف الدَّاعية عن المنهج السليم، ويقع في أخطاء تكلِّفه الكثير، ومِن ثَمَّ يكون عمله مردودًا نسأل الله السلامة.
3- طلب العون والالتجاء إلى المولَى في أنْ يُعينه على الأمر بالمعروف، وتَحمُّل أعباء الدعوة، ودعوة الخلق وهدايتهم، ومن دون إعانة الله له، ودفع الضر، وحمايته من شرور نفسه أولاً، ومن غوائل وحبائل الشيطان ومصايده ثانيًا، فلن يبلغ القصد والهدف، “لقد كان الإمام ابن تيميَّة يخرج إلى الصحراء، ويضع خدَّه على التُّراب، ويقول: “يا معلِّم إبراهيم علمني”، يكررها مرارًا، ويكرر هذه الحالة مرارًا؛ كما ذكر تلميذه ابن القيم”[17].
4- عدم الاكتفاء بالعلم والمعرفة وحدَها – وهي مطلوبة – بل لا بُدَّ من التطبيق لمعاني الدَّعوة، وأن تكون له دراية تامَّة، وفراسة حاضرة نافذة، تدرك لما يجري حوله من مُتغيرات، فيتعامل مع ما يجري بحكمة وعلم وتقوى، فيكون ممن يوفقه الله لهداية البشريَّة إلى نور العلم والإيمان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
اللهم وفِّق العاملين والعُلماء والدُّعاة فيما يُرضي الله ورسوله، واجعلنا منهم بمنِّك وفضلك، إنَّك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وهو نعم المولى، ونعم النصير.
[1] هذه المصادر مستقاة من كتاب “أصول الدعوة”، للدكتور: عبدالكريم زيدان، ص299.
[2] المصدر السابق، ص 300.
[3] انظر ما لقيه الرسول المعظم من الأذى في كتاب “الرحيق المختوم”، تأليف: الشيخ المباركفوري، ص120، ولقد تراكمت الأحزان والمصائب في هذه المرحلة ما بَيْن الإغراء بالمنصب والجاه، وما بين التجرُّؤ بالأذى والنكال، وما بين موت قريب وحبيب، ولكن الإيمان بالله واليوم الآخر، واليقين الجازم أحال تلك المصائبَ إلى صبر، وتحمُّل تعجز عنه الجبال الرَّواسي، فصلى الله عليك يا عَلَمَ الهدى.
[4] وكان رد النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – على جواب الصَّحابة الأجلاء عبارةً كشفت عمَّا في نفوسهم من الهم، وفرجت عنهم الغم، وأعطتهم مزيدًا من الإصرار والتحمُّل، وزيادة العمل للدعوة وهي قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والله، ليتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرَموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))، والحديث رواه البخاري في الصحيح الصفحة أو الرقم: 6943.
[5] موقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة، وهي المعركة الوحيدة التي خسرها المسلمون مع الفرس، وسببها خلل في الصُّفوف، وارتباك في الموقف، وموت قائد الجيش أبو عبيد الثقفي… وفي غمرة هذه الأحداث قطع عبدالله بن مرثد الثقفي الجسر على المسلمين، قائلاً: أيُّها الناس، مُوتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا، وظهرت خوارق الشجاعة لدى الفُرسان مما عجز عن تفسيره علماء التاريخ بغير الإيمان بالله وحب الجهاد.
[6] رواه البخاري في صحيحة عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم: 4970.
[7] “مختار الصحاح”، للرازي، ص510، وانظر: مقال “الفكاهة والطرفة عند العرب”، جريدة المدى، بتاريخ 23: Monday, February، اسم الصفحة (ثقافة شعبية)، وكتاب (التراث القصصي)، الدكتور محمد رجب النجار، ص 657.
[8] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسولِ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – باب: ما جاء في المزاح، رقم: (1990)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[9] رواه البخاري في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – الصفحة أو الرقم: 4837.
[10] “البداية والنهاية”، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6/48 إسناد رجاله كلُّهم ثِقات، على شرط الصحيحين، وفي رواية: “كان يُحبه – زهير – وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي يومًا وهو يبيع متاعَه، فاحتضنه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أَرْسِلْني، فالتفت، فعرف النبي، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه، فجعل النبي يقول: من يشتري هذا العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذًا والله تَجدني كاسدًا، فقال النبي: ((لكن عند الله لست بكاسد))، أو قال: ((أنت عند الله غال)).
ذكره الألباني في الشَّمائل المحمدية – الصفحة أو الرقم: 204، وهو صحيح، مسند أحمد (3/161)، وسنن البيهقي الكبرى، (10/248).
[11] ذكره ابن كثير في تفسيره، (4/292)، وقال رواه الترمذي في الشَّمائل عن الحسن البصري.
[12] وقد خصص البُخاري في صحيحه بابًا أسماه: باب التبسُّم والضحك، في كتاب الآداب، أورد فيه كثيرًا من الأحاديث النبوية عن ضحك رسول الله، وتبسُّمه في مواقف كثيرة مضحكة، وكذا رُواة السنة المشهورون، تَجد في كتبهم أثارًا عدة تَهتم بهذا الجانب من حياة الرسول المعظم.
[13] أمثال العلامة ابن باز وابن عثيمين والألباني – يرحمهم الله أجمعين – لكن في حدودٍ مُعينة، وقد جمعت سيرهم، وما يتعلق بهم في هذا الباب من قبل تلامذتهم.
[14] ومن الدُّعاة أمثال الشيخ وجدي غنيم، ومن قبله الشيخ عبدالحميد كشك، والشيخ سعيد بن مسفر أحيانًا، وممن توسع فيه الشيخ الدَّاعية سليمان الجبيلان – حفظه الله – وقد لقيتْ مُحاضراته ودروسه رواجًا بين أوساط الشباب، بل ومن جميع الشرائح، نسأل الله له التوفيق والسَّداد.
[15] الحملة المسعورة التي يقودها الغربُ لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ليست وليدةَ العصر، أو وليدةَ أحداثِ 11 سبتمر، بل هي امتدادٌ لقرنٍ مَضَى، أو من بزوغ شمس الإسلام على وَجْه البسيطة، فوسائلُ الإعلام تقدم صورًا نمطية، وتتفنَّن في أساليب العرض، لإعطاء صورًا كانت تعرض بالأمسِ، وفي الإعلام العربي أيام الستينيَّات، ولصق شتَّى الاتهامات والدعايات عن الإسلام والمسلمين، إلاَّ أنَّ الصحوة المباركة حجمت تلك الدعاية والحملة، وردتها إلى جحورها.
[16] وضع ابن الجوزي، المتوفى سنة 597هـ مجموعةً من المصنفات فيما يُسمى: (بالتُّراث الفكاهي)، منها: الأذكياء والقصاص، وأخبار الحمقى والمغفلين، ومن أسباب تأليف هذا الكتاب: الاتعاظ والتَّذكر، ودفع الملل عن النفس، وربَّما لتعرية شخصيات في مُجتمع ابن الجوزي أيام الدولة العباسية من السلجوقيِّين؛ انظر: “المكونات السَّردية للخبر الفُكاهي دراسة في أخبار الحمقى والمغفلين”، لابن الجوزي، د. عبدالله محمد عيسى الغزالي.
[17] “أصول الدعوة”، للدكتور عبدالكريم زيدان، ص 304.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/7762/#ixzz61ndNdzgo