بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحروب الصليبية وفرض الغزو الفكري
الحروب الصليبية: هي عمليات حربية عسكرية، بدأت تهجم على العالم الإسلامي من شمال إفريقيا والأندلس، لفرض عقيدة التنصير، وتحويل المسلمين من الإسلام إلى النصرانية، وامتدت قرابة قرنين من الزمان 1092-1291م (390-592)
هـ، وبلغت حملاتها أكثر من تسع حملات.
الحملات العسكرية الصليبية الشهيرة
الحملة الأولى/ 1095-1099م تم فيها الاستيلاء على القدس واستمرت قرابة خمس سنوات.
الحملة الثانية / 1147-1149م، لم تحقق أي نجاح يذكر، بل بعد فشلها استرد المسلمون، بقيادة صلاح الدين الأيوبي القدس 1187م.
الحملة الثالثة 1189-1192م وجاءت ردًا على انتصارات صلاح الدين، واستغرقت مدة ثلاث سنوات .
الحملة الرابعة / 1202-1204م، تحولت عن مسارها، ونهبت بلدان الدولة البيزنطية النصرانية.
حملة الأطفال 1212م، وسميت بذلك لأن المشاركين أطفالٌ لم يبلغوا الحلم، زين لهم قُسُس النصارى قتل المسلمين، لأنهم وثنيون استولوا على القبر المقدس، قبر عيسى عليه السلام، على حد قول النصارى.
الحملة الخامسة / 1217-1221م، وفيها تم الاستيلاء على مصر.
الحملة السادسة /1228-1229م، هزمت على يد المماليك، ولم تحقق أي هدف من أهدافها.
الحملة السابعة/ 1248-1254م، قادها لويس التاسع ملك فرنسا، لمحاربة الملك الصالح نجم الدين أيوب، فحاربهم الملك الصالح حتى وفاته، ثم خَلَفَتْه في الدفاع زوجته شجرة الدُر، وتمكنت من أسر لويس، وفكته بفدية عظيمة , وهي أطول الحملات على الإطلاق وامتدت قرابة سبع سنوات.
الحملة الثامنة / 1270م، قادها لويس التاسع ملك فرنسا للإغارة على تونس، فمات ففشلت.
الحملة التاسعة / 1271-1272م، قادها ملك إنجلترا ادوارد الأول.
وتمكن المماليك من طرد الصليبيين نهائيًا من الشرق عام 1291م، وذلك بسقوط عَكَّا آخر معقل الصليبين. ولمزيد من التوسع راجع الموسوعة العربية الميسرة صـ709.
سبب التسمية لهذه الحروب
سميت هذه الحروب بالحروب الصليبية: لأن الغرب الأوربي (فرنسا , إنجلترا, اسبانيا، ألمانيا , هنغاريا , إيطاليًا…..) شن حملات على الشرق المسلم باسم الصليب، وتحت رايته، وكان قادة الكنائس ورجال الدين الكنسي، يدفعون الملوك والشعوب والأفراد إلى خوض هذه الحروب، باسم الصليب، فكانت حروبا دينية في نظرهم، لذلك كان المقاتلون النصارى يضعون علامة الصليب {+} على أسلحتهم، وخيلهم وثيابهم.
تقول الموسوعة العربية الميسرة في تسمية هذه الحروب، والدافع وراءها: أن السلاجقة بعد أن هزموا البيزنطيين في معركة مَلَاذ كُرْد، عام 1071م، وأسروا الإمبراطور رومانوس، وَجَّه البيزنطيون نداءات النجدة إلى الغرب، يطلبون فيها المساعدة، للوقوف في وجه التوسع الإسلامي.
(وقد كان دافع الحروب الصليبية المباشر هو الموعظة، التي ألقاها البابا أُرْبَان الثاني، في مجمع كَلَرْمُوْنت عام 1095م، وحث فيها العالم المسيحي على الحرب، لتخليص القبر المقدس من المسلمين، ووعد المحاربين، بأن تكون رحلتهم إلى الشرق بمثابة غفران كامل لذنوبهم، كما وعدهم بهدنة عامة تحمى بيوتهم خلال غيبتهم، وقد أخذ الصليبيون اسمهم من الصلبان، التي وزعت عليهم خلال الاجتماع، وعلى الرغم من أن الحافز الديني للحروب الصليبية كان قويًا، فقد كانت هناك حوافز أخرى دنيوية) ص 709.
مثل المغانم، وتأسيس الإمارات. والتوسع على حساب المسلمين والبيزنطيين على حد سواء، واستفاد الصليبيون بل الشعوب الأوربية جمعاء من هذه الحروب، في باب الحضارة والتمدن حسب قول الموسوعة: فقد احتك الأوربيون بشعوب أرقى منهم، فاستفادوا من نظمهم، وأفكارهم وعلومهم، ونشطت التجارة بين الشرق والغرب…صـ710
وأول من دعا إلى هذه الحروب حسب قول لوثروب، هو البابا سِلْفِسْتَر الثاني، عام 1002م، ولكنه لم يوفق في استنهاض همم المقاتلين النصارى، فأعقبه البابا خَرِيْغُوْرِ يُوْس سنه 1075م، وكان
كتاب النصرانية ومفكروهم، يحرضون العامة على المشاركة في هذه الحروب، ومن أشهر هؤلاء مَارِيْنُو, وجِيْلُوْم دِىْ نُوْجَارِىْ , ورِيْمُوْند لُوْل بِتْرَاك…
وقد حدد كَارْلُسْ الثامن في خطابه، إلى رئيس فرسان رُوْدُس، عن الأهداف التي يريد تحقيقها، فكاشفه عنها فقال: إنه ينوى (نشر الديانة المقدسة الكاثوليكية، وتحرير المسيحيين مما هم فيه من الخنوع للامة الجاحدة، واسترداد الأراضي المقدسة المغصوبة)
كما أظهر رئيس الفرسان في بقية كلامه، أن أمنيته ( أن يوفق في استئصال شأفة الأمة الملعونة أمة محمد ) راجع لمزيد من التفصيل تاريخ البابوات ل فرناند هايوارد ص 59 وما بعدها.
ولابن الأثير المعاصر لهذه الحروب، في كتابه العالمي الشهير {(الكامل في التاريخ) نشر دار الكتاب العربي بيروت لبنان الطبعة الثانية 1967م} تحليل ممتع عن هذه الحروب الصليبية، في جــ8 ص185، يستحق القراءة، ويحدد أغراضها في تبني نشر ديانة الصليب، وطمس الإسلام، من الأراضي التي فتحها المسلمون، في الدولة الرومانية النصرانية.
المقاومة الإسلامية للحروب الصليبية
ويشتهر من المسلمين في رد هذه الحروب ثلاث أسر:
الأسرة الزِنْكِيَّة، والأسرة الأيوبية, والأسرة المملوكية.
فأولى الأسر تركية النسب، تنتسب إلى السلاجقة، وكان أبناؤها مخلصين للخلافة العباسية، في دحر الغزوات الصليبية، وحَمْلِ لواء الجهاد ضد الغرب المتنصر، واشتهر من هؤلاء:
الملك العادل نور الدين محمود زِنْكِي توفي 569هـ (1173م )
يقول عنه أحد معاصريه (هزم الفرنج غيرمرة، وأخافهم وجَرَّعَهُم المُر، وافتتح من بلاد الفرنج مايزيد على 50 حصنًا، و بنى المكاتب للأيتام، ووقف عليها الأوقاف…..، ويقترن اسمه بتحرير مدن كثيرة، وفي مقدمتها أنطاكية، من أميرها الصليبي بُوْهمَنْد 551هـ، (1156م) وطرابلس، من أميرها رِيْمُونْد الثالث، وأسرهما، ثم أطلق سراحهما.
الأسرة الأيوبية: هذه الأسرة من أصل كردي، من تكريت، كانت تخدم نور الدين زنكي، واشتهرت في التاريخ بأسم السلاطين، وكان سلاطينها مخلصين للخلافة العباسية، كما عرفوا في التاريخ بشدة محاربتهم للفرنج.
وأعظمهم يوسف بن أيوب بن شاذان، المعروف باسم السلطان صلاح الدين الأيوبي، يقول عنه أحد المؤرخين: كان مغرمًا بالإنفاق في سبيل الله، شجاعًا سمحا مجاهدًا في سبيله، وفتح 60 حصنا، وضمها إلى ملكه، الذي ملكه من نور الدين، كما ضم إلى ملكه كلًا من مصر، والمغرب والحجاز واليمن والقدس.
ويقترن اسمه بالموقع المظفر (حِطِّيْن )، المعركة الفاصلة بين المسلمين والصليبيين، سنة 583هـ (1187م)، ثم أعادته للقدس في السنة ذاتها مرة أخرى إلى الصفوف المسلمة، بعد أن كان تَمَلَّكَه الفرنجة قرابة 90 عامًا، من يوليو { جولائي } 1099- إلى1187 م (583هـ، كما أن أخاه محمد بن أيوب كسر الفرنجة عند مدينة ينبع السعودية، سنة 1182م، حين طَمِعُوا في غزو الحرمين، واعتراض قوافل الحجيج.
الاسرة المملوكية
للأسرة المملوكية التي حكمت مصر، دور غير خفي في محاربة الفرنج، ومن أشهرهم، ركن الدين بيبرس، توفي 686هـ 1277م، ويذكر اسمه بكل إعتزاز في معركة عين جالوت 658هـ 1259م، التي كانت حدًا فاصلًا بين التتار والصليبيين من جهة، والمجاهدين المسلمين من جهة أخرى.
ومن أعظم ما قرأت من القصص المفيدة، ذا هدف مقصود، ما كتبه علي أحمد با كثير، وزير التربية والتعليم المصري السابق، في ملحمته الشهيرة، عن عين جالوت (وا إسلاماه ) وأنصح كل قارئ بقراءة هذا الكتاب، وأن يغض الطرف عن بعض هفواته، فإن لُبَّه معدن ثمين.
وكان طرد الصليبيين نهائيًا من ديار المسلمين، على يد أشرف بن قلاوون، ت693هـ، إذ استطاع هذا المجاهد استرداد آخر الحصون التي استولى عليها الصليبيون , فطردهم من مدينة عَكَّا الفلسطينية، بعد معركة حامية سنة (691هـ=1291م)
الدوافع الأساسية للحروب الصليبية
لتلك الحروب دوافع متعددة أهمها:
1- إعادة الأماكن المقدسة النصرانية في نظر القوم، من الوثنيين العرب، مثل كنيسة القيامة، التي تعرضت للخراب أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي.
2- إعادة أهل الشام وجنوب تركيا والعراق إلى النصرانية، كما كان عرب الغساسنة والمناذرة.
3- نشر النصرانية بحوافز غير معهودة، كصكوك الغفران، وكانت تعطى لكل من يجهز مقاتلًا، دفاعًا عن الصليب ضد المسلمين.
4- محاولة غزو مكة والمدينة، للقضاء على مركز الإسلام، وقوته الدافعة، ودفنه في مهده.
5- فرض عقيدة التنصير بقوة السلاح، بغض النظر، عن أن المُعتنِق تبناها عن قناعة أو بغير قناعة.
6- نهب الممتلكات باسم الدين، وقتل الأنفس باسم التحرر من الوثنية العربية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين