ليس بوسع أي عالم مُنصف من علماء الجيولوجيا أو الجغرافيا، إلا أن يشهد أن القرآن حق، وذلك حينما يتدبر كلام القرآن عن الجبال، ففي القرآن الكريم نجد أدق وصف للجبال، ونجد أيضًا الكثير من الحقائق عن الجبال التي لم يكتشفها العلماء إلا في القرن العشرين، وحديث القرآن عن الجبال يشير إلى أقدم الجبال وأطوار نشأتها، وينتهي بالإخبار بمآل الجبال بين يدي الساعة، فتلك أقدم الجبال جعلها الله رواسي للأرض من فوقها؛ لتثبيت الأرض وحفظها من الاضطراب، والجبال بصفة عامة تعمل على اتزان الأرض، ومن ثم كانت الجبال أوتادًا تثبت الأرض، حقًّا الجبال خلق عظيم، ولعظم شأنها حثَّ القرآن على التفكر فيها؛ حيث يقول عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20].

 

والجبال تقرن في آيات القرآن مع السماء والأرض؛ يقول تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 90 – 92] .

 

والجبال كالكائن الحي تنفعل وتخر هدًّا من هول جريمة ادعاء الولد إلى الله، بل إنها أشفقت من حمل الأمانة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

 

الجبال الشم الرواسي تشارك المخلوقات في سجودها وتسبيحها للخالق عز وجل، ومع ذلك يستنكف الكثير من الناس أن يشاركوها في سجودها؛ يقول تبارك تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [الحج: 18].

 

وتسبيح الجبال شيء لا يدركه العقل البشري، وقد تفضل الله على عبده داود، فجعل الجبال تسبح معه؛ يقول تعالى: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17 – 18 ]، ويقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾ [سبأ: 10].

 

وفي الوقت الذي كان فيه داود شاكرًا لأنعم ربه، جحدت عاد نعمة ربهم الذي سخر لهم الجبال ينحتون منها البيوت بحذق ومهارة؛ يقول تعالى: ﴿ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 82 – 83].

 

والجبال منظومة كونية يرد ذكرها في القرآن بصيغة الجمع، فإذا ما وردت الكلمة بصيغة المفرد “جبل”، فإنها تحمل إيحاءً مخصوصا، فهي جبال شهدت مع إبراهيم عليه السلام كيف يحيي الله الموتى، أو جبل دُك في الأرض حينما تجلى الله له، أو جبل يخشع ويتصدع من حمل الأمانة، أو جبل ينتق فوق بني اسرائيل؛ ليأخذوا ما آتاهم الله بقوة، أو جبل يعتقد ابن نوح جهلًا منه أنه يعصمه من الغرق؛ [البقرة – 260، الأعراف: 143، الأعراف:171، هود: 43، الحشر: 21].

 

وفي القرآن إشارة علمية شغلت العلماء قديمًا وحديثًا حول وظيفة الجبال، وما معنى أنها رواسي؟ وعلى أي شيء ترسو؟ وحقيقة الجبال الأوتاد، وما هي العلاقة بين شموخ الجبال وتصريف الرياح، وإنزال المطر، وطبيعة العلاقة بين مد الأرض وإنقاصها من الأطراف والرواسي؟ وهل الجبال تتحرك في الدنيا؟ ولسوف نوضح تلك الإشارات؛ ليتبين لنا سبق القرآن في كشف ظواهر الجبال، ونشير إلى مآل الجبال في الآخرة، ولسوف نفصل الحديث في النقاط التالية:

 

الإشارات العلمية:

وفيما يلي بيان العطاءات العلمية لآيات الجبال في القرآن الكريم:

1- كلمات تهدي وآيات تكشف:

أ- الكلمات الهاديات:

رواسي، رواسي شامخات، الجبال أوتاد، ألقى فيها رواسي، جعل فيها رواسي، نَصْب الجبال، مد الأرض، تميد الأرض، الجبال أكنان، جُدَد بيض وحمر مختلف ألوانها، غرابيب سود، تسيير الجبال،. دك الجبال، نسف الجبال، قاع صفصف، تسيير الجبال، الجبال كالعهن، الجبال كالعهن المنفوش، الجبال كثيب مهيل.

 

ب- الآيات الكاشفات:

1- الرواسي الأصيلة:

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت: 10].

 

2- الرواسي بين الجعل والإلقاء:

﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31].

 

﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15].

 

3- مرور الجبال:

يقول تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [ النمل: 88].

 

4- وتدية الجبال: يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ:7].

 

2- أقدم الجبال [شكل: 1]:

يقول تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾  [فصلت: 10].

 

كانت الأرض في مهد نشأتها مضطربة غير مستقرة، فجعل الله فيها جبالا ثوابت لئلا تميد، وللعلم أن أكثر الأقاليم استقرارًا هي الرواسخ [الكريتونات: “Cratons”، وتمثل الدروع [Shields] وهي أقدم صخور الأرض أنوية القارات، فالدرع العربي على سبيل المثال يمثل ركيزة شبه الجزيرة العربية، والدرع الإفريقي يمثل أساس القارة الإفريقية، وهكذا تمثل الدروع القاعدة التي تستند عليها عجائب العالم: Basement Foundation]]

 

والجدير بالذكر أن الرواسي الأصيلة في الأرض جعلت فيها من مادة الأرض من خلال نشاط داخلها صيَّرها رواسي، ولهذا لا يفهم ﴿ مِن فَوْقِهَا ﴾ على أنها أنزلت من السماء.

 

نصب الجبال:

يقول تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20 ].