في أوائل القرن الـتاسع عشر بدأ بعض المبشرين المسيحيين البريطانيين بالاهتمام بنشر الديانة المسيحية في أوساط «عبيد الكاريبي»، والذين يعتمد عليهم رجال الأعمال في أعمالهم الشاقّة؛ وحدث الصدام بين القوى الرأسمالية بحجة أن منح العمال المزيد من التنوير قد يقودهم إلى تمرد غير مأمون العواقب يزعزع أركان اقتصاد الإمبراطورية الإنجليزية التي بات اقتصادها يعتمد على العبيد ( الأيدي العاملة).
انشروا المسيحية إلا قليلاً
وكان الحل لهذه المعضلة، ووقف الصدام، هو نشر إنجيل جديد، يعمل على غرس المزيد من الولاء والخنوع ويُبعد عن رؤوس أصحاب الديانة من العبيد أي أفكار تحضُّ على الحرية، وذلك عبر بث «مسيحية مجتزأة» بـإنجيل جديد، حذف منه المبشّرون كل الفقرات التي شكّوا بأنها قد تجعل هؤلاء العبيد الذين يستخدمونهم في مزارعهم يفكرون في التحرر من ظلم الأسياد وقهرهم، وأبقوا على كل ما يلزم لإقناع السود البسطاء بأن طاعة السادة من طاعة الله، وأن احتمالهم السُخرة والإهانة وظروف العمل القاسية إنما هي من صميم إيمانهم بالرب وبالكتاب المقدس.
وطُبعت النسخة الأولى من هذا الكتاب المقدس المختزل لأول مرة في لندن عام 1807م، بالمشاركة مع جمعية مجتمعية أطلقت على نفسها اسم «جمعية هداية العبيد السود»، وسعت لجذب هذه الكتلة البشرية الضخمة المنهكة في مزارع القصب إلى «المسيحية المهذبة» شيئًا فشيئًا عبر أنشطة ودودة، كتعليم القراءة والكتابة وغيرهما.
وفي سبيل ذلك حذف المبشرون البريطانيون قرابة 90% من محتوى العهد القديم ونصف العهد الجديد من أجل ضمان أن المسيحية التي يسعون لنشرها لن تُؤثّر على اقتصاد البلاد، مما أنتج واحدة من أغرب وأندر نُسخ الأناجيل على مدار التاريخ، وهو الإنجيل الذي عُرف رسميًا بـ«إنجيل العبيد»!
نسخة من الإنجيل المخصص للعبيد السود في الكاريبي
سنصنع لهم إسلاما يناسبنا
وما أشبه اليوم بالبارحة … كما صنعوا للعبيد إنجيلا جديدا على المقاس، ليضمنوا ولاءهم وخضوعهم لهم، ظهر ما يريده الغرب من أمتنا على لسان رئيــس وكالــة المخابــرات الأمريكيــة CIA السابــق “جيمــس وولســي” فــي 2006 حيث قال : سنصنــع لهــم إسلامــاً يناسبنــا.
فبدأوا بالترويج إلى إسلام جديد تُحذف منه كل آية أو حديث أو حتى حدث تاريخي يدعم قيم التحرّر من هيمنة الغرب، فيكونوا بهذا قد فرّغوا الإسلام من مضمونه.
وبالفعل بدأت الحرب المسمّاة بالحرب على الإرهاب، والتي من أجلها افتعلوا حادثة 11 سبتمبر والتي شهد أهلها بأنها صناعة أمريكية خالصة، كما ذكر الكاتـب الفرنسي الشهيـر / تيري ميسان / مؤلف كتاب ” الخدعة الرهيبة “، لتسوّغ لهم دخول أفغانستان والعراق والسيطرة على الإرادة السياسية والعسكرية في كل البلدان المسلمة.
ثم بدأت دعوات الإسلام المعتدل والوسطي والتعايشي و…… إلخ من هذه الألفاظ المطاطة التي يمكن سحبها على أي مفهوم يريدونه.
وبدأ مفهوم الإسلام الجديد في الظهور، وكانت البادرة الأولى حين تم إصدار قانون ” الإسلام الجديد ” و الذي وافق عليه البرلمان النمساوي عام 2015م.
ثم تبعه بعد ذلك إغلاق المساجد التي لا تلتزم بهذا القانونحسب ادعائهم، ودعا “سيباستيان كورتس” وزير الخارجية النمساوي، إلى تزويد مكتب الأديان التابع للمستشارية النمساوية بمزيد من الموظفين حتى يتمكن من مراقبة المساجد والمراكز الإسلامية ومعرفة فيما إذا كانت يطبق هذا القانون بشكل دقيق، مضيفا أنه “في حال عدم تقيدها يجب الإسراع بإغلاقها”.
ولتحقيق هذا المفهوم، تم تغيير المناهج الدراسية في المدارس في البلدان الإسلامية، ليتم حذف آيات الجهاد، بحجة أنها تدعو للقتال، وغزوات الرسول والحروب الصليبية، لأنها تذكّر بالقتال والعنف.
وبالطبع استخدم الغربيون حكام الدول الإسلامية في تنفيذ مخططهم وترسيخ مفهوم “الإسلام الجديد”، وتطوع حكام الإمارات بإصدار نسخة جديدة من المصحف تم تغيير اسم سورة “الإسراء” فيها إلى ” بني إسرائيل”، مجاملة للاحتلال الصهيوني وإمعانا في التطبيع معه وتقديم القرابين للصهاينة، حفاظا على كراسي الحكم.
والآن نتوقع إصدار نسخة جديدة من المصحف، وقد تم حذف الآيات التي لا يرضى عنها أصحاب مشروع الإسلام الجديد، والذي يؤسس إلى تشويه الإسلام وتقديم نسخة جديدة تكرّس العبودية للغرب، فيكون هذا هو “قرآن العبيد”، تماما كما حدث من قبل فكان “إنجيل العبيد”.
لكن الله سبحانه وتعالى بيّن في كتابه العزيز أن هذا القرآن محفوظ أبد الآبدين فقال تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فيقيننا أنه لن تُفلح محاولاتهم ولن تُثمر جهودهم، فالله قد تكفل لنا بحفظه، وهي منحة من الله عظيمة، فالحمد لله رب العالمين.