بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال:
من الملاحظ في الغرب أن النساء أكثر إقبالاً على الدخول في الإسلام من الرجال، وهي ظاهرة معروفة فإذا كانت المرأة غير متزوجة، فلا إشكال، إلا من حيث حاجتها إلى الزواج من مسلم.
ولكن الإشكال يكمن فيما إذا كانت المرأة متزوجة ودخلت في الإسلام قبل زوجها، أو دون زوجها، وهي تحبه وهو يحبها، وبينهما عشرة طيبة طويلة وربما كان بينهما أولاد وذرية. ما ذا تفعل المرأة هنا وهي حريصة على الإسلام، وفي الوقت نفسه حريصة على زوجها وأولادها وبيتها؟
إن عامة المفتين هنا يفتونها بوجوب فراقها لزوجها بمجرد إسلامها أو بعد انقضاء عدتها منه على الأكثر. وهذا يشق على المسلمة الحديثة العهد بالإسلام أن تفعله، فتضحي بزوجها وأسرتها.
وبعضهن يرغبن في الدخول في الإسلام بالفعل، ولكن عقبة فراق الزوج تقف في طريق إسلامها هل من حل شرعي لهذه المشكلة العويصة في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة؟
أفيدونا أفادكم الله، وجزاكم عن الإسلام وأهله خيراً.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا وأسوتنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
أما بعد:
فقد أجمع العلماء والمذاهب قاطبة على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم من حيث الابتداء، واعتبروا مثل هذا الزواج إن حصل باطلاً لا يثبت به شيء.
أما إذا كان الزوجان غير مسلمين، ثم أسلمت الزوجة وبقي زوجها على دينه..
ففي هذه الحالة مسألتان:
المسألة الأولى: حول انفساخ العقد أو فسخه ومتى يكون ذلك؟ في هذه المسألة أربعة أحوال:
الأول: ينفسخ العقد لحظة إسلام الزوجة وهو رأي الظاهرية وأبو ثور.
الثاني: ينفسخ العقد وتقع الفرقة إذا انقضت عدة الزوجة دون أن يسلم الزوج، وهو قول الشافعية والحنابلة والمالكية والزيدية مع الخلاف بينهم حول عرض الإسلام عليه أم لا.
الثالث: الحنفية والثوري يفرقون بين دار الحرب ودار الإسلام:
– ففي دار الحرب تقع الفرقة إذا انقضت العدة ولم يسلم الزوج.
– وفي دار الإسلام يرفع الأمر للقاضي فيعرض الإسلام على الزوج، فإن أبى فرق القاضي بينهما، وإن لم يفرق فهي زوجته. وهذا مقتضى قول ابن شهاب الزهري وطاووس وسعيد بن جبير والحكم بن عيينة وعمر بن عبد العزيز.
الرابع: مذهب ابن تيمية وابن القيم أن العقد باق لكنه موقوف، وتمنع المعاشرة الزوجية بينهما.
المسألة الثانية:
حرمة المعاشرة الزوجية، سواء انفسخ العقد بالإسلام أو بعد انقضاء العدة، أو بموجب قرار القاضي وعلى هذا الرأي اتفق جميع العلماء والمذاهب بعد التابعين، وما يروى عن علي بن أبي طالب(1)وعمر بن الخطاب(2)والشعبي والنخعي وحماد(3)خلاف ذلك لم يأخذ به أحد. إلا أن الأحناف اعتبروا أن حكم التفريق في دار الإسلام يجب أن يصدر عن القاضي المسلم والتفريق واجب عليه، لكن (مالم يفرق القاضي فهي زوجته).
أما الظروف المحيطة بالمسلمات الجديدات في البلاد غير الإسلامية في هذا العصر فتتخلص بما يلي:
إن أكثر البلاد غير الإسلامية هي اليوم بالنسبة للمسلمين دار عهد، و أصبح الرجل والمرأة فيها يدخل في الإسلام دون أن يتعرض إلى فتنة عن دينه. وهو لا يستطيع أن يهاجر إلى بلاد المسلمين لأسباب كثيرة. والمرأة من جنسية دولة غير إسلامية، عندما تدخل في الإسلام تصبح خاضعة لأحكامه الشرعية، ولكنها لا تستطيع أن تتحلل من قوانين بلادها المدنية. وعقد الزواج هو اتفاق ين رجل وامرأة بالتراضي الكامل على الحياة الزوجية المشتركة، لكنه بعد حصوله يخضع لقوانين الأحوال الشخصية النافذة في كل دولة. وفسخه لا يمكن أن يتم إلا بموجب هذا القانون.
وبناء على ذلك فإننا نرى:
1- إذا أسلمت المرأة وبقي زوجها على دينه تحرم عليها المعاشرة الزوجة بعد انتهاء العدة الشرعية إذا لم يسلم لقوله -تعالى-: (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ولأن السنة الصحيحة لم تفرق بين المسلمة وزوجها غير المسلمة فوراً، بل تركت الأمر إلى مدة غير محددة، واتفق جمهور الفقهاء على تحديدها بمدة العدة. حتى ابن القيم نفسه الذي لا يعترف بالعدة أجلاً للتفريق، يعتبرها أجلا يجيز للمرأة إذا تم النكاح من رجل آخر، ولا يبيح لها مقاربة زوجها السابق.
2- يجب على المرأة المسلمة أن تطالب بفسخ زواجها من زوجها غير المسلم وفق القانون الذي عقد في ظله، وذلك التزاما بأمر الله -تعالى- أولاً في منع الحلية بينها وبين زوجها، وحتى تتمكن من الزواج بآخر. وريثما يصدر القرار بفسخ الزواج أو التفريق بينها وبين زوجها، فهي زوجة من الناحية الرسمة، لكنها ليست زوجة من الناحية الشرعية.
3- نحن لا ننصح الزوجة المسلمة في هذه الحالة بالزواج من رجل مسلم، ولو كان ذلك جائزا لها شرعاً، لما يترتب عليه من إشكالات وتناقضات ومخالفات قانونية كتسجيل أولادها من زوجها المسلم على اسم زوجها الأول غير المسلم، أو أولاداً غير شرعيين، ومعاقبتها قانوناً بتهمة تعدد الأزواج وهو ممنوع في قوانين جميع البلاد، وغير ذلك.
4- إن فترة انتظار الزوجة المسلمة إلى أن يسلم زوجها فتعود إليه أو حتى يتم فسخ زواجها منه وتستطيع أن تتزوج من غيره، قد تمتد إلى عشر سنوات، وهي مدة طويلة جداً لا تستطيع الصبر عليها المرأة العادية، ونحن نلاحظ أن الإسلام أباح زواج المتعة في ابتداء الإسلام لصعوبة غياب الرجل عن زوجته عدة شهور في الحرب، ونتذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حدد للمجاهدين في الجيش الإسلامي أن لا تطول فترة غيابهم عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر، لأن المرأة المسلمة لا تصبر أكثر من هذه المدة على غياب زوجها..
فما هو الحل في مسألتنا هذه؟
– إما أن تتزوج المرأة المسلمة من رجل مسلم بعد انتهاء عدتها، وهذا أمر جائز شرعاً، لكنه قد يسبب لها مخالفات قانونية وإشكالات شريعة كما ذكرنا.
– وإما أن تعاشر زوجها الأول باعتبار أن العقد لم يفسخ بعد، لكنها هنا تتعرض لمخالفة شرعية واضحة أكثر مما تتعرض له في الحل الأول. ولا يباح لها ذلك إلا إذا تعذر عليها الحل الأول، وطال أمد الانتظار، ولم تستطع الصبر، فإنها قد تكون مضطرة للوقوع في هذا الحرام، والضرورات تبيح المحظورات، ولكن هذه ضرورة فردية، ولا يصح أن يبنى عليها حكم عام.
– وفي هذه الحالة لا بد أن نؤكد أ ن معاشرة المرأة المسلمة لزوجها غير المسلم ليست من قبيل الزنا. فهي امرأته، لكن لا يجوز له وطؤها لسبب مؤقت وهو أنه غير مسلم- كما لو كانت حائضاً فوطئها، فقد ارتكب حراماً لكن لا يعتبر زنا.
وإذا كانت المعاشرة الزوجية محرمة من حيث الأصل كغيرها من المحرمات، فإن التحريم يمكن أن يرتفع للضرورة.
أما إجراء عقد مبتدئ بين مسلمة وغير مسلم فهو عقد باطل أصلاً، والوطء فيه يعتبر من الزنا.
– ومن المعروف والمؤكد أن كثيراً من النساء المسلمات المستضعفات بقين في مكة مع أزواجهن الكفار بعد نزول التحريم في آيتي البقرة والممتحنة وحتى فتح مكة، وهي مدة تصل إلى سنتين. لقد كن معذورات في البقاء مع أزواجهن الكفار لأنهن مكرهات على البقاء في مكة، ولا يستطعن الهجرة. ومن المعروف أيضاً هذه الأيام أن المرأة المسلمة الجديدة في البلاد الإسلامية يتعذر عليها الهجرة إلى بلاد المسلمين، بل إن كثيراً من هذه البلاد لا يستقبلها أصلاً عن أنها لا تستطيع الهروب من قوانين بلادها الوطنية، خاصة إذا كانت من رعايا إحدى الكبرى التي تستطيع تنفيذ قوانينها على رعاياها ولو كانوا مقيمين في بلاد إسلامية. كما أن بقاءها في بلادها فيه مصلحة دعوية مهمة تجاه قومها، وليس من العدالة الشرعية أن نحملها ما لا تطيق، وأن نكلفها بأكثر مما كلفت به النساء المسلمات في مكة قبل الفتح.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1) أثر علي الذي فيه إقرار المرأة مع زوجها المسلمة مع زوجها الكافر فيه ضعف لأنه جاء من طريقين الاولى من طريق الشعبي والشعبي رأى عليا ولم يروي عنه ففيها انقطاع والطريق الثانية عن سعيد بن المسيب ومدارها على قتادة وهو ثقة إلا انه يدلس ولم يصرح بالسماع.
(1)
(2) أثر عمر الذي فيه إقرارها مع زوجها بعد إسلامها ضعيف لأنه من رواية الحكم بن عتيبة وهو لم يدرك عمر ولا قاربه، أما الأثر الذي فيه تخييرها فقد ورد بلفظ إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه كما ذكر ابن القيم وابن حزم وعبارة أقامت عليه تفسر بالانتظار والمحافظة على عقد الزوجية دون وطء لتوافق رواية عمر الأخرى بالتفريق بينهما كما توافق محكمات النصوص التي انعقد الإجماع عليها كما نقل ذلك القرطبي 3/72 وابن قدامة في المغني 10/10.
(3) خالفهم سائر التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابن شهاب وغيرهم كما أن المنقول عن الشعبي انه يرى غير ماروى انظر المحلى 7/312و314 (الحواشي من وضع المحرر).
موضوعات مهمة فى نفس الموضوع