﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾
(المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول)

قال المصنف رحمه الله: (وَتَفْسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 26 – 28].

الشرح الإجمالي:

(وتفسيرها الذي يوضحها) الضمير يعود إلى شهادة: (أن لا إله إلا الله)؛ أي: وتفسير شهادة أن لا إله إلا الله الذي يبينها بيانًا تامًّا ما ذكره الله في كتابه في (قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ﴾، يعني: اذكر إذ، ﴿ قال ﴾ إمام الحنفاء: ﴿ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ ﴾ آزر، ﴿ وَقَوْمِهِ ﴾ الذين اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم ويتقرَّبون إليهم، قال لهم: ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ ﴾؛ أي: مبغض ومتبرئ ﴿ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾؛ يعني: من الذي تعبدونه من الآلهة، فـ(ما) موصولة بمعنى الذي، وهذا فيه معنى (لا إله)، ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾؛ أي: ابتدأ خلقي، وبرأني؛ فإني أعبده، وهذا فيه التعليل لإفراده جل وعلا بالعبادة، فاستثنى من المعبودين ربه، وهذا فيه معنى (إلا الله)، ﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾؛ أي: يرشدني لدينه القويم وصراطه المستقيم؛ لأن الهداية بيده جل وعلا هو الذي يملك الهداية، وهذا يدل على أن تبرؤه مما يعبدون هو من هداية الله له، وأن كل من خالف هذه البراءة لفظًا أو معنًى، فإنه بعيد عن هداية الله سبحانه وتعالى، ﴿ وَجَعَلَهَا ﴾؛ أي: وجعل الخليل إبراهيم عليه السلام، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وما تضمنته من إخلاص جميع أنواع العبادة لله وحده، والتبرؤ من عبادة كل ما سوى الله ﴿ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِه ﴾؛ أي: في نسله وذريته من الأنبياء بعده، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾؛ أي: أهل مكة، وغيرهم، ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ عما هم عليه إلى دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقتدون بمن هداه الله من ذريته إليها[1].

الشرح التفصيلي:

من حُسن تأليف المصنف رحمه الله تعالى أنه لم يُفسر هذه الكلمة، ولم يوضِّحها ويشرحها بكلام من عنده، وإنما وضَّحها بكلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يُمكن لأحد أن يعارض كلام الله عز وجل إلا من كان في قلبه زَيغٌ[2]، ووجه الدلالة من الآية على تفسير كلمة التوحيد أن معنى: (لا إله إلا الله) جامع بين النفي والإثبات، نفي ما يعبد من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده، ويبيِّن نفيها قوله تعالى عن إبراهيم الخليل عليه السلام: ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾، وبيَّن إثباتها قوله: ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾، فعبَّر عن معنى: (لا إله) بقوله: ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾، وعبَّر عن معنى (إلا الله) بقوله: ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾، فتبيَّن: أن معنى لا إله إلا الله، هو: البراءة من عبادة كل ما سوى الله، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله، وقد أمرنا الله جل وعلا أن نتأسى بإمام هذا التوحيد في نفيه وإثباته[3]؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه ﴾ [الممتحنة: 4].

وفي الآية الدلالة على أن شهادة أن لا إله إلا الله تستلزم البراءة من كل ما يعبد من دون الله، وأنه لا يستقيم التوحيد إلا بإفراد الله عز وجل بالعبادة، والخلوص من الشرك والبراءة من أهله [4].

——————————————————————————–

[1] ينظر: مختصر تفسير البغوي “المسمى معالم التنزيل” (2/844)، وتفسير السعدي (764)، وحاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (53)، وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (132)، وشرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (44).

[2] شرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (45).

[3] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (54)؛ وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (142).

[4] ينظر: شرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (45)؛ وشرح الأصول الثلاثة، عبدالرحمن البراك (27).