هل للإنسان إرادة حرة من واقع مادي تطوري؟

لا إطلاقًا!

إلحاديًا وماديًا نحن نَخضع لحتمية مادية وجبرية فيزيائية وجبرية هرمونية تسيطر على كل إرادتنا وقراراتنا ونظرتنا للعالم!

وفي عام 2012 خرج الملحد الشهير سام هاريس Sam Harris بكتيِّبه: الإرادة الحرة Free Will

والذي يُقرر فيه أن الإرادة الحرة مجرد وهم !

فنحن مجرد كائنات تخضع لقوانين وهرمونات، نحن مجرد دُمي تتحكم فيها الفيزياء والكيمياء!

هذه هي النظرة الإلحادية التطورية للعالم وللإنسان!

لكن هل الإنسان يخضع للجبرية المادية كما يتصورون؟

هل الإنسان لا يملك إرادةً حرةً؟

لو كان هذا الكلام صحيحًا فنحن مُطالبون بإغلاق المحاكم وإنهاء القضاء والدستور والقانون والمحاماة!

فكيف تُحاكمني على قضية أنا مُجبر على فعلها؟

الدستور والقانون والقضاء والمحاكم والمحاماة والأحكام كلها مبنية على أن للإنسان إرادة حرة، وأنه مسئول عن قراراته!

الدول والجيوش والنظم والحدود والقرارات كلها مبنية على أن الإنسان حُرٌ مكلف!

هذه أمور عليها إجماع فطري إنساني، لكن المُلحد يريد بجرّة قلم، وبتصور مادي إلحادي أن ينفي هذه البديهيات!

الواقع أن الإلحاد لا يستطيع أن يُحلل ظاهرة الإنسان!

فالإنسان ظاهرة أوسع وأرحب وأعمق وأشمل بكثير من النظرة الإلحادية المادية الضيقة.

والغريب أن العلم أثبت حقيقة أن للإنسان إرادة حرة مستقلة عن المخ وعن جميع أعضاء جسده!

فقد قام عالم جراحات المخ والأعصاب ويلدر بنفيلد Wilder Penfield والحائز على نوبل، قام بإجراء أكثر من ألف عملية جراحية لمرضى الصرع، وحاول أثناء العمليات تحت التخدير الموضعي أن يتوصل إلى موضع العقل داخل المخ البشري، وذلك عن طريق التنشيط الكهربائي لمراكز القشرة المخية، وعند تنشيط منطقة معينة من المخ كانت يد المريض تتحرك لا إراديًا فيحاول المريض أن يمنعها عن الحركة بيده الأخرى، وعندما ناقش بنفيلد مرضاه في ذلك أجابوا بأنه هو الذي يحركها وأنهم لا يستطيعون منعها.

وهذا يوصلنا لحقيقة مدهشة وهي أنه بينما كانت إحدى يدي المريض تحت التحكم المباشر للنشاط الكهربائي للقشرة المخية كانت إرادة المريض تحاول أن تمنعها باستخدام اليد الأخرى، وهذا يؤكد أن للإنسان إرادةً منفصلةً عن النشاط الكهروكيميائي للمخ.

الإنسانُ شيءٌ، والجسدُ الماديُّ والنشاط الكهروكيميائي شيءٌ آخر تماماً.

لقد بينت هذه التجربة أن الإنسان شيءٌ مستقلٌ عن الجسد المادي.

لو كانت الإرادة هي ذاتها النشاط المخي لما حصل هذا التناقض.

فنحن أمام كائنين مختلفين تمامًا لكلٍ منهما قرار مختلف!

أنت ومخك!

وهذا الأمر نلاحظه أيضًا عن مرضى الشلل الرعاش Parkinson’s disease فهنا نشاط المخ يتأثر بنقص الدوبامين، ولا يستطيع المريض أن يوقف يده التي تهتز باستمرار على الرغم من محاولاته المتكررة لذلك!

فالمخ مجرد نشاط كهربي لا أكثر، مجرد تبادل أيونات!

وحين سُئل ليونارد ملدينو Leonard Mlodinow الفيزيائي والذي اشترك مع ستيفن هاوكنج في كتاب التصميم العظيم، حين سُئل عن دور المخ في عمليات الإرادة والوعي، قال أن: الوعي عملية غير مادية ولا يمكن تفسير الوعي وفقًا للمادة![1]

[1] https://www.youtube.com/watch?v=S5OXzP-5KMs