هل كان, في اليهودية, ركوع ؟ أو سجود ؟ האם היתה ביהדות השתחוות؟

الاستاذ الدكتور / سامي الامام استاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية بجامعة الازهر الشريف
الاستاذ الدكتور / سامي الامام استاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية بجامعة الازهر الشريف

حينما وصل بعض يهود إثيوبيا (الفلاشا) إلى إسرائيل, لاحظ الجمهور أن اليهود الأحباش يسجدون ويركعون في صلاتهم. وتم التعليق على هذا المشهد في أوائل عام 1985, بأن هذه الحركات (السجود) تمثل الشعائر اليهودية (القديمة) في الصلاة. فهل معنى هذا أن تفضيل الأنا هو الذي جعل اليهود يتحولون تدريجيًا عن الركوع والسجود إلى الانحناء قليلا وهم وقوف ؟
يجب ألا نستهين بدلالة هذه الظاهرة! يُستدل من التوراة, والإنجيل, والقرآن, على السواء, أن الركوع والسجود كانا معروفَين من قديم الزمان؛ فالقرآن يتحدث عن : ” أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ” (سورة مريم/الآية 58).ونقرأ في آية أخرى: ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ..” (سورة الحج/الآية 18). فالملاحظ في الآية الأخيرة أن جميع المخلوقات حتى الدواب تسجد لله تعالى, لكن ليس كل البشر وإنما “كثير” منهم. لقد اختفى السجود من كل الديانات السماوية تقريبًا, عدا الإسلام, فما أكثر من يتأبون على السجود لله : “وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا …” (سورة الفرقان/الآية 60).
سُئِل يهودي : هل تركعون أو تسجدون في الصلاة ؟ أجاب اليهودي : الركوع مُهين للإنسان ! وكان اليهود من طائفة الفريسيين يسجدون ثلاث عشرة سجدة حين دخول الهيكل في القدس, بل كان أسلافهم أحيانًا, سسجدون حتى للشمس, وقد شكا الأنبياء اليهود من تحولهم عن السجود لله في المعابد إلى السجود للشمس وغيرها (سفري, أرميا, وصفنيا). وورد عن النبي “حزقيال” قال: إن الرب أراه في رؤياه “نحو خمسة وعشرين رجلا ظهورهم نحو هيكل الرب, ووجوههم نحو الشرق وهم ساجدون للشمس. وقال لي: أرأيت يا ابن آدم. أقليل ما فعله بيت يهودا من رجس هنا؟”. وتدريجيا شاع القسم بالشمس إلى أن حللته التشريعات, في نهاية المطاف, بشرط أن يكون خالق الشمس هو المقصود بذلك. وهكذا حين جاء عيسى, عليه السلام, لتقويم بني إسرائيل أساسًا وأغراه الشيطان على الجبل بملكوت الأرض كلها “إن خررت ساجدًا لي, قال يسوع: إذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (لوقا: 4: 7-8). أما في القرآن الكريم فقد قيل لمريم: “يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” (آل عمران/ اآية 43) . ولا ندري لماذا اختفى السجود بعد ذلك من النصرانية أيضًا, وظل قاصرًا على بعض الرهبان, وقلة من الطوائف, مثل: النساطرة, واليعاقبة (بسوريا, وتركيا, وإيران), والأحباش, والأقباط الأرثوذكس بين النصارى, وعلى الفلاشا, والسامريين, والقرائين بين اليهود. والقول نفسه تقريبًا ينطبق على الركوع. بل إن الموسوعات البريطانية والأمريكية خالية تمامًا من كلمة السجود (Prostration), وهذا أمر مؤسف, والاستثناء الوحيد من ذلك هى موسوعة العقائد والأخلاق الأمريكية المنشورة عام 1917. حدث هذا على الرغم من كثرة التذكير بالسجود والركوع منذ عصر موسى : “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ….. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ” ( البقرة /الآيات 41 – 43) “وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ….” (النساء/ الآية 154). وحينما كثرت معاصيهم نصحهم الله : “وقولوا حطة وأدخلوا الباب سجدًا نغفر لكم خطيئاتكم” (الأعراف/الآية 161). والآية الأخيرة ذات دلالة بالغة في تفسير علاقة الإنسان بالله, فالله يغفر للإنسان كل الذنوب إلا الشرك بالله, روى أبو ذرّ الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ذلك جبريل اتاني فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال : وإن زنا وإن سرق” (عن صحيح البخاري). وإذا كانت كل الذنوب مغفورة إلا الشرك بالله فإن أكبر مصداق على الإيمان السجود, ففيه يكون العبد أقرب إلى ربه من أي شيء آخر. ويبدو أن الامتناع عن السجود كان نتيجة طبيعية للسجود للشعب نفسه بعد تأليهه, فاليهودية تجسد الله في كامل شعب إسرائيل, على حدّ تعبير “مايكل ويشوجرود”. مع أن التوراة تشير إلى سجود إبراهيم ولوط عليهما السلام (التكوين : 8: 12, و19: 11). كما توجد أدلة على فعل السجود, حتى بعد ظهور الإسلام, في القرون الوسطى. تذكر رسالة وجهها يهود القدس إلى يهود الخارج في نهاية القرن العاشر أثناء حكم الفاطميين للقدس, جاء فيها : “إننا وجدنا من فضل الله حظوة لدى الحكام من أبناء إسماعيل” (يقصد العرب). ثم يذكرون في موضع آخر : حتى متى يا إلهي سيظل الخصوم يشمتون بنا؟ وإلى متى سيكفرون باسمك؟ عزاؤنا يوم السماح لنا مرة أخرى بان نطوف بأبوابها كما يحلو لنا وبأن نسجد في صلواتنا لتحرير القدس تمامًا وترميم معبدها” (يراجع: أحمد محمد رمضان, إسرائيل ومصير الإنسان المعاصر, دار الكرمل, عمان, الأردن, 1988).
“هيكل أورشليم في المصادر اليهودية”
د. سامي الإمام