هل قالت اليهود أن عزير إبن الله؟ وهل وقع القرآن في خطأ تاريخي؟

عزير الرجل الصالح المذكور في القرآن الكريم والذي يقال أن الله أماته مئه عام ثم بعثه, هو الإسم المعرب ل( عزرا), ( بالعبريه עזרא ) وهو في اليهوديه أحد قادة شعب اليهود , ويوجد سفر كامل في الكتاب المقدس بإسمه وهو سفر (عزرا).

إدعاء ان اليهود قالوا أن عزير إبن الله, رددت عليه في المنشور السابق بشكل مفصل, وأرجو ان يكون الله قد وفقني لذلك, لكن بقي سؤال نريد الإجابه عليه وهو لماذا جاءت كلمه اليهود في الآيه القرآنيه التي تتحدث عن عزرا بصيغه الجمع؟ ولماذا يعمم الله قول يهود المدينه على كل اليهود في العالم؟

أولا : إن كلمه ” اليهود” في الآيه القرآنيه بالتأكيد لا تعني كل اليهود في العالم, ولم يقل أحد من المفسرين بهذا الكلام, هذه الكلمه يقصد بها فئه محدده من اليهود كما قال العديد من المفسرين مثل القرطبي والطبري وإبن كثير وغيرهم, وهذا الأسلوب في الخطاب القرآني يسمى ( لفظ عموم يراد به خصوص), وأمثلته كثيره في القرآن الكريم, ويوجد مثال مشابه له في الكتاب المقدس , حيث ورد في “رساله بولس الى تيطس” في الاصحاح الاول فقره 12 النص التالي:
” قال واحد منهم، وهو نبي لهم خاص: الكريتيون دائما كذابون. وحوش ردية. بطون بطالة”

فالنص السابق يقول : ان الكريتيون (نسبه الى جزيره كريت اليونانيه) دائما كاذبون!!!
هل يقصد في النص السابق أن كل الكريتيون كاذبون حتى يومنا هذا؟ ام كان يقصد فئه معينه من الكريتيين التي عاشت في تلك الجزيره في ذلك الزمن؟
سنطلب من المسيحي الذي ينتقد كلمه ( اليهود) في القرآن أن يجيب على هذا السؤال من كتابه لكي يتعلم معنى (لفظ عموم يراد به خصوص).

ثانيا : دليل قاطع من التوراه على تعظيم اليهود لعزير:
أثناء بحثي في التوراه , وجدت نصا قاله اليهود في عزير, يثير الأستغراب فعلا, فقد ورد في (سفر عزرا في الأصحاح العاشر فقره 3 ترجمه الفانديك) , قول لأحد اليهود, يثبت أنهم عظموا عزير وجعلوه في منزله الله نفسه, وهذا النص تم تحريفه والتلاعب في معانيه كعادة المترجمين والمحرفين, وسنثبت أنه تم تحريفه بأدله من الكتاب المقدس نفسه ومن معاجم اللغه العبريه وأقوال مفسري الإنجيل.

النص العبري المذكور في سفر عزرا للإصحاح السابق هو التالي:
עתה נכרת־ברית לאלהינו להוציא כל־נשים והנולד מהם בעצת (אדני) והחרדים במצות אלהינו וכתורה יעשה

والكلمه العبريه في النص السابق بين الأقواس (אדני) تلفظ (أدوناي) , وهي تحمل الرقم 113 في قاموس سترونج لمفردات الكتاب المقدس, وهذه الكلمه هي أسم آخر ل( الله) بالعبريه, لأن اليهود يخاطبون الله بثلاث كلمات معروفه ومشهوره في التوراه وهي: يهوه والوهيم وأدوناي, حيث تقول دائره المعارف الكتابيه في شرحها لكلمه الله / أبن الله / أبناء الله:
“….يوجد في العهد القديم باللغة العبرية ثلاث مترادفات رئيسية لاسم الجلالة وهي “الوهيم” و”يهوه” و”أدوناي”

أيضا دائره المعارف الكتابيه في الصفحه 145 و 377, تقول أن أدوناي هو أسم أو لقب آخر ل(الله) – الصورة المرفقه رقم 1 و 2.

نفس الكلمه ايضا (אדני ) ,استخدمت في سفر التكوين في الإصحاح 15 فقرة 2 في النص العبري التالي:
ויאמר אברם (אדני) יהוה מה־תתן־לי ואנכי הולך ערירי ובן־משק ביתי הוא דמשק אליעזר׃

وترجمة هذا النص الى العربيه كما ذكرت النسخ العربيه من الكتاب المقدس هو كالتالي:
فقال أبرام: أيها السيد الرب, ماذا تعطيني وأنا ماض عقيما”.

وكلمه ” السيد الرب” في النص السابق , مترجمه من العبريه من نفس الكلمه السابقه (אדני ) المذكورة في سفر عزرا, وتلفظ (أدوناي ) أيضا, والكلمتان المذكورتان في سفر التكوين وسفر عزرا, لهما نفس الرقم في قاموس سترونج لمفردات الكتاب المقدس , مما يدل على أنها كلمه واحده أستخدمت نفسها في الأصحاحين, وهي تحمل معنى السياده, ويوصف بها الله في اليهوديه.

ولكن عندما قام مترجمو الكتاب المقدس بترجمه سفر عزرا الى العربيه, لم يترجموا الكلمه العبريه (אדני ) الى ( السيد الرب) كما فعلوا في سفر التكوين, بل قاموا بترجمه النص كالتالي: ( بحسب الترجمه العربيه المشتركه وترجمه الفانديك):
” لِنَقْطَعِ الآنَ عَهدًا معَ إلهِنا على إخراج جميعِ النِّساءِ وأولادِهِنَّ، وَفْقًا لِمَشورَتِكَ يا (سيّدي) ومَشورَةِ الذينَ يَحتَرِمونَ وَصيَّةَ إلهِنا، ولنَعمَلْ بِحسَبِ الشَّريعَةِ”.

بينما كان المفروض أن يترجم النص كالتالي:
لِنَقْطَعِ الآنَ عَهدًا معَ إلهِنا على إخراج جميعِ النِّساءِ وأولادِهِنَّ، وَفْقًا لِمَشورَتِكَ يا (سيدي الرب) ومَشورَةِ الذينَ يَحتَرِمونَ وَصيَّةَ إلهِنا، ولنَعمَلْ بِحسَبِ الشَّريعَةِ.

ففي النص السابق بعد الترجمه الصحيحه, يتقدم (شكنيا بن يحيئيل) نيابة عن كل جماعه اليهود ويعترف للكاهن عزرا عن الخطأ بالزواج من الوثنيات بعد العوده من السبي ويقول له: وفقا لمشورتك يا سيدي الرب….

ومفسري الكتاب المقدس أيضا , يعترفون بان كلمه ” سيدي الرب” في النص السابق مترجمه من الكلمه العبريه (אדני ) التي تلفظ ” أدوناي” , وأن المخاطب بها كان عزرا, حيث يقول القمص تادرس يعقوب في تفسيره لعباره ( وفقا لمشورتك يا سيدي) : “أي الأمر متروك لحكمة عزرا ومشورته”.
والقس أنطونيوس فكري يقول ايضا في تفسيره للعباره السابقه : “أي الأمر متروك لحكمة ومشورة عزرا”.

أذن شكنيا بن يحيئيل يخاطب عزير ويقول له: يا سيدي الرب !!!,وهذا أول اثبات من الكتاب المقدس على أن اليهود عظموا عزير وجعلوه بمنزله الله نفسه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا ترجمت نفس الكلمه (أدوناي) مرة الى (سيدي الرب) في سفر التكوين, ومره الى (سيدي) في سفر عزرا؟؟

ثالثا: كلمه إبن الله في اليهوديه:
ان كلمه ( أبن الله) لها معنى مختلف بين اليهوديه والمسيحيه, ففي اليهوديه أو ( العهد القديم), تقول ” الموسوعه الكاثوليكيه” إن هذا اللقب كان يطلق على :
قاده الناس او الجماعات, الملوك, الأمراء, القضاه, الأنبياء, والملائكه, وشعب مملكه إسرائيل الذين كانوا يعتبرون أنفسهم افضل من غيرهم وسموا انفسهم ( ابناء وبنات الله), ولا يقصد أبدا ان عزرا هو إبن لله بالنسب كما في المسيحيه.
إما في المسيحيه فأن كلمه (إبن الله) يقصد بها حصرا يسوع وليس أحد غيره, وهي تعني أبن الله المتجسد
ويمكن قراءه المزيد عن هذا اللقب وإستخداماته في اليهوديه على هذا الرابط:
http://www.newadvent.org/cathen/14142b.htm

وكلمه (إبن الله) أستخدمها اليهود بكثره في العهد القديم, ففي خطاب الله الى النبي موسى في سفر الخروج الإصحاح الرابع,
يقول الرب لموسى: فتقول لفرعون: هكذا يقول الرب: إسرائيل إبني البكر.

والنبي داوود لقب بإبن الله كما ورد في سفر صموئيل الثاني اصحاح 7:
“هو يبني بيتا لاسمي وانا اثبت كرسي مملكته الى الابد. انا اكون له ابا وهو يكون لي ابنا.

والنبي سليمان ايضا لقب بإبن الله كما في سفر اخبار الأيام الأول اصحاح 22:
هو يبني بيتا لاسمي (وهو يكون لي ابنا) وانا له ابا واثبت كرسي ملكه على اسرائيل الى الابد.

فواضح جدا من التحليل السابق, أن اليهود عظموا عزرا , الذي هو قائد لجماعتهم, وأحد أفراد شعب إسرائيل (شعب أبناء الله كما يسمون أنفسهم), بل وخاطب اليهود عزرا بلقب خاص بالله حصرا وجعلوا منه (الله) نفسه, بل ويؤمن اليهود أيضا بأن عزرا صعد الى السماء, وقد ذكر هذا الكلام في ( الموسوعه اليهوديه)بعنوان ” الصعود” على هذا الرابط في الفقرة الأولى:
http://www.jewishencyclopedia.com/articles/1885-ascension

فإذا كان اليهود السابقون يؤمنون بكل ماذكر عن عزرا في الأعلى , فما الذي يمنع يهود المدينه المنوره أن يقولوا أن عزير إبن الله؟

أن هذا الإستنتاج هو ما توصل اليه الباحثون وعلماء الأديان , حيث أعترفوا بأن يهود المدينه المنوره يحتمل جدا أنهم قالوا عن عزير أنه إبن الله كما ذكر القرآن.

رابعا : اعترافات علماء التاريخ بإحتمال نسبه هذا القول الى اليهود:
•المصدر الأول هو من المصادر اليهوديه نفسها, حيث يقول الدكتور Haim Zeev Hirschberg) ) وهو يهودي متوفى سنه 1976) , في “الموسوعه اليهوديه” في الصفحه 653 :
الصالحين ( ويقصد اليهود) الذين عاشوا في اليمن, كانوا فعلا يعتقدون أن عزير هو إبن الله.

•المستشرق الأنجليزي ( George Sale ) يقول في كتابه ” ترجمه القرآن” في الصفحه 152 :
بعض المؤرخين قد اشارو الى أن بعض اليهود القدماء في العربيه ومنهم يهود المدينة واليمن قد قالوا بذلك, لأنه بعد ضياع الناموس و نسيانه أثناء السبي البابلى قام عزرا – بعد أن بعث بعد موته مائة عام – قام بإملاء التوراة بالكامل من ذاكرته للكتبة , و هو ما أعجبهم جدا و أعلنوا أنه لا يمكن أن يقوم بذلك العمل إلا إذا كان ابنا لله.

•ويقول البروفيسور (Gordon Darnell Newby ) أستاذ الدراسات الإسلاميه واليهوديه ومقارنه الأديان, في كتابه ” تاريخ اليهود في الجزيره العربيه” في الصفحه61:
مصطلح ( ابن الله) يمكن إطلاقه على المسيح, و لكنه فى الغالب كان يطلق عند اليهود على الرجال الصالحين, و طبقا للتقليد اليهودي لا يوجد أكثر صلاحا ممن اختارهم الله ليرفعهم إلى السماء أحياء (كمركبا وعزرا), و من ثم فإنه من السهل أن نتصور أنه كان من يهود جزيره العرب من يشترك فى ممارسات فيها غلو مرتبطة بمركابا و عزرا بالقول انهما ابنا الله.

وصلى الله على سيدنا محمد وصدق كتاب الله وكذب المشككون.

دليل مرئي مهم جدا لم يكن موجود فى المقال

https://www.youtube.com/watch?v=fzME3KwGzos