لما كتبت عن ظاهرة الإلحاد بشكل عام وأسبابها ثم حذرت في مقال (حتى لا يصبح الإلحاد ظاهرة بيننا[1]) من خطر شيوع الإلحاد بين شبابنا وكون الأمر قد يتطور ليشكل ظاهرة في مهد الإسلام ومأرز التوحيد… ناقشني بعض الإخوة في أن الإلحاد بمفهومه الشائع وهو نفي الإله نادر جدا بين شبابنا ووافقتهم على ذلك ولكني أكدت لهم وما زلت أؤكد أن الإلحاد بمفهومه الواسع آخذ في الانتشار والتوسع على مستوى العالم ومع العولمة فقد وصلتنا تباشير هذا المدّ وإذا كانت نسبة الملحدين في العالم تصل إلى السدس حسب الاحصاءات الغربية فمعنى هذا أننا لسنا بمنأى عن خطر الإلحاد في مفهومه الضيق الذي ينفي وجود الإله أصلا.. لكننا مع ذلك مجتمع متدين ولا زالت مظاهر التدين تعمّ مجتمعاتنا في البلاد العربية عموما وفي الجزيرة العربية خصوصا..

وإذا كنا الآن نتعرض لنسخة مخففة من الإلحاد في مفهومه العام و تتمثل في شيوع ديانة عالمية جديدة بدأت تغزو الشباب وكثير من معتقداتها ومظاهرها آخذة في الازدياد والتوسع..

وهي خطوة أولى في الخروج من الإسلام تليها لا محالة مرحلة الإلحاد واللادينية كنتيجة طبيعية ومحصلة نهائية لها.. وهي ما يعرف بديانة العصر الجديد فهل سمع بها القائمون على الشباب من المربين والمسئولين والحكام أم أننا لن ننتبه لها حتى تحصد جيلاً بأكمله لتسومه من جحيم الشبهات وزمهرير الشهوات..

ولمن لم يسمع بها فإني حاولت أن أوضح لهم شيئا عن هذه الديانة الجديدة لعلنا نتدارك الأمر قبل استفحاله..

وصفها ونشأتها:

ديانة العصر الجديد إحدى الديانات الحديثة نسبيا حيث يذكر المؤرخون لها بأنها ظهرت في الستينات من القرن الماضي أي منذ قرابة نصف قرن.

وهي ديانة تلفيقية تجمع بين ديانات العالم أجمع الشرقية والغربية والأديان السماوية لكنها متأثرة بشكل كبير بالمذاهب الفلسفية والصوفية.

وقد عرفتها ويكيبيديا كما يلي:

(حركة العصر الجديد هي حركة روحانية شبه دينية غربية نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين. تتناول تعاليم الحركة الرئيسية تناول العادات الميتافيزيقية والروحانية الشرقية والغربية وجمعها مع مؤثرات من المساعدة الذاتية وعناصر من علم النفس، الطب البديل، باراسيكولوجيا، بحوث الوعي الداخلي والفيزياء الكمية في سبيل خلق “روحانية بدون حدود أو عقائد” شاملة وتعددية. سمة أخرى من سمات الحركة الأساسية، تكوين “نظرة عالمية شاملة”، مما يؤكد على ترابط العقل والجسد والروح وأن هناك واحدية ووحدة بين أجزاء الكون. فتحاول الحركة بشكل عام وشامل إلى خلق “نظرة عالمية تضم العلم والروحانية”، وفي سبيل ذلك يدعو العصريون الجديدون إلى تقبل بعضاً من العلوم والعلوم الزائفة…

وتضم حركة العصر الجديد أيضاً عناصر من الديانات والحركات الدينية القديمة المختلفة من الإلحاد وحتى الديانات التوحيدية من خلال وحدة الوجود الكلاسيكية ووحدة الوجود مع الطبيعة ووحدة الشهود حتى تعدد الآلهة مدمجة مع العلوم وفلسفة غايا؛ بشكل رئيسي: علم الفلك القديم، علم الفلك المعاصر، علم البيئة، حماية البيئة، فرضية غايا، علم النفس والفيزياء. تستمد فلسفة العصر الجديد أحياناً وحيها من الديانات العالمية الكبرى: البوذية، الطاوية، الديانات الصينية، المسيحية، الهندوسية، الإسلام، اليهودية؛ مع تأثير قوي من قبل الديانات الشرق آسيوية، الغنوصية، الوثنية الجديدة، الثيوصوفية، الكونية الروحيات الغربية. المعنى الحقيقي للمصطلح عصر جديد هو العصر النجمي القادم عصر الدلو…) ويكيبيديا.

و(كتب هينري تينك في مجلة لوموند آذار 2000: العصر الجديد.. ضبابية تتجاور في كنفها الروحية الباطنية مع الطرائق الحديثة في التركيز والاسترخاء وتطوير طاقة الإنسان. يأخذ العصر الجديد مفاهيم من الثقافة المضادة الأمريكية في ستينيات القرن العشرين، ومن أقدم التقاليد الباطنية التي ولدت على أرضية أوروبية أو شرقية…يمكن تعريفها كوثنية ضبابية جديدة من نوع خاص: التوحد مع الطبيعة والفضاء، إخراج الطاقة الخفية، تشكيل البداية الإلهية في طاقة كونية ابتدائية في نوعها. العصر الجديد تشبه أنها تسعى إلى وضع الطلاسم من جديد على الفكر، والطبيعة والإله ذاته. ولكن هذا أيضا تضخيم للأنا الإنسانية، وجعلها ذات قدسية خارقة. كل ذلك بعيد جد عن الأديان التقليدية.

دكتور العقائد جان فيرنيت يعتبر العصر الجديد يوتوبيا (إيزوتيركية) باطنية هلامية إلى درجة كافية، بحيث يستطيع كل شخص أن يسقط عليها احتياجاته وتساؤلاته الخاصة، وأن يشكل لنفسه روحية على مزاجه الشخصي. ماهذا أهي بدعة برزت فجأة، أم أنها روحية تكيفت مع عولمة المجتمع الحديث؟

على كل حال هنا مفهوم الإله أكثر من ضبابي.)تاريخ التفكر بالإله ترجمة سعيد الباكير- نشر دار علاء الدين.

ظهورها في العصر الحديث:

هذه الديانة منشأها غامض وذكر بعض من كتب عنها أنها قديمة جدا وبعضهم عدّ جذورها في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية لكنها انتشرت في العقود الأخيرة لأسباب لخصها بعضهم بقوله: (نشطت هذه الحركة بين الشبيبة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي التي لعبت دورا كبيرا في تغير المجتمع، من خلال الاعتماد على الفكر الحديث بدون أن تقيد نفسها بأي مقياس سوى رغبتها التخلص من التقليد والأنظمة التي لم يستفيد منها البشرية، فكانت الحرب العالمية الأولى والثانية وما حصل من الدمار بسببهما قد ادخل الخيبة التي ضربت المجتمع الأوربي واقتناعها بعدم جدية هذه القواعد والقيم من حماية الإنسان من أخيه الإنسان. كذلك ولادة النظام الاشتراكي الذي لم يكن يرغب إلا أن يخلى الناس من أفكارهم الدينية القديمة والتركيز على الفكر الاقتصادي وفائدته. لكن سرعان ما اكتشفت هذه الجماعات أن حياتهم تسير في فراغ لا معنى لها لأنه لم يكون هناك مقياس أو دليل لتقيم والتدقيق في انجازاتهم سوى تحقيق رغباتهم وغرائزهم.

ففي بداية الستينات والسبعينات خرجت موجة من الشباب أتباع هذه الحركة سواء بمعرفتهم أو بعدم معرفتهم يميلون إلى كسر التقليد والقيم ويريدون التجديد بأي طريقة، من أمثالهم هيبز وأصحاب الشعر الطويل والخلاعة والمينو جيب والأغاني الموسيقية الصاخبة والمخدرات وغيرها. أيضا نشطت الحركات السرية التي تؤمن بالسحر والتنجيم كثيرا بعد أن فسح مجال جديد لهم عن طريق وسائل الاتصالات الحديثة في الإعلام العالمي في بث أفكارها….) يوحنا بيداويد موقع الحوار المتمدن…كما ذكر أن قانون حماية الحريات في أمريكا ساهمت في نشر أفكارهم.

بعد هذا العرض المختصر لهذه الديانة الجديدة خذ جولة فيما يطرحه بعض المتفلسفة في صحافتنا والمعجبين بالتحرر الفكري واقرأ إنتاجهم الأدبي والفكري والثقافي لترى أنهم خاضعين لهذا المذهب الديني الجديد الهلامي.

والمتأمل في حقيقته يقطع بأنه قديم جدا إذ أن جميع الديانات التلفيقية مرت بمثل هذا النوع من التشكل فقبلها الزرادشتية والهندوسية والسيخية ومذاهب الصوفية والغنوصية كلها اعتمدت على نفس الأفكار والمبادئ وديانة العصر الجديد تأخذ من كل ديانة ما يعجبها ولا يحتكم أصحابها إلا إلى ذوقهم وأهوائهم وما تبلغه عقولهم-القاصرة- ويصدق عليهم قول الله عز وجل: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].

ولهذا فإنك ستجد لديهم خليط وأمشاج من كل دين…ولي إن شاء الله عودة لهذا الموضوع لتشريح إنتاج أحد مشاهير هؤلاء من بني جلدتنا وأكبر دعاتهم بيننا والذي تأكد لدّي أنه على مذهب العصر الجديد تحت دعوى حرية الفكر والتأمل كما زعم والذي ثبت بالأدلة القاطعة أن الشاب المتورط في قضية التطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم كان أحد ضحايا دعوته هذه.

——————————————————————————–

[1] http://www.awda-dawa.com/Pages/Articles/default.aspx?id=14518