هل بالفعل استطاع العالم الأمريكي كريج فنتر أن يُوجد حياة من الصفر؟

المشروع البحثي لكريج فنتر حول كائن الميكوبلازما، والميكوبلازما هو كائن وحيد الخلية، من أصغر الكائنات الحية على وجه الأرض.

وفي ورقته العلمية التي نشرها في العالم 2010م أحضر كريج فنتر خلية ميكوبلازما حية –ليس من الصفر كما يزعمون-  ميكوبلازما حية بغشائها وإنزيمات الخلية وعضيات الخلية ومجموعة كاملة من الجينات داخل نواة الخلية.

وقام بإدخال مجموعة من القواعد النيتروجينية داخل نواة الخلية فقامت الخلية بتكثير هذه القواعد – صنعت منها أكثر من نسخة-.[1]

ونفس الأمر جرى في ورقة 2016.[2]

إذن الخلية الحية كما هي، وغشاء الخلية وإنزيمات الخلية ومجموعة كاملة من الجينات داخل نواة الخلية كما هم!

فالزعم بأن كريج فنتر أوجد حياة من الصفر، هذا زعم لا يطلقه إنسان باحث في الأمور العلمية!

العجيب أن كريج فنتر بنفسه أدلى بتصريح قال فيه: نحن لم نُوجِد حياة من الصفر!

 

يقول جيم كولينز Jim Collins أستاذ الهندسة البيولوجية في جامعة بوسطن :”ما يزعجني هو أن بعض الناس تخيلوا أننا استطعنا خلق حياة، إلا أن الواقع هو أن جسم كائن حي تم إدخال جملة من القواعد في الجينوم الخاص به وتم تكثير هذه القواعد، كالذي يحصل في مجال الهندسة الوراثية لكن على مستوى أدق”.

أما الحائز على جائز نوبل في علم الأحياء  بول نيرس Paul Nurse  فكتب يقول: “عمل فنتر هو إنجاز كبير لكنه لم يخلق حياة صناعية”.

والأعجب مما سبق أن كريج فنتر في أوراقه العلمية يتحدث دائمًا عمّا يُعرف ب: الحد الأدنى من الجينات اللازم للحياة.

أقل عدد من الجينات تبقى الخلية معه حية.

 

وهذا الأمر هو لُب عمل كريج فنتر في مركزه البحثي.

 

هل فكّر الملاحدة في هذا الموضوع ولوازمه؟

موضوع الحد الأدنى من الجينات اللازم للحياة The Minimal Gene Set.

والذي لا توجد حياة بأقل منه، بحيث أن مجموعة من هذه الجينات تُشفر للطاقة، ومجموعة أخرى تُشفر للتكاثر، وثالثة تُشفر للحصول على الغذاء وهكذا كل ما يتعلق بالوظائف الاساسية الضرورية لمعنى كلمة حياة.

والتي لو قلّ عدد الجينات عنها فلن تكون هناك حياة.

هذا هو ما يعرف بالحد الأدنى من الجينات اللازم للحياة.

حاول العلماء حساب هذا الحد الأدنى ممن الجينات.

وكان المتوسط بين 265 جينًا إلى 350 جينًا.

 

 

أما مؤسسة كريج فنتر فقد بيّنت أنه ينبغي ألا يقل الحد الأدنى من الجينات عن 382 جينًا وإلا لن يكون هناك كائن حي أصلاً.[3]

ومن فضول القول أن نؤكد على حقيقة أن كل جينات الكائن الحي حسّاسة وضرورية، لكن في هذه الأبحاث كان الهدف رصد الجينات التي لا تكون هناك حياة بدونها!

وقد أوضحت الأبحاث العلمية المتعاقبة أن الحد الأدنى من الجينات في الجملة يتراوح بين 244 جينًا إلى  1617 جينًا.

 

هذا الأمر لو تفكرت فيه قليلاً، فهو ناسف لفكرة تطور الكائنات الحية، وفكرة ظهور كائن حي بالصدفة.

فلو كانت نظرية التطور صحيحة فنحن بحاجة إلى أن نبدأ من الصفر جينة -كائن حي بجينه واحدة-، ثم كائن حي بجينتين وهكذا؛ إذا أردنا المرور من الهيدروجين إلى الإنسان .
هذا هو السيناريو الوحيد المتاح.

والجينة الواحدة عبارة عن شريط معلوماتي عملاق يحتوي على مئات الحروف لتشفير البروتينات التي تؤدي وظائف حيوية للكائن الحي.

ولو أن حرفًا واحدًا في الجين لم يظهر، أو ظهر حرف آخر غيره فلن نحصل على شيء!

فإذا كان الكائن الحي لا يبدأ بأقل من 240 جينًا.

فنحن بحاجة إلى رزمة عملاقة من المعلومات كحد أدنى!

ولا يوجد وهم ما يسمى بالصفر جينة والواحد جينة وكل هذه التخيلات الإلحادية!
والسؤال هنا: كيف تظهر فجأةً ملايين الحروف متراصّة بمنتهى الضبط، بحيث لو اختل حرف مكان حرف لظهرت مشكلة حقيقية للكائن وقد لا يستطيع الحياة أو الظهور أصلاً؟

كيف عرف الكائن الحروف التي يحتاجها قبل أن يظهر؟

أيهما أقرب للعقل: التطور الإلحادي الذي يكتفي بالنظرة المادية أم الاعتقاد بالخلق الإلهي وإتقان الصنعة؟

مشكلة الحد الأدنى من الجينات، مشكلة حقيقية لمن تدّبر!

 

من أجل الخروج من هذه الورطة قام الملحد التطوري ريتشارد داوكينز بصحبة برنامج لمبرمج يدعى ريتشارد هارديسون Richard Hardison قام بإدخال الحروف الخاصة بجين واحد داخل هذا البرنامج الذي صممه هارديسون، ثم يقوم البرنامج بعملية انتقاء عشوائية للحروف لإعادة ترتيب حروف الجين بحيث يحتفظ بالحروف الجديدة الصحيحة المتفقة مع الشفرة المخزنة فيه مسبقًا، فالحروف تبدأ في التتابع إلى أن يظهر الحرف الصحيح المطلوب الموافق للحرف المخزن مسبقًا فيختاره البرنامج ثم يبدأ البرنامج مجددًا في العمل ليختار الحرف التالي وهكذا إلى أن يصل إلى ترتيب الحروف بالشكل المطلوب وهكذا إلى أن تكتمل الجملة المحددة سلفًا.[4]

 

هذا الأمر قام به داوكينز بالفعل، لكن لم يقل لنا عبقري كل الأزمنة، ماذا سيحدث لو تم الاحتفاظ بحرف خاطيء؟ ألا يعني هذا توقف التجربة؟

ثم إنه لم يقل لنا ما هي الآلية التي ستُعيد الحروف مرةً أخرى في الطبيعة؟

كيف يختفي الحرف الخاطيء ونُعيد اللعبة من جديد؟

ثم المشكلة الأكبر عند فلتة العقلاء أنه لم يحدد لنا: ما معنى تشكيل عشرة حروف في كائن لم يظهر بعد أصلاً؟

فلا معنى لوجود هذه الحروف ولا قيمة وظيفية لها ليتم الاحتفاظ بها في كائن لا نعرف ماذا سيحتاج ولا هو أصلاً موجود؟

ثم كيف تتحول الحروف إلى حياة؟

والأهم من كل ما سبق: برنامج الكمبيوتر يعرف الحروف المحددة مسبقًا فهو مُبرمج سلفًا لطريق محدد يُطلب منه الوصول إليه!

وبرمجة هذا البرنامج بهذه الصورة تحتاج لقدرة وعلم وتصميم وإرادة وصنع وضبط ومعايرة دقيقة، فلماذا اشترطتَ ذلك في تجربتك ورفضت أن تنسبه للخالق في بيئة الأرض الأولى؟

ثم مَن الذي قام بالتشفير قبل أن يتم فكه وما أدرى الكائن بحاجته إلى هذه الشفرات بعينها؟

كيف يكون الكائن الحي على علم مسبق بمجموعة الشفرات المطلوبة وهو لم ينشأ بعد ولم يقم بأية وظيفة؟

كيف يكون على علم مسبق بما يريد بحيث يحتفظ بالصحيح ويترك الخطأ؟

أيهما أقرب للمنطق والعقل: الإيمان بهذه المستحيلات العقلية التي مستحيل عقلي واحد منها كفيل بترك القضية بالكلية، أم الإيمان بالخالق الذي توافرت الأدلة والقرائن على روعة صنعه وضبط خلقه وقدرته؟

نعلم أن الإيمان بالمستحيل العقلي لا يكلف شيئًا، لذا هو أسهل في عقل كاره للدين وهذا هو المبرر الوحيد للإلحاد!

محاولة تفسير نشاة الحياة تفسيرًا ماديًا يأتي بتصورات سخيفة وحلول عجيبة.

ثم دعونا نفكر في أمر هذا البرنامج الذي اشتغل عليه داوكينز، هذا البرنامج كان يفحص تتابع حروف الشفرة الجينية ويختار أكثرها شبهًا بالتتابع المطلوب هل تعرفون ماذا يعني هذا الأمر؟

هذا يعني أن عقل الملحد تَجاوزَ التطور العشوائي ونظرية داروين واضطر للإيمان بضرورة التصميم المسبق، فهو يعلم الحروف المطلوبة مسبقًا فيحتفظ فقط بالتتابع المطلوب؛ القضية هي علم وقدرة وإرادة مسبقة وليس عشواء أو لاعقلانية.

الملحد يعلم تمامًا أن التطور ليس له أي دور إنشائي، فالتطور لا يحذف الحروف الخطأ ويبني على الجمع السابق للحروف هذا لا يوجد في الطبيعة، لأن كل واقعة في عالم الاحتمالات هي واقعة مستقلة   Independent Event ، واقعة لا علاقة لها بسابقتها فلو أن حرفًا ظهر بالخطأ سيبدأ العمل من جديد!

لكن ريتشارد داوكينز يطلب هدفًا مُحددًا منذ البداية يسعى البرنامج إليه، وفي كل مرة يقوم الكمبيوتر بمقارنة النتائج وفحصها للاحتفاظ بالحروف المبرمجة لديه واستبعاد الباقي، إنه تدبير وعناية ورعاية خاصة وإرادة وحكمة وقصد وهذا غاية ما يحدثكم عنه المؤمن في قضية الخلق.

[1] ورقة كريج فنتر العلمية 2010: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20488990

[2] ورقة كريج فنتر العلمية 2016: http://science.sciencemag.org/content/sci/351/6280/aad6253.full.pdf

[3] J. Craig Venter Institute (JCVI) conducted a study to find all the essential genes of M. genitalium through global transposon mutagenesis. As a result they found that 382 out of 482 protein coding genes were essential.

[4] https://www.youtube.com/watch?v=AXxCsHGIxww