تناقل النصارى روايات صلب المسيح جيلاً بعد جيل، حتى إذا جاء القرن الميلادي السابع، أعلن محمد صلى الله عليه وسلم بطلان وقوع الصلب على المسيح.

ويتساءل النصارى كيف له أن يقول ذلك، وأن يكذب الحواريين وشهود العيان الذين سجلوا لنا بشهاداتهم الخطية ما رأوه؟

فالأناجيل التي كتبها الإنجيليون الأربعة هي برهان القوم لو سئلوا، وقيل لهم: ] قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ (البقرة: 111)، فالكتاب المقدس وفي أكثر من ألف لغة إنسانية يتحدث عن صلب المسيح. وهذا هو البرهان.

ويرى العلامة ديدات أنه يفرض علينا تفحص هذا البرهان، والنظر في حال الشهود الأربعة الذين يشهدون بوقوع صلب المسيح.

وهنا يسجل ديدات أول ملاحظات المسلمين على الشهود، وهي أن اثنين من الشهود الأربعة لم يروا المسيح، ولم يكونوا من تلاميذه، فكيف يعتبرون شهوداً؟ ويقصد مرقس ولوقا.

والملاحظة الثانية: أن شهود الإثبات جميعاً لم يحضروا الواقعة التي يشهدون فيها، كما قال مرقس: ” فتركه الجميع وهربوا ” ( مرقس 14/50 )، ومثل هذه القضية لو عرضت على أي محكمة متحضرة لسارعت إلى رد شهادة هؤلاء الشهود في أقل من دقيقتين.

ثم هذه الشهادة مسجلة على أكثر من خمسة آلاف مخطوط يتفاخر بكثرتها النصارى، ولا يوجد منها مخطوطتان متطابقتان، ثم لو تطابقت جميعها، فإن أياً منها لم يسجَّل بخط مؤلفه، وإن نُسب إليه، يقول اينوك باول في كتابه ” تطور الأناجيل ” : قصة صلب الرومان للمسيح لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل. وقد استند في ذلك على إعادته ترجمة نسخة متى اليونانية، فتبين له أن هناك أجزاء وردت مكررة في هذا الإنجيل، مما يوحي بأنه أعيدت كتابتها في مرحلة تالية.

ومن التغيرات التي لاحظها علماء الغرب في مخطوطات الكتاب وهي تتحدث عن الصلب أنه قد تمت إضافة أجزاء للقصة حسب رؤية النساخ وتقديرهم، فقد جاء في مرقس: ” وفي اليوم الأول من الفطير، حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه: أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح؟ فأرسل اثنين من تلاميذه، وقال لهما: اذهبا إلى المدينة، فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه.. ” (مرقس 14/12 – 16 ).

يقول دنيس نينهام مفسر مرقس: ” إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرات أضيفت فيما بعد لرواية مرقس “. وقد استندوا لأمرين: أولهما: أنه وصف اليوم الذي قيلت فيه القصة بأسلوب لا يستخدمه يهودي معاصر للمسيح. والثاني: أن كاتب العدد 17 ” ولما كان المساء جاء مع الإثني عشر … ” ( مرقس 14/17 ) يتحدث عن جلوس المسيح مع تلاميذه الإثني عشر، وهو لا يعلم شيئاً عن رحلة اثنين منهم لإعداد الفصح.

ومن التلاعب الذي تعرضت له أيضاً نسخ الأناجيل: ما ذكره جورج كيرد شارح إنجيل لوقا، فقد جاء في لوقا أن المسيح قال على الصليب: ” يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ” (لوقا 23/33 – 34)، ولم يذكرها غيره من الإنجيليين، كما أغفلتها بعض المخطوطات الهامة للوقا، يقول كيرد: ” لقد قيل إن هذه الصلاة ربما تكون قد محيت من إحدى النسخ الأولى للإنجيل بواسطة أحد كتبة القرن الثاني، الذي ظن أنه شيء لا يمكن تصديقه أن يغفر الله لليهود، وبملاحظة ما حدث من تدمير مزدوج لأورشليم في عامي 70م و 135م صار من المؤكد أن الله لم يغفر لهم “.

تناقضات روايات الصلب في الأناجيل :

وتتحدث الأناجيل الأربعة – وهي المصدر الأساس لقصة الصلب – عن تفاصيل كثيرة في رواية الصلب، والمفروض لو كانت هذه الروايات وحياً كما يدعي النصارى، أن تتكامل روايات الإنجيليين الأربعة وتتطابق.

ولكن عند تفحص هذه الروايات نجد كثيراً من التناقضات والاختلافات التي لا يمكن الجمع بينها، ولا جواب عنها إلا التسليم بكذب بعض هذه الروايات، أو تكذيب رواية متى في مسألة، وتكذيب مرقس في أخرى…

من هذه التناقضات:

هل ذهب رؤساء الكهنة للقبض على المسيح؟

مَن الذي ذهب للقبض على يسوع ؟ يقول متى: ” جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب ” ( متى 26/52 )، وزاد مرقس بأن ذكر أن من الجمع الكتبةَ والشيوخ (انظر مرقس 14/43 )، فيما ذكر يوحنا أن الآتين هم جند الرومان وخدم من عند رؤساءَ الكهنة (انظر يوحنا 18/3 ) ولم يذكر أي من الثلاثة مجيء رؤساء الكهنة، ولو كانوا قد حضروا لما صح إغفال ذكرهم مع الحاضرين، فهم ليسوا أقل أهمية من الكتبة والشيوخ والدهماء.

ولكن لوقا ذكر أن رؤساء الكهنة جاءوا بأنفسهم للقبض على المسيح إذ يقول: ” قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه ” ( لوقا 22/52 ). فالتناقض بين لوقا والباقين ظاهر.

متى حوكم المسيح؟

وتذكر الأناجيل محاكمة المسيح، وتتفق في وصف الكثير مما جرى في أثناء المحاكمة، كاستفسار كبير الكهنة عن شخص الماثل بين يديه ، وإجابته له أن ابن الإنسان عن يمين قوة الله، وأنه سوف يأتي في سحاب السماء. (انظر لوقا 22/67-69، ومرقس 14/61-63، ومتى 26/63-64).

ولكنهم اختلفوا في موعد هذه الجلسة من جلسات المحاكمة، إذ يجعلها لوقا صباح الليلة التي قبض عليه فيها فيقول: ” ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة، وأَصعدوه إلى مجمعهم قائلين: إن كنت أنت المسيح فقل لنا؟…. ” ( لوقا 22/66 – 67 ).

وأما الإنجيليون الثلاثة فإنهم يجعلون المحاكمة في ليلة القبض عليه، فيقول مرقس: ” فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة، فاجتمع معه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة ….” ( مرقس 14/53 ) (وانظر: متى 26/57، ويوحنا 18/3 ).

كم مرة سيصيح الديك؟

وتبع بطرس المسيح من بعيد ليرى محاكمته، وقد أخبره المسيح بأنه سينكره في تلك الليلة ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرتين حسب مرقس ” قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات” (مرقس 14/72 ) ومَرةً حسب الثلاثة، يقول لوقا: ” قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات” (لوقا 22/60) ( انظر: متى 26/74، يوحنا 18/27 ) وقد ذكر الثلاثة خلال القصة صياحاً واحداً فقط، خلافاً لما زعمه مرقس، فقد ذكر صياحين للديك.

أين تعرفت عليه الجارية أول مرة؟

وأثناء متابعة بطرس للمحاكمة تعرف بعض الموجودين في المحاكمة عليه، وعرفوا أنه من أتباع المسيح، مما اضطر بطرس لإنكار ذلك ثلاث مرات.

وتتفق الأناجيل في أنه تعرفت عليه في المرة الأولى جارية، وتختلف في تحديد المكان الذي تعرفوا فيه على بطرس، فيذكر متى ويوحنا أنه كان حينذاك خارج الدار ” وأما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار. فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي” ( متى 26/69، 75)، ويؤكده يوحنا بقوله: ” وأما بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً” (يوحنا 8/16).

وذكر مرقس ولوقا أنه كان داخل الدار يستدفئ من البرد، يقول مرقس: ” بينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري” (مرقس 14/66)، وفي لوقا: “ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً جلس بطرس بينهم. فرأته جارية جالساً عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه ..” (لوقا 22/55-56 )، فهل كان بطرس داخل الدار أم خارجها؟

من الذي تعرف على المسيح في المرة الثانية والثالثة؟

وأما المرة الثانية فقد تعرفت عليه حسب مرقس نفس الجارية التي تعرفت عليه في المرة الأولى، يقول: ” فرأته الجارية أيضاً، وابتدأت تقول للحاضرين: إن هذا منهم” (مرقس 14/69).

ولكن حسب متى فإن الذي تعرف عليه جارية أخرى غير الأولى ” ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري” ( متى 26/71 ).

ويخالفهما جميعاً لوقا الذي ذكر أن الذي تعرف عليه هذه المرة رجل من الحضور وليس جارية، فيقول: ” وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم، فقال بطرس: يا إنسان، لست أنا” (لوقا 22/58).

ويحاول يوحنا الخروج من الخلاف والجمع بين الأقوال المتناقضة للثلاثة الذين سبقوه، فيستعير قصة الإنكار الثالث لبطرس حين أشار جمع إليه، فيجعلها في الإنكار الثاني، فيقول: “سمعان بطرس كان واقفاً يصطلي، فقالوا له: ألست أنت أيضاً من تلاميذه؟ فأنكر ذاك، وقال: لست أنا” (يوحنا 18/25).

وهذه الصيغة في التعرف على بطرس بواسطة الجموع ذكرها مرقس ومتى في سياق الإنكار الثالث، حيث يقول مرقس: ” وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم، لأنك جليلي أيضاً، ولغتك تشبه لغتهم. فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه” (مرقس 14/70-71).

وكذا ذكرها متى في الإنكار الثالث، فقال: ” بعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم، فإن لغتك تظهرك، فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف” (متى 26/73-74).

وأما لوقا ويوحنا فجعلا المتعرف على بطرس هذه المرة (الثالثة) رجل واحد، وليس مجموعة من الموجودين في المحكمة، يقول لوقا: ” ولما مضى نحو ساعة واحدة أكّد آخر قائلاً: بالحق إن هذا أيضاً كان معه، لأنه جليلي أيضاً، فقال بطرس: يا إنسان لست أعرف ما تقول” (لوقا 22/59-60).

ويصادق على كلامه يوحنا، فيذكر أن هذا الرجل أحد عبيد رئيس الكهنة ” قال واحد من عبيد رئيس الكهنة، وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه: أما رأيتك أنا معه في البستان؟ فأنكر بطرس أيضاً” (يوحنا 18/26 )، فهل الذي تعرف على بطرس في المرة الثانية نفس الجارية أم جارية أخرى أم رجل؟ وهل أنكر بطرس المسيح في المرة الثالثة بسبب تعرف الجمع على لهجته أم بسبب عبد رئيس الكهنة الذي رأى بطرس في البستان مع تلاميذ المسيح؟

لماذا حبس بارباس؟

وتختلف الأناجيل في تحديد السبب الذي من أجله حبس باراباس في سجن بيلاطس، فيذكر يوحنا بأنه كان لصاً “وكان باراباس لصاً” (يوحنا 18/40 ).

واتفق مرقس ولوقا على أنه صاحب فتنة، وأنه قَتل فيها فاستوجب حبسه، يقول لوقا: “أطلق لنا باراباس، وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل” (لوقا 23/19، وانظر: مرقس 15/7).

من الذي حمل الصليب المسيح أم سمعان؟

وصدر حكم بيلاطس بصلب المسيح، وخرج به اليهود لتنفيذ الحكم، وفيما هم خارجون لقيهم رجل يقال له سمعان، فجعلوه يحمل صليب المسيح يقول مرقس: ” ثم خرجوا لصلبه، فسخروا رجلا مجتازاً كان آتياً من الحقل، وهو سمعان القيرواني أبو الكسندروس وروفس ليحمل صليبه ” (مرقس 15/20 – 22 ) و ( انظر: متى 27/32، لوقا 23/26).

لكن يوحنا يخالف الإنجيليين الثلاثة، فيجعل المسيح حاملاً لصليبه بدلاً من سمعان، يقول يوحنا:
” فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له: الجمجمة ”
( يوحنا 19/17 )، ولم يذكر يوحنا شيئاً عن سمعان القيرواني، فمن الذي حمل الصليب ، سمعان أم المسيح عليه السلام؟

نهاية يهوذا

ويتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح، وسعى في الدلالة عليه وتسليمه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: ” لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم” (متى 27/2-5).

ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: “أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة، فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم” (أعمال 1/16-20).

فقد اختلف النصان في جملة من الأمور:

– كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات “ثم مضى وخنق نفسه”، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات “وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها”، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً.

– من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا “فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم”، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال “فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري”؟

– هل مات يهوذا نادماً ” لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم…قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً” أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس؟

– هل رد يهوذا المال للكهنة ” وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ “، أم أخذه واشترى به حقلاً “فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم “؟

– هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة “ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم… فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه” أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان؟

– هل سمي الحقل حقل دم لأنه كان ثمناً لدم المسيح ” فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم”، أم سمي بذلك لأن دم يهوذا قد سال فيه لما انشق بطنه ” فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم”.

ما موقف المصلوبين من جارهما على الصليب؟

وتتحدث الأناجيل عن تعليق المسيح على الصليب، وأنه صلب بين لصين أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ويذكر متى ومرقس أن اللصين استهزءا بالمسيح، يقول متى: ” بذلك أيضاً كان اللصّان اللذان صلبا معه يعيّرانه” (متى 27/44، ومثله في مرقس 15/32).

بينما ذكر لوقا بأن أحدهما استهزء به، بينما انتهره الآخر، ولم يوافقه في استهزائه وسخريته بالمسيح، يقول لوقا: ” وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر، وانتهره قائلاً: أولا تخاف الله .. فقال له يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس” ( لوقا 23/39 – 43).

آخر ما قاله المصلوب قبل موته

أما اللحظات الأخيرة في حياة المسيح فتذكرها الأناجيل، وتختلف في وصف المسيح حينذاك، فيصور متى ومرقس حاله حال اليائس القانط ينادي ويصرخ: ” إلهي إلهي لماذا تركتني ” ثم يُسلم الروح. ( متى 27/46 – 50، ومرقس 15/34 – 37 ).

وأما لوقا فيرى أن هذه النهاية لا تليق بالمسيح، فيصوره بحال القوي الراضي بقضاء الله حيث قال: ” يا أبتاه في يديك أستودع روحي، ولما قال هذا أسلم الروح ” ( لوقا 23/46 ).

ويتجنب يوحنا وصف مشاعر المسيح دفعاً للحرج، لكنه يسجل مقالة أخرى ينسبها للمسيح ويجعلها آخر كلماته على الصليب ، فيقول: “فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أكمل. ونكس رأسه، وأسلم الروح” (يوحنا 19/30)، فأي الكلمات كانت آخر كلام المسيح، وأي الحالين كان حاله على الصليب؟

متى انشق حجاب الهيكل

ويرى الإنجيليون أنه لا يليق أن تكون نهاية المسيح عادية كسائر الأموات، بل لابد أن تصحبها بعض الأحداث الكبيرة، والتي يختلفون في نسجها وفقاً لخيالاتهم الخصبة، لكنهم على أي حال يتفقون على واحدة منها، وهي انشقاق حجاب الهيكل، من غير أن يتفقوا على لحظة حصوله، فمرقس يجعله بعد وفاة المسيح ، فيقول: “فصرخ يسوع بصوت عظيم، وأسلم الروح، وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين، من فوق إلى أسفل” (مرقس 15/37-38).

أما لوقا المتتبع لكل شيء بتدقيق فإنه يخالف البشير مرقس أول الإنجيلين تأليفاً، ويرى أن تلك الأعجوبة كانت قبل موت المسيح، فيقول: “وكان نحو الساعة السادسة، فكانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة، وأظلمت الشمس، وانشقّ حجاب الهيكل من وسطه، ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه، في يديك استودع روحي، ولما قال هذا، أسلم الروح” (لوقا 23/44-46)، فانشقاقه كان قبل موت المسيح خلافاً لما زعمه مرقس.

تناقضات قصة القيامة

وتتحدث الأناجيل الأربع عن قيامة المسيح بعد دفنه، وتمتلىء قصص القيامة في الأناجيل بالمتناقضات التي تجعل من هذه القصة أضعف قصص الأناجيل.

متى أتت الزائرات إلى القبر؟

تتحدث الأناجيل عن زائرات للقبر في يوم الأحد، ويجعله مرقس بعد طلوع الشمس، فيقول: “وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر، إذ طلعت الشمس، وكنّ يقلن فيما بينهنّ من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، فتطلعن، ورأين أن الحجر قد دحرج ” (مرقس 16/2-3 ).

لكن لوقا ومتَّى يجعلون الزيارة عند الفجر، وينصُّ يوحنا على أن الظلام باقٍ، يقول يوحنا: “في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً، والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر” (يوحنا 20/1 )، ( انظر: متى 28/1، لوقا 24/1).

من زار القبر؟

أما الزائرات والزوار، فهم حسب يوحنا مريم المجدلية وحدها كما في النص السابق ” جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً ” (يوحنا 20/1 – 3).

وأضاف متى مريمَ أخرى أبهمها ” جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر ” (متى 28/1).

لكن مرقس يقيد قراءه أن الزائرات هن مريم المجدلية وأم يعقوب وسالومة، فيقول: “اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنّه ” (مرقس 16/1 ).

وأما لوقا فيخبر أن القادمات للزيارة كن نساء كثيرات ومعهن أناس، يقول لوقا: “وتبعته نساء كنّ قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر” (لوقا 23/ 55 – 24/1). وهذا كله إنما كان في زيارة واحدة.

متى دحرج الحجر؟

ثم هل وجد الزوار الحجر الذي يسد القبر مدحرجاً أم دُحرج وقت الزيارة؟

يقول متى: ” وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، جاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه ” ( متى 28/2 )، فيفهم منه أن الدحرجة حصلت وقتذاك.

بينما يذكر الثلاثة أن الزائرات وجدن الحجر مدحرجاً، يقول لوقا: “أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر” (لوقا 24/2) ( وانظر: مرقس 16/4، يوحنا 20/1 ).

ماذا رأت الزائرات؟

وقد شاهدت الزائرات في القبر شاباً جالساً عن اليمين، لابساً حُلة بيضاء حسب مرقس (انظر: مرقس 16/5)، ومتى جعل الشاب ملاكاً نزل من السماء. ( انظر: متى 28/2 )، ولوقا جعلهما رجلين بثياب براقة. (انظر: لوقا 24/4).

وأما يوحنا فقد جعلهما ملَكين بثياب بيضٍ، أحدهما عند الرأس، والآخر عند الرجلين. ( انظر يوحنا 20/12 ).

هل أسرت الزائرات الخبر أم أشاعته؟

ويتناقض مرقس مع لوقا في مسألة: هل أخبرت النساء أحداً بما رأين أم لا ؟ فمرقس يقول: “ولم يقلن لأحد شيئاً، لأنهن كن خائفات ” ( مرقس 16/8 )، ولوقا يقول: ” ورجعن من القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله ” ( لوقا 24/9 ).

لمن ظهر المسيح أول مرة؟

وتختلف الأناجيل مرة أخرى في عدد مرات ظهور المسيح لتلاميذه، وفيمن لقيه المسيح في أول ظهور؟ فمرقس ويوحنا يجعلان الظهور الأول لمريم المجدلية ( انظر: مرقس 16/9، يوحنا 20/14). ويضيف متى: مريم الأخرى ( انظر: متى 28/9 ).

بينما يعتبر لوقا أن أول من ظهر له المسيح هما التلميذان المنطلقان لعمواس ( انظر: لوقا 24/13 ).

كم مرة ظهر المسيح؟ وأين؟

ويجعل يوحنا ظهور المسيح للتلاميذ مجتمعين ثلاث مرات. ( انظر: يوحنا 20/19، 26 ) بينما يذكر الثلاثة للمسيح ظهوراً واحداً (انظر: متى 28/16، مرقس 16/14، لوقا 24/36).

ويجزم لوقا المتتبع لكل شيء بتدقيق أن المسيح ظهر للتلاميذ مرة واحدة، وقد رُفع في نهاية هذه المقابلة، فيقول: “وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلام لكم، فجزعوا وخافوا، وظنوا أنهم نظروا روحاً .. وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم، وأُصعد إلى السماء” ( لوقا 24/36 – 51).

وهذا اللقاء الأول والأخير بين المعلم وتلاميذه يرى لوقا أنه قد تم في أورشليم، فيقول: “ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم، وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان … وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلام لكم” ( لوقا 24/33 – 36).

بينما يقول صاحباه (متى ومرقس) بأن ذلك كان في الجليل ” أما الأحد عشر تلميذاً، فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع، ولما رأوه سجدوا له” ( متى 28/10)، ( وانظر مرقس 16/7 )، فهل كان لقاؤهم في الجليل أم في أورشليم؟

هل حضر توما اللقاء مع الأول مع المسيح

وعند غض الطرف عن عدد ظهورات المسيح للتلاميذ فإنا نتساءل عن الحضور الذين رأوا المسيح في اللقاء الأول حيث كان التلاميذ مجتمعين في أورشليم أو الجليل، هل كانوا جميعاً موجودين أم أن أحدهم وهو توما الشكاك كان غائباً عن هذا اللقاء؟

متّى يرى أن التلاميذ الاثني عشر كانوا موجودين خلا يهوذا الخائن، فيقول: “وأما الأحد عشر تلميذاً، فانطلقوا إلى الجليل، إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع، ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكّوا” (متى 28/16-17)، يفهم منه أن توما كان أحد أولئك الساجدين حينذاك، ولعله هو من عناه متى حين قال: “ولكن بعضهم شكوا”

لكن يوحنا يجزم بغياب توما عن اللقاء الأول، ويقول: “أما توما أحد الاثني عشر الذي يقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع، فقال له التلاميذ الآخرون: قد رأينا الرب ” (يوحنا 20/19-25)، والحديث بالطبع عن اللقاء الأول، وقد لقيه بعد ذلك بثمانية أيام، وشكّ في شخص من يراه، وأراه المسيح يديه ورجليه كما قال يوحنا. (انظر يوحنا 20/26-27).

لكن العجب كل العجب فيما أضافه بولس في اللقاء الأول، لقد أضاف ضيفاً غريباً ثقيلاً، وهو يهوذا الأسخريوطي، التلميذ الخائن الهالك، فقد قال: “قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وإنه ظهر لصفا، ثم للاثني عشر ” (كورنثوس (1) 15/4)، إنه تناقض صارخ آخر من تناقضات هذه الرواية التي تعتبر بحق أضعف أجزاء العهد الجديد.

كم بقي المسيح قبل رفعه؟

ونشير أخيراً إلى تناقض كبير وقعت فيه الأناجيل، وهي تتحدث عن ظهور المسيح، ألا وهو مقدار المدة التي قضاها المسيح قبل رفعه.

ويفهم من متى ومرقس أن صعوده كان في يوم القيامة ( انظر: متى 28/8 – 20، مرقس 16/9 – 19، ولوقا 24/1 – 53 ).

بيد أن مؤلف أعمال الرسل – والمفترض أنه لوقا – جعل صعود المسيح للسماء بعد أربعين يوماً من القيامة. ( انظر: أعمال 1/13 ).

وبهذه التناقضات وغيرها سقطت شهادة الشهود في هذه المسألة، وصح لأي محكمة أن تعتبرهم شهود زور، وهل يُعرف شهود الزور إلا بمثل هذه التناقضات، أو أقل منها ؟