النبوءة الكبرى

}غلبت الروم ﴿٢﴾ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ﴿٣﴾ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ﴿٤﴾ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ﴿٥﴾ وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴿٦﴾ } سورة الروم.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنبأ بانتصار المهزوم –الروم- الذي يكاد يستسلم لخصمه، ويحدد موعداً دقيقاً لهذا النصر الذي ما من شيء أبعد في تحققه منه.
اشتدت المعارك بين الروم والفرس خلال الفترة التي كان فيها المسلمون في مكة يعانون الأمرين من المشركين فقد كان أبرويز قد قاد حملة فارسية سنة 611 توِّجت بانتصار كاسح على الروم في معركة أنطاكية – قرب البحر الميت – سنة 614 وكان هذا الخبر قد أحزن الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأفرح المشركين .
فجاء القرآن الكريم بتحديات غيبية معجزة وعجيبة :
1- أن الروم غُلبت في أدنى الأرض – أي أخفض منطقة بالعالم وبالفعل هذه المنطقة تقع قرب البحر الميت وهي التي وقعت المعركة قريبًا منها .
اخفض منطقة بالعالم قرب البحر الميت http://en.wikipediaorg/wiki/extretremes-on-earth
2- يقرر القرآن الكريم في وعد عظيم ومدهش أن الروم بعد هزيمتهم سينتصرون في بضع سنين وهذا وعد الله لا يخلف الله وعده .
وهو ما دفع أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- للرهان مع أهل قريش أن الروم ستنتصر في بضع سنين من 3-9 سنوات .

الآن نعود لمعركة أنطاكية وبعد هذه المعركة التي حدثت كما ذكرنا عام 614 م وطيلة تسع سنوات لم تكن الروم تقف في وجه الجيوش الفارسية، بل كانت المدن تتوالى ساقطةً واحدة تلو أخرى وكان أبرويز يحرق الكنائس ويذبح الآلاف، حتى يروى أنه في القدس وحدها قتل تسعين ألفًا من المسيحيين ثم انتزع منها أقدس رمز ديني عند الروم وهو صليب الصلبوت وكانت هذه علامة على نهاية الروم.
الآن لا يوجد أدنى بصيص أمل في الأنتصار مجددًا وإلى عام 616 كان الفرس لهم الزعامة في العالم وانتزعوا الإسكندرية عام 616 م ووصلنا الآن إلى العام 619 م والفرس ينتصرون ويسحقون الروم سحقًا، ولم يبق على انتهاء المهلة التي حددها القرآن إلا أربع سنوات وفي هذه الفترة كان هرقل ملك الروم غارقًا في اللهو والخمر ومعاقرة النساء، وتتساقط منه الدول والمدن بلدًا بعد الآخر وقد سقطت منه مصر في تلك الأثناء وصارت تابعة للفرس .. ثم فجأةً تحدث اليقظة المفاجأة لهرقل – على حد تعبير كتّاب التاريخ – فيهجر ليالي الملذات ويركب الفرس ويمتشق السلاح!!
ثم في المقابل أيضًا حدثت ظاهرة مماثلة لكنها معكوسة، إذ نجد أبرويز يتوقف فجأةً عن القيادة ، وينغمس في اللهو على نحوٍ مفرط ، حيث سيعتزل في قصر بدستجرد لينغمس في الملذات ،وكان شغله الشاغل هو تحفيز النحاتين على نحت تمثال لشيرين أجمل زوجاته اللاتي بلغ عددهن ثلاثة آلاف!!
وبدأت المناوشات بين الروم والفرس تصب في صالح الروم لأول مرة وظلت المناوشات تزداد يومًا بعد يوم في صالح الروم إلى أن حدثت المعركة بين الروم والفرس عام 623 واسترد الروم ليس أنطاكية فحسب بل كل بلاد الشام من الفرس أي بعد الهزيمة بتسع سنوات تمامًا كما تنبأ القرآن، و سنة 624 م كان طرد الفرس من سوريا يوم نصر بدر . و ظل هرقل زاحفًا حتى احتل عاصمة فارس واسترجع منها صليب الصلبوت .

ما الذي يدفع القرآن للحديث عن نبوءة كهذه ؟ لو لم تقع ولو استمر هرقل غارقًا في ملذاته لسقطت الدعوة …!!
لكن القرآن تحدث عن ذلك وتحققت نبوئته، فكان أول انتصار للروم من بعد هزائمهم المتتالية بعد تسع سنوات بالضبط من هزيمتهم في أنطاكية.

 

يقول المؤرخ إدوار جِبن Edward Gibbon  “في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءةٍ أبعدَ منها وقوعاً، لأن السنين العشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية”

تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية، المجلد 5 ص74، طبعة جيه دي موريس.