بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

«الأسرة» .. تلك المؤسسة الصغيرة المهمة التي على الرغم من صغرها ما زالتهي أهم المؤسسات في المجتمع، ولاعتبار الأسرة مؤسسة لا بد من امتلاكها «كيان إداري» له أهداف وخطط يدير ذلك الصرح الصغير. ومن أهم الإداراتالداخلية لهذا الكيان هي «الإدارة المالية»، إذ المال عصب الحياة وبه نحققرغباتنا واستمرارية المعيشة. ونظرًا لظروف الحياة العصرية المعقدة، فغالبًاما نجد دخل الأسرة لا يكفي لتمويل ذلك الصرح لتحقيق أهدافه وطموحاته، ومنثم كان لازمًا وضع تصور بناء لإدارة المال في الأسر عمومًا، يسير بها في حدالاعتدال ولا تنجرف صوب الإفراط أو التفريط.

• المصارحة فيما بينكما بخصوص الأمور الماديةتستطيع تأمين علاقتكما ومستقبلكما المالي معا، وهذا بالطبع يشمل حقيقة دخلالزوج أو الزوجة إن كانت تعمل، وأوجه الإنفاق المختلفة، والمدخرات .. وهكذا.

• من واقع الدراسات المسحية تبين أن الرجالأقدر على إدارة الأمور المالية الأساسية للأسرة، ويشكل عدد الرجال الذينيضطلعون بمسؤولية ميزانية المنزل ضعف عدد النساء اللواتي يقمن بالدور ذاته،أما المسئولون عن استثمار أموال الأسرة فيشكلون ثلاثة أضعاف النساء اللاتييقمن بهذه المهمة. فلماذا لا نوزع الأدوار داخل الأسرة؟ ولماذا لا يتشاركالزوجان مسئولية الميزانية؟ خاصة وأن نفس الدراسات تؤكد أن معظم الأزواج ( 67% ) يتخذون القرارات معا كفريق، ولكن كل حسب موقعه التقليدي.

• توحيد مصدر الصرف في الأسرة مسألة في غايةالأهمية، فإما أن يكون الزوج أو أن تكون الزوجة، حتى لا تحدث تشتت فيالإنفاق بتكرار شراء أشياء قد لا يتم الاتفاق عليها مسبقا، أو لا تحتاجالأسرة إليها في الوقت الحالي، بما يؤدي إلي هدر في الميزانية لا داعي لهإطلاقا.

• من المهم مراقبة الميزانية من وقت لآخر،ولا نتركها لآخر الشهر أو السنة، وهذا يفيد جدا في اكتشاف الأخطاء أولابأول، وسرعة تداركها وتلافي الوقوع في كوارث مادية مفاجئة.

• لابد أن تتعاملي مع التخطيط والميزانياتبأسلوب مرن، تحسباً للظروف الطارئة التي قد تحتاج إليها الأسرة على غيرالمتوقع، فتكونين مستعدة لذلك، بحيث تجعلي الميزانية تستوعب أي مستجداتمفاجئة.

• رضا الناس غاية لا تدرك والأفضل هي القناعةالشخصية .. فلابد أن يكون كل أفراد الأسرة على قناعة أنهم يعيشون لأنفسهموليس من أجل ما يقوله الناس، وبالتالي فهم الذين يحددون احتياجاتهمونفقاتهم دون أن يخضعوا لضغوط اجتماعية أو حمى المظاهر، الأمر الذي قديضطرهم إلي الاستدانة والوقوع في براثن القروض.

• ابتكري طرقا جديدة لحل الأزمات المالية: كحذف بعض الكماليات في سبيل الحصول على الضروريات. الاقتصاد في البرامجالترفيهية للأسرة مؤقتا حتى تمر الأزمة بسلام. إعادة استعمال بعض الأشياءالقديمة بعد تجديدها وإصلاحها. الشراء من محلات الجملة والاوكازيوناتابتغاء الأسعار المخفضة. ولا ننسى دور البحث عن وسائل التوفير لنفقاتالطعام من خلال أصناف اقتصادية تعدينها في المنزل. أو من خلال مكملاتتقومين بتخزينها طيلة أيام العام.

• ادخري المال واستغني عن ذل السؤال: فعلىالزوجة أن تتبنى أسلوبا مبتكرا للتوفير من الإيرادات حتى تكون الميزانيةقوية، فتحاول استغلال فترات انخفاض الإنفاق في التركيز على رفع المدخرات،مثل: أوقات انتهاء العام الدراسي. غياب أحد أفراد الأسرة في سفر. فتراتالخروج من الأعياد والمناسبات. الفترات بين أوقات تسديد الفواتير المستحقة .. وهكذا. ويمكن أن تقتطعي مبلغا معينا من الإيراد وتدخليه في حساب معين لايمس وكأنه مصروف ثابت شهري لكنه يكون للتوفير.

• في بداية الزواج يكون الادخار أسهل من أيوقت آخر خلال رحلة الحياة الزوجية ؛ وذلك لعدة أسباب منها أن عدد أفرادالأسرة الجديدة صغير، وبالتالي فإن مصروفاتهم اليومية بسيطة. عدم احتياج عشالزوجية لصيانة مكلفة ولا للتجديد، فالشباب في الغالب يبدءون حياتهمالزوجية بعد شراء كل احتياجاتهم الأساسية من ملابس وأجهزة كهربائية وأثاث،وبالتالي فإن الشباب المتزوج حديثا عليه أن يتحمل مسئولية حياته المستقلةمنذ اليوم الأول، وعليهم الادخار استعدادا لطفل ينعم به الله عليهم أو أيالتزامات أخرى قد تطرأ.

• العمل على تنمية وتطوير دخل الأسرة وما فيحوزتها من أموال والمحافظة عليها وما يتعلق باستثمارها. وهذه العنايةبالميزانية تتطلب معرفة الوالدين بالخطط المستقبلية للعائلة، والأهداف التييسعيان إلى تحقيقها، حتى يستطيعا أن يدخرا من المصروف ما يلبي حاجات الأسرةالمستقبلية من بناء بيت وزواج أولاد والمصاريف الصحية عند الكبر وغير ذلك. وبعبارة أخرى: لابد من وجود هدف استراتجيي طويل الأجل تسعى الأسرة لتحقيقه،بجانب مجموعة من الأهداف الفرعية التي ترتبط بمراحل الحياة الاجتماعيةللأسرة.

• إشراك الأبناء في إدارة ميزانية الأسرةفرصة تربوية رائعة يتعلمون من خلالها كيف يتصرفون في توزيع دخل الأسرة علىأوجه الإنفاق المختلفة، وكيف يمكن اختصار بعض أوجه الإنفاق لتدبير ما يمكنإنفاقه على أحد أبواب الإنفاق التي تزدهر في بعض الشهور دون أخرى .. هذهالتجربة في إدارة ميزانية الأسرة لن تجعلهم يطلبون منا مطلبا لا تستطيعالميزانية أن تتحمله؛ لأنه في هذه الحالة سيكونون أول من يعلم حدود طلباتهمالتي يمكن أن تلبيها الإمكانية المادية الحقيقية للأسرة، فلا يطلبون ما هوأكثر، بل ربما يقترحون أن يستغنون عن بعض طلباتهم من أجل الآخرين (أخيه أوأخته )، أو من أجل أن تبدو الأسرة ككل بمظهر لائق إذا فوجئت بموقف لم يكنفي الحسبان، وبذلك يتعلموا شيئا جديدا هو «الإيثار».
هذا بالإضافة إلى أنهم يتعلموا مهارة حل الأزمات والتفكير في الخروج منها،وعدم التقوقع فيها، أو اللجوء إلى الغير لحلها، ولا يصبح الاقتراض هوالطريق السهل أو التلقائي لحل أزماتهم المالية، كما يتدرب الأبناء علىكيفية إدارة ميزانية الأسرة، التي عادة ما يفاجئون بالقيام بها دون تدريبمسبق عند بداية الزواج.

• الإنفاق كما يكون له هدف في الدنيا منتحقيق السعادة للإنسان، يكون أيضا للسعادة في الآخرة بدخول الجنة إن شاءالله تعالى، فلا بد من إخراج الحق الواجب من الزكاة على مدخرات الأسرة،والإنفاق في وجوه البر المختلفة .. ففي المال حق سوى الزكاة، والإنفاق فيالخير من أعظم وسائل بركة المدخرات للحديث القدسي الجليل «أنفق يا ابن آدمأُنفق عليك» [البخاري], كما أن الإنفاق الخيري لا يقتصر على الفرد نفسه بليشمل النفقة على الأقارب وأفراد الأسرة وأفراد المجتمع المحتاجين حسب قدرةكل فرد وإمكانياته المالية، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ابدأ بنفسكفتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإنفضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك [مسلم]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينارأنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك،أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك» [مسلم]. ويقول ابن عمر رضي الله عنهما:(أربع من فعلهن فقد بريء من البخل: من آتى الزكاة، وقرى الضيف، ووصل الرحم،وأعطى في النائبة) وعلق على ذلك ابن تيمية بقوله: (من ترك أحد هذه الأربعةفهو بخيل).

• الدين هم بالليل مذلة بالنهار .. فالاستدانة وإن بدت حلا سهلا لأزماتنا المالية، إلا أنها قد تتحول إلى مرضمزمن وشبح مرعب قد لا نستطيع التخلص منه، والعلاج يكون بأن نفكر ابتداء كيفنخرج من المأزق المالي في حدود إمكانياتنا دون اللجوء للاستدانة.