الإقرار بربوبية الله مركوز في النفوس وإن كانت تحجبه أحياناً سُحُبُ الزندقة والإلحاد، فقد أثر أن بعض الزنادقة أنكر الخالق عند جعفر الصادق -رحمه الله- فقال له جعفر: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل رأيت أهواله؟ قال: بلى؛ هاجت يومًا ریاح هائلة فكسرت السفن وغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، ثم ذهب عني ذلك اللوح؛ فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج؛ حتى دُفعت إلى الساحل.

الإقرار بربوبية الله مركوز في النفوس وإن كانت تحجبه أحياناً سُحُبُ الزندقة والإلحاد، فقد أثر أن بعض الزنادقة أنكر الخالق عند جعفر الصادق -رحمه الله- فقال له جعفر: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل رأيت أهواله؟ قال: بلى؛ هاجت يومًا ریاح هائلة فكسرت السفن وغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، ثم ذهب عني ذلك اللوح؛ فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج؛ حتى دُفعت إلى الساحل.

فقال جعفر: كان اعتمادك من قبل على السفينة والملاح، ثم على اللوح حتى تنجيك، فلما ذهبت هذه الأشياء عنك، هل أسلمتَ نفسك للهلاك، أم كنتَ ترجو السلامة بعد؟

قال: بل رجوت السلامة، قال : ممن کنتَ ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، وهو الذي أنجاك من الغرق، فأسلم الرجل على يده.

کما أثر أن بعض الدهرية كانوا ينتهزون الفرصة لقتل أبي حنيفة -رحمه الله- فبينما هو يومًا قاعد في مسجده؛ إذ هجم عليه جماعة بسيوف مسلولة وهمُّوا بقتله، فقال لهم: أجيبوني عن مسألة ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا له: هات، فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيتُ سفينةً مشحونة بالأحمال، مملوءة بالأثقال، قد احتوشها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية، ليس لها ملاح يُجريها ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل؟ فقالوا: لا، هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله! إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد؛ فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغير أعمالها، وسعة أطرافها وتباين أكنافها، من غير صانع وحافظ؟ فبكوا جميعًا وقالوا: صدقت، وأغمدوا سيوفهم وتابوا.

كما أثر أن بعض الزنادقة سألوا الشافعي -رحمه الله-: ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة الفِرصاد (يعني التوت) طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم؟ قالوا: نعم، قال: فتأكلها دودة القز فيخرج منها الإبريسم (يعني الحرير)، وتأكلها النحل فيخرج منها العسل، وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فينعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟ فاستحسنوا منه ذلك، وأسلموا على يده، وكانوا سبعة عشر رجلًا.

وضرب أحمد بن حنبل -رحمه الله- مثلًا للدلالة على الحكيم الخبير بقلعة حصينة ملساء لا فُرجة فيها، ظاهرها کالفضة المذابة وباطنها كالذهب الإبريز، ثم انشقت الجدران وخرج من القلعة حيوان سميع بصير، فهل خرج من غير فاعل؟! وقد أراد -رحمه الله- بالقلعة الحصينة البيضة، وبالحيوان الفرخ.

ولا شك أن خروج الفرخ من البيضة آية عجيبة، فقد ذكر أنه يختار موضعًا معينًا من البيضة كأنه باب لها، فينقره بمنقاره الضعيف فتنشق البيضة ويخرج، کما أن ما تحمله الحوامل يستمر على وضع معين إلى قرب خروجه من بطن أمه؛ فيتهيأ للخروج بطريقة هداه إليها الحكيم الخبير.

وقد أثر أن مالكًا -رحمه الله- استدل على الحكيم العليم باختلاف الأصوات، وتردد النغمات، وتفاوت اللغات، ولا شك أن القرآن العظيم أعلن ذلك في قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].

وقد سئل أعراب: بم عرفت ربك؟ قال: البعرة تدل على البعير، والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟

كما استدل أعرابي لما قيل له: بم عرفت ربك؟ قال: عرفته بنحلة بأحد طرفيها تعسل وبالآخر تلسع، والعسل مقلوب اللسع.

فالإقرار والاعتراف بربوبية الله مرکوز في النفوس، مقرر عند جميع الأمم، لكن من انحرفت فطرته عبد غير الله، فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب؛ لتحقيق أنه لا إله إلا الله، وأنه وحده المستحق لأن يُفرد بالعبادة، ويُخص بالتوحيد)[1]).


[1]– تهذيب التفسير وتجريد التأويل، الشيخ عبد القادر شيبة الحمد 1/56-58.