دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحد وهو الدين الذي لا يقبل الله من الأديان سواه؛ ألا وهو دين الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران: 19)، وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85). ودعوة الرسل واحدة وهي التوحيد، وإن كانت شرائعهم تختلف، وقد أخذ الله العهود والمواثيق على الأنبياء أنهم إذا بُعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنُنًّ به ولينصرُنَّه، وأمرهم أن يأخذوا المواثيق على أممهم أنهم إذا بعث محمد آمنوا به وصدقوه كما فسر العلماء بذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 81).

في هذا السياق يأتي كتاب “منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الكتاب” للكاتب محمد بن سيدي الشنقيطي، الذي أشار إلى أن المراد من منهجه -صلى الله عليه وسلم- في دعوة أهل الكتاب إنما هو السنة النبوية دون القرآن الكريم، وذكر أنه اختار هذا الموضوع لعدة أسباب:

–       أنه لم يكتب أحد في هذا الموضوع بعينه.

–       والرد على أهل الكتاب في دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم، وإنما بعث إلى الناس عامة، وإبراز الأحاديث النبوية التي دلت على دعوته لأهل الكتاب.

–       الرد على أعداء الإسلام أن الرسول أدخل الناس في الإسلام عن طريق القوة والقهر بالسيف.

ينقسم الكتاب إلى ثلاث أبواب؛ يتناول الكاتب في الباب الأول التعريف اللغوي والاصطلاحي للمنهج، والدعوة، ثم أهمية الدعوة والحاجة إليها، وحكمها، ثم يسوق الأحاديث الدالة على عمومية الدعوة إلى الله تعالى، ومنها حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- في البخاري حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة” فلفظ (الناس) تدل على (العموم)، والحديث الثاني وهو حديث جابر أيضا في مسلم حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود..”، وغير ذلك من الأحاديث..

وفي الفصل الثاني من الباب الأول يتناول الكاتب مناهج دعوة أهل الكتاب، ومنها حلمه وصفحة المتكرران عن أهل الكتاب، وإظهار المعجزات لهم، وإثبات موافقة القرآن الكريم لما في التوراة، وحديث ابن عمر في رجم اليهوديين اللذين زنيا، واعتراف اليهود بالتبديل والتغيير في التوراة، وإباحته -عليه الصلاة والسلام- لذبائح أهل الكتاب، ونكاح نسائهم، وقبول هديتهم، ووصيته -عليه الصلاة والسلام- على أهل الذمة، وإخبار أهل الكتاب بالمغيبات التي لا يعلمها غيرهم.

وسائل دعوة أهل الكتاب

أما الباب الثاني فيشرح وسائل دعوة أهل الكتاب، ومنها معاهدته -عليه السلام- ليهود المدينة، وكتاب الصلح بينه وبين اليهود، وإجابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبعض أسئلة اليهود، والمحاورات التي وقعت بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين اليهود، ومعرفة اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، وكتبه -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك وعظماء أهل الكتاب، كما يبين في الباب الثاني معاملته صلى الله عليه وسلم للوفد مستعرضا وفد الحبشة، ووفد نجران.

الدعوة في الجهاد

وأخيرا يستعرض الكاتب في الباب الثالث منهجه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، ويشير في هذا الباب إلى ملامح الدعوة إلى الله عز وجل في الغزوات المختلفة ومنها غزوة بني قريظة، وغزوة خيبر وقصة فدك، وقصة وادي القرى، وغزوة مؤتة، وغزوة تبوك وبين الكاتب في منهجه صلى الله عليه في كل تلك الغزوات، والأحاديث التي تتعلق بالدعوة في هذه الغزوات.

ويختتم الكتاب كتابه ببعض النقاط المهمة التي توصل إليها من خلال منهجه صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الكتاب وهي: عمومية الدعوة، وبيان الأحاديث التي تنص على دعوة أهل الكتاب، ووسائل دعوتهم، وحكمته صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الكتاب، ومعاملته للوفود، وكيف أن جهاده كان دعوة إلى الله عز وجل.

—-

المصدر: مجلة البشرى (بتصرف).