الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض فكل الحمد لك. اللهم لك الشكر ملء السماوات والأرض فكل الشكر لك، نحمدك على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن، ونحمدك على أن هديتنا للإسلام وجعلتنا من أمة خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه، نشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الدقائق في ميزان الحسنات في يوم تعز فيه الحسنات في يوم الحسرات، وأن يجعل من تسبب في ذلك بشيء قليل أو كثير يجعل هذه في ميزانه وأن يجعلها له من الباقيات الصالحات هو ولي ذلك والقادر عليه. أيتها الأخوات المؤمنات: إدارة ومعلمات وطالبات ومنسوبات، أوصيكن ونفسي بتقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً تبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] ..يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل:111] .. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30] يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور.يوم تبلى السرائر وتنكشف الضمائر، يوم الحاقة والطامة والقارعة والزلزلة والصاخة: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]. أيتها الأخوات: من أنتن لولا الإسلام والإيمان والقرآن؟أنتن بالإسلام وبالإيمان والقرآن شيء وبدونها والله لا شيء، ولعلكنَّ تُعِرنني أسماعكنَّ قليلاً، لتعرفن تلك النعمة التي أنتنَّ تعِشْنَها في هذه الأيام، يوم تسمعْن لحال المرأة في عصور الجاهلية، وأنتنَّ تتبوأن نعمة الهداية، كيف كانت المرأة؟
جاهلية تعيشها المرأة في هذا القرن
أخواتي المؤمنات؛ ونَعِمَت المرأة في ظل الإسلام قروناً، ولا زالت تنعم بذلك حتى جاءت جاهلية هذا القرن والذي قبله، فوأدت المرأة وأداً معنوياً، أشد خطراً من وأد الجاهلية؛ فإن الموءودة في الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أما موءودة هذا القرن فهي التي وأدت نفسها، وباعت عفَّتها، وأهدرت حياءها، فلا تجد الجنة، ولا تجد ريحها، كاسية عارية، مائلة مُمِيلة، لا تجد عرف الجنة، وإن ريح الجنة ليوجد من مسافة كذا وكذا.أصغت بأذنها إلى الدعاة على أبواب جهنم، فقذفوها في جهنم، فشقيت وخسرت دنياها وأخراها، فهي تعض أصابع الندم هنا ويوم القيامة، نسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنَّا، وعن العاصيات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. يا أمَةَ الله! تجيء جاهلية هذا القرن في صور متعددة؛ في صورة المشفق عليك، الضاحك ظاهراً، وهو يريد قتلك باطناً. إذا رأيت نِيُوبَ اللَّيثِ بارزةً فلا تظنِّي أنَّ اللَّيث يبتسمُ جاءت هذه الجاهلية في صورة المشفق عن طريق مجلة، أو عن طريق صفحة جريدة، أو أغنية فاجرة، أو مسلسل، أو تمثيلية، أو جهاز استقبال، يريدون منكِ أن تكوني عاهرة، سافرة، فاجرة، يريدون أن تكوني بهيمة في مِسْلاخِ بشر، حاشاك يا بنة الإسلام! ويا حفيدة سمية وأسماء !اسمعي لقائلهم سمع اعتبار يوم يقول، وهو أحد الكفار الذي يتربص بك وبأخواتك وبالمؤمنين الدوائر يقول: لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويُغطَّى به القرآن، وحتى تؤتى الفواحش والمنكرات. وخاب وخَسِر. ويقول الآخر: مزِّقيه مزِّقيه بلا ريث فقد كان حارساً كذاباً يخاطب بذلك الحجاب. ويقول الآخر: إلى متى تحملين هذه الخيمة؟ ويقول آخر: ينبغي أن تبحثي عن قائد يقودك إلى المدرسة والكليَّة. ويقول آخر: لابد أن نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا، ونخلِّصها من قيود الدين. خاب وخسر. ويقول الآخر: إن الحجاب خاص بزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم.فأين تنطلي مثل هذه الأمور؟ وأين هذا من القرآن؟إنه لم يعرف القرآن، ولو عرف القرآن لقرأ قول الله في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59]. ويقول أحدهم -وهو قاسم أمين ، من الذين تأثروا بالغرب-: إن الحجاب ضرر على المرأة؛ فهو معرقل لحياتها اليومية.يضرب بالآيات عرض الحائط، ويحكِّم عقله، وينظر إلى الغرب الهائم؛ فعامله الله عز وجل بما يستحق. وآخر يقول: كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوهم في الشهوات والملذَّات.كيف جاءت هذه الأمور؟ إنها لم تأتنا إلا من أعداء الإسلام، على طريقة من؟! على طريقة الذين رُبُّوا على أفكار أولئك. يخرج سعد زغلول منفياً مُرتباً له من مصر إلى بريطانيا أيام الاحتلال، ليعود من هناك وهو بطل وزعيم وطني قومي -وقد رُتِّب له الأمر- فإذا بسرادق النساء في استقباله، وإذا بزوجته صفية زغلول -انتسبت إليه، ولا تنسب إلى أبيها على طريقة الغربيات الكافرات- تأتي معه على ظهر الباخرة، وتصل إلى هناك، ولمَّا وصلت إلى هناك، وجاءوا لاستقباله -إذ الأمر مرتب- ينزل وينطلق مباشرة إلى سرادق النساء، إلى سرادق الحريم المحجبات فتقوم هدى شعراوي -عاملها الله بما تستحق- تقوم إليه محجبة، فينطلق إليها ليمد يده -وقد مدَّ اليهودي قبل ذلك يده فدفع ثمن ذلك نفسه- يمد يده إلى حجابها ويرفع ذلك، وهي تضحك وتصفِّق، وهو يضحك ويصفِّق، ثم يصفقن النساء لِيُعْلِنَّ الرَّذيلة من ذلك اليوم، وليبدأنَ في تقليد الكافرات، هذا هو عمله، فماذا فعلت التي قامت بالدور بعد ذلك هدى وصفية ؟ انطلقا في مظاهرة ظاهرها وهدفها مناوأة الاحتلال الإنجليزي، وانطلقا إلى ميدان الإسماعيلية ، ليقفا في ذلك الميدان محجبات سود كالغربان، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لحاجة في نفسهن، رمين الحجاب ودُسْنَهُ بالأقدام، ثم أحرقْنَه في تلك الساحات، ليُعلنَّ التمرد على القيم والأخلاق الإسلامية، فماذا كان بعد ذلك؟! حصل في مصر ما حصل ، حصل فيها أن بدأ التغريب هناك على يد هؤلاء، وبين أيادي المؤمنات، وعلى مرأى المسلمين والمسلمات، ماذا حصل؟! انطلقوا مباشرة فإذا بالرجل ينطلق إلى جنب المرأة مباشرة، وإذا به يعمل معها، وإذا به يخالطها في المدرسة تلميذاً ومعلِّماً فيما بعد، وإذا بالأمور تنفرط ليس هناك فحسب، بل تدب العدوى إلى بلاد عربية، حتى يكاد لا يَسْلَم من ذلك بلد إلا من رحم الله، وقليل ما هم. وإذا بنا نئن ونشكو من اختلاط ، ورذيلة. ومن طهر وعفاف يوأد، وإذا الفساد ينتشر، وإذا الداعية يصيح هنا وهناك، فإذا الآذان صُمَّت، واتجهت تقلِّد الغرب حتى في لباسها، قامت تقلدهم في الموضة والأزياء. جاءت هذه الصرعات فاستنفذت البيوت واستنفذت ميزانيات الأسر، حتى إنك لترى التي بلغت الخامسة عشرة لا زال لباسها من فوق ركبتها، وتقول: لازلت صغيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وما -والله- ذكرت من هؤلاء، سواء هدىأو قاسم أو زغلول أو غيرهم من الدعاة هنا وهناك إلا نماذج للدعاة على أبواب جهنم الذين ألقوا بحجابهم وداسوه بالأقدام، إنما يتَحَدَّوْن مشاعر المسلمين، والذين يكتبون لتحرير المرأة، والذين وقفوا بذلك الميدان وسموه: ميدان التحرير إنما هو التحرر من الفضيلة والخُلُق والطُّهر ولاشك، يكتبون والله يكتب ما يُبيِّتون هم وأذنابهم إلى يوم يبعثون: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] .. فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. أختي المؤمنة: هل لهؤلاء ومن على أدرابهم من الكُتَّاب والراقصات والعاهرات أهلٌ لأن يَكُنَّ قدوة للصالحات المؤمنات القانتات الصابرات الخاشعات؟نعوذ بالله من الانتكاس، ونسأل الله الثبات حتى الممات.أنتِ الطهر، وأنتِ الفضيلة، وأنت السُّمُو، والطهر لا يقتدي بالرِّجس والمهين، والفضيلة لا تقتدي بالرذيلة، والسمو لا يقتدي بالسُّفْل. خابوا وخسروا وتعسوا وانتكسوا. أغيظيهم وقولي بلسان حالك ومقالك: دعهم يعضوا على صُمِّ الحَصَى كمداً من مات من غيظه منهم له كفن
نماذج مشرفة من صبر المرأة المسلمة
إن آمالنا في المسلمة المتعلِّمة والمعلِّمة أن تكون أقوى من التحدِّيات، آمالنا في المسلمة في كل مكان، وآمالنا في المسلمة في هذه الجزيرة أن تكون أقوى من التحديات، تعتز بدينها، تتمسك بعقيدتها ومبادئها وأخلاقها، بل وتدعو إليها؛ فذلك من دينها.
نموذج من ثبات داعية معاصرة
المرأة المسلمة على ثغرة عظيمة، فاللهَ اللهَ أن تؤتى البيوت من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى أبناء المسلمين من قبلك. هاهي مَثَل لك؛ لأن الخير يستمر في الأمة إلى قيام الساعة والأمثلة كثيرة في هذا العصر والذي قبله. هاهي بنان الطنطاوي ؛ ابنة الشيخ الوقور علي الطنطاوي غفر الله لنا وله، وتجاوز عنا وعنه؛ زوجة عصام العطار علمت مسئولية الزوجة في البيت، وآمنت بربها، ودعت بما تستطيع، وهيأت لذلك الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل.انطلق يرد الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الغواية إلى الهدى والهداية، فأغاظ ذلك المنافقين، والذين يَشْرَقُونَ بالنور، والذين ما يعيشون إلا في الظلام، فما كان منهم إلا أن سجنوه في سجن من السجون، فأرسلت إليه رسالة، فما فحوى هذه الرسالة يا أيتها الداعية، يا أيتها المعلِّمة، يا أيتها المتعلِّمة؟ اسمعي إلى هذه الرسالة ماذا تقول لزوجها وهو في سجنه. تقول له: لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا -والله- لا نطلب منك شيئاً يخصُّنا، وإنما نطلبك بالموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم. انظري إلى هذه الكلمات، كيف وقفت معه وهو بعيد عنها، وقفت معه لأنها تعلم أنها على ثغرة وأنَّ ثغرةً ذهبت فسدَّت تلك الثغرة.ثم يشاء الله أن يخرج من ذلك السجن ليُشرَّد في ديار الغرب، وما أُخرج وما نُقِم منه إلا أن قال: ربي الله، واعتز بدينه ومبادئه، شُرِّد في بلاد الغرب، ويبتليه الله عز وجل هناك أيضاً ليرفع درجته بإذن الله عز وجل، ويوم ابتلاه الله عز وجل هناك بكونه يعيش بين الكفار، وكونه مشرداً عن أهله وغيرهم، يُبتلى بالشلل، يُشلُّ في ديار الغرب، لا أهل، ولا صاحب، ولا صديق، لكن له الله الذي أُخْرِج من أجله، وله الله الذي سُجِنَ من أجله، وله الله الذي دعا من أجله، فماذا فعلت هذه الزوجة؟بعيدة عنه، بعيدة بجسمها لكن قلبها معه، وروحها معه، هدفها وهدفه واحد؛ وهو نشر دين الله، ولقاء الله، والتعامل مع الله عز وجل، كتبت إليه رسالة هناك، وقالت: لا تحزن يا عصام ! ولا تأس، يرفع الله من يبتليه، إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا، الله معك ولن يَتِرَك، ولن يضيع لك ما أنت فيه، ثم تنطلق بعد ذلك لتلحق به في ديار الغرب إلى هناك لا لتجلس بجانبه تندب حظَّها، ولا لتجلس بجانبه وتقول: جَنَت الدعوة عليه، وإنما لتجلس بجانبه هناك لتأخذ أفكاره، وتأخذ علمه، فيكتب هو بيدها، ويسير بقدمها، فتنشئ مركزاً إسلامياً في ديار الكفر، فلا إله إلا الله! كم من تائبة تابت على يديها هناك، وكم من ضالة كافرةٍ لا تعرف شيئاً إلا الحياة البهيمية ردها الله على يد بنان الطنطاوي ، وهي هناك مع زوجها تستشيره ليعطيها المعلومات فتنطلق، ويأبى أولئك الذين يَشْرَقُون بهذا الدين أن يروا للخير قولة أو جولة، ويأتي ثلاثة رجال يبحثون عن ذلك المشلول في تلك البلاد، وما أن دلُّوا على شقته، حتى جاءوا فاقتحموها، وتقدموا إلى هذه الداعية المسكينة -امرأة في بيت غربة، وبعيدة، لكن معها الله الذي قدمت نفسها له- فإذا بها يُطلق عليها خمس رصاصات؛ في العنق، وفي الكتف، وفي الإبط، لتسقط مضرجة بدمائها. أسأل الله أن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى. وأسأل الله أن يكتب لها ولمن بعدها من أهلها النعيم المقيم السرمدي الأبدي الذي لا يزول، وأسأل الله أن يوقظ في بنات المسلمين ومعلمات ومتعلمات المسلمين نماذج مثل تلك النماذج، وأَعْظَمَ من تلك النماذج. إن الأمة تنتظر منك الكثير والكثير.
طريق الجنة والنار
اعلمي أخيراً أن طريق الجنة صعب، وأنه محفوف بالمكاره، لكن آخره السعادة الدائمة؛ أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم يوم يقول: (إن الله عز وجل لما خلق الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر ما أعددت لعبادي الصالحين فيها، فذهب؛ فإذا فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فرجع إلى ربه، وقال: يا رب! وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها -لِما فيها من النعيم- ثم حفَّها الله بالمكاره -بما تكره النفس من التكاليف؛ من الأوامر، من النواهي، من الضوابط الشرعية التي يتنقل الإنسان بينها وفيها، حفَّها بهذا كله- ثم قال: ارجع فانظر إليها، فنظر إليها، فإذا هي حفَّت بكل ما تكرهه النفس، فماذا قال؟ رجع إلى ربه، وقال: وعزتك وجلالك قد خشيت ألا يدخلها أحد). يا أيها الأحبة: والله! لا يدخلها إلا من زكىَّ نفسه، اسمعوا إلى الله وهو يقسم، مرات بعد مرات، يقسم بالضحى، وله أن يقسم بما شاء: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2] ثم يقول هناك: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8 ].ثم الجواب يأتيك بعد هذه الأقسام المتعددة المغلظة العظيمة من الرب العظيم يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] فوالله لن يفلح إلا من زكَّى نفسه بالإيمان بالله، والدعوة إلى الله عز وجل. وطريق النار سهل، ولكنه محفوف بالشهوات ، وآخره الشقاء الأبدي السرمدي الذي لا يزول: (لمَّا خلق الله النار -في نفس الحديث السابق- قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب إليها، فإذا هي سوداء مظلمة، يحطم بعضها بعضاً، ترمي بشرر كالقصر، كأنه جِمَالت صُفْر، فرجع إلى ربه وقال: وعزتك وجلالك ما يسمع بها أحد فيدخلها، ثم حفَّها الله بالشهوات -وبكل ما تشتهيه النفس، وبكل ما ترتاح له النفس، وبكل ما تهواه النفس- ثم قال: ارجع فانظر إليها، فرجع فنظر إليها، فإذا هي قد حفت بكل ما تشتهيه النفس، فرجع إلى ربه وقال: لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها). إن التعامل مع الله عظيم، وإن المتعامل مع الله لا يخيبه الله رجلاً كان أو امرأة.فيا أيتها المؤمنة: انوِ الخير، واعملي الخير، فوالله! لن تزالي بخير ما نويت الخير، وما عملت الخير. اسمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات، ومن همَّ بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له سيئة واحدة). فضلاً من الله ومِنَّة.فيا ويل ويا ويل ويا ثبور من غلبت آحاده عشراته! حسنة واحدة أو سيئة واحدة تغلب عشرات الحسنات، يا ويل من كان حاله على ذلك. فانتبهن وتقربن إلى الله عز وجل بما يرضى الله. تقربن إليه بالفرائض؛ فإن أحب ما يتقرب به إلى الله الفرائض، ثم تقربن بالنوافل؛ فإنه لا تزال المرأة تتقرب، والرجل يتقرب بالنوافل حتى يحبه الله كما قال في الحديث القدسي: (فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).فالهِمَّة الهمة؛ فإنها طريق إلى القمة، أسرعي ولا تنظري إلى الخلف، لا تنظري إلى أي عائق، واعلمي أن شبراً بذراع، وأن ذراعاً بباع، وأن مشياً بهرولة، فضلا من الله ومِنَّة. اصبري، وجِدِّي، ولا تسأمي، ولا تملي بالنصح، بالدعوة، بالقيام بما أوجب الله عليكِ، فلا تنظري إلى لوم لائم، ولا إلى عتاب عاتب، ولا إلى هوى نفس أو شيطان. وإذا اجتمعت عليكِ هذه كلها، فانظري إلى منازل زاكية في جنان ورضوان، أدنى أهل الجنة فيها من يأتي بعد ما دخل أهل الجنة، فيقول الله له: (ادخل الجنة، فيقول: يا رب! وقد أخذ الناس منازلهم وسكنوا مساكنهم – يخيَّل إليه أنها ملأى- فيقول الله: ألا ترضى أن يكون لك مثل مَلِك من ملوك الدنيا؟ قال: بلى رضيت يا رب، قال: فإن لك مثله ومثله ومثله ومثله، وفي الخامسة يقول: رضيت يا رب رضيت. فيقول: ولك عشرة أمثاله، وما اشتهت نفسك، ولذَّت عينك وأنت فيها) قولي خيراً، وادعي خيراً، وتكلمي خيراً أو اصمتي؛ فكم كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان: (وإن المرء ليقول الكلمة من سخط الله يكتب الله عز وجل له بها سخطه إلى أن يلقاه). أخيراً: توبي إلى الله، واستغفري الله؛ فإن الشيطان قد قطع على نفسه عهداً، فقال: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، والله يقطع العهد على نفسه -ورغمت أنف إبليس- وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.فاللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، وأقرَّ أعيننا بصلاح المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى أن تجعلنا من الصالحين، وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن تجعلنا ممن باع نفسه لله، فجعل همَّه الله والدار الآخرة. أسأل الله أن يرينا من بنات المسلمين، وأمهات المسلمين، وأخوات المسلمين ما تقَرُّ به الأعين، صالحات، قانتات، تائبات، عابدات. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، من كان سبباً في هذا الاجتماع، ومن ساهم فيه بأي مساهمة صَغُرَت أو كَبُرَت أن تجعل له ذلك في ميزان الحسنات عظيماً عظيماً؛ فأنت أهل التقوى، وأهل المغفرة.وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
نموذج من ثبات داعية معاصرة
المرأة المسلمة على ثغرة عظيمة، فاللهَ اللهَ أن تؤتى البيوت من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى أبناء المسلمين من قبلك. هاهي مَثَل لك؛ لأن الخير يستمر في الأمة إلى قيام الساعة والأمثلة كثيرة في هذا العصر والذي قبله. هاهي بنان الطنطاوي ؛ ابنة الشيخ الوقور علي الطنطاوي غفر الله لنا وله، وتجاوز عنا وعنه؛ زوجة عصام العطار علمت مسئولية الزوجة في البيت، وآمنت بربها، ودعت بما تستطيع، وهيأت لذلك الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل.انطلق يرد الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الغواية إلى الهدى والهداية، فأغاظ ذلك المنافقين، والذين يَشْرَقُونَ بالنور، والذين ما يعيشون إلا في الظلام، فما كان منهم إلا أن سجنوه في سجن من السجون، فأرسلت إليه رسالة، فما فحوى هذه الرسالة يا أيتها الداعية، يا أيتها المعلِّمة، يا أيتها المتعلِّمة؟ اسمعي إلى هذه الرسالة ماذا تقول لزوجها وهو في سجنه. تقول له: لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا -والله- لا نطلب منك شيئاً يخصُّنا، وإنما نطلبك بالموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم. انظري إلى هذه الكلمات، كيف وقفت معه وهو بعيد عنها، وقفت معه لأنها تعلم أنها على ثغرة وأنَّ ثغرةً ذهبت فسدَّت تلك الثغرة.ثم يشاء الله أن يخرج من ذلك السجن ليُشرَّد في ديار الغرب، وما أُخرج وما نُقِم منه إلا أن قال: ربي الله، واعتز بدينه ومبادئه، شُرِّد في بلاد الغرب، ويبتليه الله عز وجل هناك أيضاً ليرفع درجته بإذن الله عز وجل، ويوم ابتلاه الله عز وجل هناك بكونه يعيش بين الكفار، وكونه مشرداً عن أهله وغيرهم، يُبتلى بالشلل، يُشلُّ في ديار الغرب، لا أهل، ولا صاحب، ولا صديق، لكن له الله الذي أُخْرِج من أجله، وله الله الذي سُجِنَ من أجله، وله الله الذي دعا من أجله، فماذا فعلت هذه الزوجة؟بعيدة عنه، بعيدة بجسمها لكن قلبها معه، وروحها معه، هدفها وهدفه واحد؛ وهو نشر دين الله، ولقاء الله، والتعامل مع الله عز وجل، كتبت إليه رسالة هناك، وقالت: لا تحزن يا عصام ! ولا تأس، يرفع الله من يبتليه، إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا، الله معك ولن يَتِرَك، ولن يضيع لك ما أنت فيه، ثم تنطلق بعد ذلك لتلحق به في ديار الغرب إلى هناك لا لتجلس بجانبه تندب حظَّها، ولا لتجلس بجانبه وتقول: جَنَت الدعوة عليه، وإنما لتجلس بجانبه هناك لتأخذ أفكاره، وتأخذ علمه، فيكتب هو بيدها، ويسير بقدمها، فتنشئ مركزاً إسلامياً في ديار الكفر، فلا إله إلا الله! كم من تائبة تابت على يديها هناك، وكم من ضالة كافرةٍ لا تعرف شيئاً إلا الحياة البهيمية ردها الله على يد بنان الطنطاوي ، وهي هناك مع زوجها تستشيره ليعطيها المعلومات فتنطلق، ويأبى أولئك الذين يَشْرَقُون بهذا الدين أن يروا للخير قولة أو جولة، ويأتي ثلاثة رجال يبحثون عن ذلك المشلول في تلك البلاد، وما أن دلُّوا على شقته، حتى جاءوا فاقتحموها، وتقدموا إلى هذه الداعية المسكينة -امرأة في بيت غربة، وبعيدة، لكن معها الله الذي قدمت نفسها له- فإذا بها يُطلق عليها خمس رصاصات؛ في العنق، وفي الكتف، وفي الإبط، لتسقط مضرجة بدمائها. أسأل الله أن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى. وأسأل الله أن يكتب لها ولمن بعدها من أهلها النعيم المقيم السرمدي الأبدي الذي لا يزول، وأسأل الله أن يوقظ في بنات المسلمين ومعلمات ومتعلمات المسلمين نماذج مثل تلك النماذج، وأَعْظَمَ من تلك النماذج. إن الأمة تنتظر منك الكثير والكثير