مقتطفات من كتاب
مناظرة بين الإسلام والنصرانية

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:

فقد اطلعت على كتاب بعنوان: “مناظرة بين الإسلام والنصرانية” (مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين الإسلامية والنصرانية)، طبْع ونشْر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الإدارة العامة للطبع والترجمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، وقْف لله تعالى، 1407 هـ.

وحيث إنني رأيتُ أهمية الكتاب وفائدته؛ فقد قُمتُ مستعينًا بالله باختصاره والتركيز على أهمِّ ما ورَد فيه؛ علَّ الله – تعالى – أن ينفع به مَن قرأه.

جاء في مقدمة الناشر (ص: 3، 4):

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبِه، وبعد:

فالصِّراع بين الحق والباطل، والكفْر والإيمان – سيظل قائمًا ما بَقِيَت السموات والأرض، لا تهدأ مَعاركه، ولا تَخبو جذْوَته، ولا تنتهي حوادثه، لكن مهما بلغت قوةُ الباطل وصَولته، ومهما كانت دولته وكثرته، فإن العاقبة ستكون – بإذن الله – دائمًا لأولياء الله المتَّقين، ودعاته المُخلِصين فحسب، دعاة الحق الذين يستمدُّون قوتهم مِن قوة الله، ويأخذون أدلَّتهم مِن كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم.

أما دعاة الباطل، فليس لهم إلا الحُجَج الواهية التي تركِّز على ضروب مِن الجهل والأوهام السَّخيفة، والكِتاب الذي نمهِّد له خير شاهد على ذلك.

فلقد قام نخبة مِن علماء المسلمين بدعوةٍ مِن بعض قساوسة النصارى والمبشِّرين في الفترة من: 23/1/1401هـ إلى: 29/1/1401هـ، بالخرطوم، وقد مثَّل الجانب الإسلاميَّ كلٌّ من: الشيخ الدكتور محمد جميل غازي، والأستاذ إبراهيم خليل أحمد، واللواء المهندس أحمد عبدالوهاب، ومِن الجانب النصراني برئاسة المبشر جيمس نحيت سليمان، والأستاذ تيخا رمضان.

وقد قام هؤلاء باستِعراضٍ تفصيليٍّ لحقيقة العقيدة النصرانية المسطَّرة في كُتبِهم، ومناقشتها على ضوء ما يُقرُّون به من معتقدات التثليث والصلب والفداء والأبوَّة والبنوَّة، وعن الكتب المقدَّسة بعهدَيها – القديم والجديد – وأماطوا اللثام عن هذا التعارُض والتناقُض الذي تَحمِله هذه الأناجيل.

ولا شكَّ أن جدالاً كهذا جديرٌ بالاهتمام والاطِّلاع عليه؛ لِما فيه مِن حقائق عن النصرانية يجهلها كثيرٌ من الناس.

ولو لم يكن فيه من الفائدة إلا إعلانُ هؤلاء القساوسة دخولَهم في الإسلام، والتبرُّؤ مِن أفكار النصرانية المضلِّلة بعد نقاش طويل واقتناع تامٍّ، لكفى نصرًا للإسلام والمسلمين.

وجاء في التمهيد (ص: 6، 7):

بعض الآيات مِن القرآن الكريم:

الآية الأولى: قول الله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

والآية الأخيرة: قول الله – تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

إن الإسلام دين مفتوحُ النوافذ على النور والخير، وإن حقائقه واضِحة ومعقولة، وصريحة وهادية، وإنسانية وعالميَّة وخالدة؛ ولهذا فإن الإسلام والدعاة المسلمين ليُرحِّبون بكل حوار هادئ هادف يُدعى إليه أو يقوم بينهم وبين مَن عاداهم مِن أهل سائر المِلَل والنِّحَل.

إن دعاة المسلمين يَعتبرونها فرصةً سانحة لعرض دعوتهم على القلوب والعقول والضمائر، وهم يَعتقِدون اعتقادًا هادفًا أن دعوتهم حينما تُصادِف آذانًا واعيةً، وقلوبًا مُخلِصةً، وعقولاً فاهِمة، فإنها ستجد القَبول والإيمان والإذعان.

وهذا ما حدَث ويَحدُث في هذا الزمان وفي كل زمان؛ بعقد لقاءات فكريَّة هنا وهناك، في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر، تبدأ في جوٍّ من الغموض والشكوك والتوجُّس يحيط برؤوس الذين لا يعرفون الإسلامَ ولا يفقهونه، ثم تنتهي بإيمانٍ وتقدير وإعجاب بعد أن يزول الضبابُ، وتُمحى الجهالات، ويَظهر الحقُّ لكل ذي عينَين.

إننا ندعو بني الإنسان حيثما كانوا من أرضٍ أن يُقيموا جسورًا للتفاهُم بينهم وبين العقيدة الإسلامية الصحيحة.

وعلى كل صاحب ملَّة ونِحلة ألا يَخاف ولا يَجبُن؛ فإنه في نهاية (اللقاءات العلمية المخلصة) لن يصحَّ إلا الصحيح.

كثيرة هي اللقاءات بين الإسلام والنصرانية، فكم مِن لقاءات تمَّت في الماضي، وكم من اللقاءات يُنتظر أن تتمَّ في المستقبل، ومِن لقاءات الماضي نَذكُر بعضًا منها مُكتَفين بما حدث في الماضي القريب:

أ- في شهر رجب سنة 1270هـ – أي: من منذ حوالي 130 – عامًا عُقدت مُناظَرة في مدينة كلكتا بالهند بين نفر من علماء المسلمين ومبشِّري النصرانية الذين درَجوا على الطعن في الإسلام، واستدراج الجهَلة مِن عوامِّ الناس، وتحدَّدت لها موضوعات خمسة؛ هي: التحريف، والنَّسْخ، والتثليث، وحقيقة القرآن، ونبوة محمد – صلى الله عليه وسلم.

وقد استطاع علماء المسلمين – بتوفيق من الله – إظهار الحق بمجرَّد مناقشة الموضوعَين الأولين، وهما: التحريف، والنسخ، وآنذاك لم يَملِك مُناظِروهم من علماء النصارى سوى الانسحاب؛ اعترافًا بإخفاقهم.

وقد شاع خبر هذه المُناظرة في العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يئنُّ آنذاك تحت سطوة حكم الدول النصرانية، وطلب الكثير مِن المسلمين الاطلاع على ما دار في تلك المناظرة، مما دعا شيخ علماء المسلمين فيها، وهو: رحمة الله بن خليل الرَّحمن الهِندي إلى إصدار كتابه النفيس: (إظهار الحق) الذي لا يزال مرجعًا فريدًا في مجال المناظَرة بين المسلمين والنصارى.

وفي الفقرة جـ في يونيه سنة 1976م عُقد في جنيف بسويسرا مؤتمر بين المسلمين والنصارى دعا إليه مجلس الكنائس العالمي حول موضوع (نظرة الأديان السماوية إلى الإنسان وإلى تطلُّعه نحو السلام)، وفي ذلك المؤتمر أبدى مجلس الكنائس العالمي أسَفَه الشديد؛ لأن الواقع أثبَت أن إرساليات التبشير النصرانية في ديار المسلمين قد تسبَّبت في إفساد الروابط بن المسلمين والنَّصارى، كما اعترَفت بأن تلك الإرساليات كان طابع نشاطاتها في خدمة الدول الأوروبية المُستعمَرة، وأنها كانت تَستخدم التعليم وسيلةً لإفساد عقائد المسلمين، وقد تعهَّد الجانب النصراني في هذا المؤتمر بإيقاف جميع الخدمات التعليمية والصحيَّة التي تُستخدَم لتنصير المسلمين.

وفي (ص: 287) إلى آخِر (ص: 292):

الإسلام دين الأنبياء جميعًا:

إن الإسلام هو دين الله الذي لا دِين له سواه، ولقد تكفَّل – سبحانه وتعالى – بنصره وتمكينه وإظهاره على الدِّين كله.

لكن: أي دين هو ذلك الإسلام؟ وهل هناك ديانات أخرى تُزاحِمه في علاقتها؟

أقول في الإجابة:

إن الله – سبحانه وتعالى – لم يُنزل دياناتٍ مختلفةً، وإنما أنزل على عباده المرسلين دينًا واحدًا وهو الإسلام؛ قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ولقد جاء بهذا الدِّين الواحد جميع رسل الله وأنبيائه – عليهم الصلاة والسلام.

فجاء به نوح – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 71، 72].

وجاء به إبراهيم – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 127 – 132].

وجاء به يعقوب – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133].

وجاء به لوط – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذاريات: 31 – 36].

وجاء به يوسف – عليه الصلاة والسلام -:

قال يوسف – كما ذكر الله تعالى – عنه: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].

وجاء به موسى – عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84].

وهو دين قوم موسى من بني إسرائيل -:

قال – تعالى -: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90].

وهو دين السحرة الذين آمَنوا بموسى – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 120 – 126].

وهو دين أنبياء بني إسرائيل:

قال – تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44].

وهو دين سليمان – عليه الصلاة والسلام -:

قال – تعالى -: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30، 31]، وقال – تعالى -: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 38].

وقال – تعالى -: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 42]، ثم قالت ملكة اليمن – كما ذكر الله تعالى -: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44].

وهو دين المسيح – عليه الصلاة والسلام – وحواريِّيه:

قال – تعالى -: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52]، وقال – تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111].

وهو دين المُهتَدين من الجن:

قال – تعالى -: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن: 14، 15].

وهو دين المتمسِّكين بالحق مِن أهل الكتاب قبل بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [القصص: 52، 53].

ثم هو دين النبي الخاتم محمد – صلى الله عليه وسلم -:

قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 19، 20]، وقال – تعالى -: ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 66]، وقال – تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].

بل إن القرآن الكريم لَيُقرِّر في وضوح كامل أن الإسلام دين أهل السموات؛ قال – تعالى -: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83].

وإلى هذا الدين وحده وجَّه النبي الخاتم – صلى الله عليه وسلم – رسله ورسائله إلى الملوك وعظماء المِلل، وأشهدهم على إسلامه وإسلام مَن معه؛ قال – تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

وفي (ص: 293):

النبي الخاتم:

ولقد أراد الله – سبحانه – لدينه أن يَكْمُلَ ولنعمتِه أن تتمَّ؛ فأرسل النبي الخاتم محمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – وجعل شريعته عامة وصالحة لكل زمان ومكان، والحديث عن النبي الخاتم وعن عموم رسالته يحتاج مِنَّا إلى وقفة قد تطول وقد تَقصُر.

وفي (ص: 303):

عموم الرسالة المحمَّدية:

أخرج مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((فضِّلت على الأنبياء بستٍّ؛ أعطيتُ جوامع الكلم، ونُصرتُ بالرُّعب، وأُحلَّت لي الغنائم، وجُعلتْ لي الأرض مسجدًا وطَهورًا، وأُرسلت إلى الناس كافَّةً، وخُتم بي النبيُّون)).

وفي (ص: 332 – 333):

الجهاد في الإسلام:

لقد أمر الله المسلمين بأن يُجادِلوا الناس جميعًا بالتي هي أحسن، سواء أكانوا من أهل الكتاب – كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46] – أم كانوا من غيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 125 – 128]، وهذه الآيات وأمثالها لا تُناقض ما جاء في قوله – تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ [النساء: 77].

فالجمع بين (الجدال) و(الجهاد) هو أسلوب الإسلام ومنهجه، ولكلٍّ منهما موضعه؛ إذ إن كلاًّ منهما ينفع حيث لا ينفع الآخَر، وإن استعمالهما جميعًا أبلغ في إظهار الهُدى ودِين الحق؛ فمَن كان من أهل الذمة والعهد والمستأمَن منهم لا يُجاهَد بالقتال؛ فهو داخل ضِمْن أمر الله بدعوته ومُجادَلتِه بالتي هي أحسن، وليس داخلاً ضِمن مَن أمَر الله بقتاله.

وفي (ص: 364 – 365):

تعدُّد الزوجات – حِكمَة التعدُّد:

وفي (ص: 366):

أوروبا والتعدُّد:

لقد عرف علماء أوروبا واعترفوا بحِكَم التعدُّد ومحاسِنه، ونحن نذكر شيئًا من ذلك، لا لكي يَزيدنا إيمانًا، فنحن نؤمن بكلام ربِّنا وبسنَّة نبينا – صلى الله عليه وسلم، وإنما نَذكُر ذلك للآخَرين الذين يسرُّهم أن يكون الكلام والفِكْر غرْبيًّا أوروبيًّا!!

لقد اكتشف مُفكِّرو الغرب أن هناك علاقة بين منْع تعدُّد الزوجات وارتفاع نسبة اللُّقَطاء والموؤودِين.

ففي المؤتمر الذي عقدته الحكومة الفرنسية سنة 1901م للبحث عن خير الطًُّرُق لِمُقاوَمة انتشار البِغاء؛ جاء قولهم:

إن عدد الأولاد اللُّقَطاء المجموعين في ملاجئ مُقاطَعة (السين) وحدها، وصارت تربيتُهم فيها على نفقة المُقاطَعة، بلغ (50000) لقيط، وإن بعض القوَّام على هذه الملاجئ يَفحَشُون بالبنات اللاتي تحت ولايتهم، وإن نفس اللُّقَطاء يَفحشون بعضهم ببعض، ولا زاجِر يَزجُرهم.

وكتبتْ كاتبة إنجليزية في هذا الشأن، فقالت:

لقد كَثُرت الشاردات مِن بناتنا، وعمَّ البلاء، وقلَّ الباحثون عن أسباب ذلك، وإنني كامرأة أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطَّع شفقةً عليهنَّ وحزنًا، وماذا يُفيدهنَّ بثِّي وحزني وتوجُّعي، وإن شارَكَني فيه الناس جميعًا.

هذا هو الداء..

عرضه الفرنسيون..

وتحدَّثت عنه الإنجليزيات..

فأين الدواء؟!

تقول الكاتبة الإنجليزية:

ولله درُّ العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصَف الدواء، وهو الإباحة للرجل بأن يتزوَّج بأكثر مِن واحدة، وبهذا الأسلوب يَزول البلاء، وتُصبِح بناتنا ربات بيوت؛ فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتِفاء بواحدة، وهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارِد، وقذَف بهنَّ إلى الْتِماس أعمال الرجال، ولا بدَّ مِن تفاقُم الشرِّ إذا لم يُبَحْ للرجل التزوجُ بأكثر من واحدة، ولو كان تعدُّد الزوجات مُباحًا لما نزَل بنا البلاء.

والذي ذكَره المُؤتِمرون الفرنسيون، وذكرته هذه الكاتبة الإنجليزية، سبق إليه القرآن الكريم حينما شرَع التعدُّد ووسَّع فيه، ثم طالب الرجال بالزَّواج منعًا للانحراف والانحلال؛ فقال – تعالى -: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ [النساء: 24]، وقال – تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [النساء: 25].

فالسِّفاح والمُخادَنة هما رأس الوباء والبلاء الذي حلَّ بالأمم الغربية، ولم تجدْ له علاجًا في دِينها وتشريعها، فراحتْ تَلتمِس علاجه في دينِنا وتَشريعِنا.

وفي (ص: 368 – 369):

في الشرْق المُسلِم:

هذا حال الغرب شرَحْناه..

أما حال الشرق فهذه واحدة من دوله .. تركيا ..

ماذا جرى لها؟ وماذا حدَث فيها؟

لقد هجرت الإسلام هجرًا غيرَ جميل، وولَّت وجْهَها إلى أوروبا تَلتمِس منهم التشريع، وتَقتبِس منهم التقدُّم والحضارة؛ فاتخذت لنفسها قانونًا مدنيًّا يَمنع تعدُّد الزوجات، وكان ذلك سنة 1926م.

ثم مضتْ ثمان سنوات وتكاثَرت الولادات السرِّية، والزَّوجات العرفيَّات، والموؤودات من الأطفال.

وانظر ما جاء في العدد (556) من مجلة “آخِر ساعة” المصرية الصادرة في 3 من يونيو سنة 1945م، للكاتب المصري المعروف محمد التابعي، وكان مقيمًا آنذاك في تركيا.

إننا في حاجة إلى تعدُّد الزوجات، ولسْنا في حاجة إلى منْع التعدُّد، أو مُهاجمته، لقد واجه القرآنُ الكريم قضية التعدُّد مواجَهةً مَنطقيَّةً إنسانيةً إصلاحيةً، صريحةً وواضحةً.

فكيف واجَهت الكنسية القضية نفسها؟!

لقد كان التعدُّد مباحًا في أوروبا المسيحية في عهد شارلمان الذي كان متزوجًا بأكثر من امرأة واحدة، ثم أشار القَساوسة على المتزوجين بأكثر مِن واحدة أن يَختاروا لهم واحدةً من بينهنَّ يُطلِق عليها “زوجة”، ويُطلِق على غيرها اسم “خدينة”، وهكذا قالت الكنسية كلمتها بطريقتِها.

وفي (ص: 370) إلى آخر (ص: 384):

عنوان: تعدد زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم:

وما فيها مِن فوائد وردٍّ على المُغرِضين.

وفي (ص: 385):

عنوان: نظرات في الكتاب المقدس:

وبعد هذه النظرات المدقِّقة والمحقِّقة في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسيرته، وكيف، ولماذا عدَّد زوجاته؟

نعود نُقلِّب صفحات الكتاب المقدَّس لنرى ما جاء فيه عن الأنبياء وزوجات الأنبياء، ونكتفي بأن نَعرِض للأنبياء الثلاثة.

أ – جدعون.

ب – داود.

جـ – سليمان.

وفي (ص: 386):

والسؤال هو: كم تزوَّج جدعون هذا؟

والجواب كما في أسفار العهد القديم:

أ – جدعون: (وكان لجَدعون سبعون ولدًا خارِجون مِن صُلبِه؛ لأنه كانت له نساء كثيرات، وسرِّيَّته التي في شكيم ولدتْ له هي أيضًا ابنًا فسماه أبيمالك)، انظر: سفر القضاة (8/30، 31).

ب – داود: وداود – عليه السلام – برَّأه الله مما يَفترون عليه، تقول عنه الأسفار: إنه تزوَّج نساءً كثيراتٍ؛ فتزوَّج أولاً ميكال بنت شاول.

وفي (ص: 387):

(وتزوَّج داود بستِّ نساء أُخرَيات)، جاء ذلك في سفر صموئيل الثاني (3/2 وما بعده).

وفي (ص: 391، 392):

أ – سليمان: يَكفي أن نَذكُر عن سليمان ما جاء في الكتاب المقدَّس بالحرْف الواحد؛ فلقد جاء فيه: (وأحب الملك سليمان نساءً غريبةً كثيرةً… إلخ)، انظر: سفر الملوك الأول (11/1-3).

وخُلاصة القول: إنه ليس في موضع واحد مِن أسفار العهد القديم حرمة التزوُّج بأكثر من واحدة.

وفي (ص: 394):

النَّسْخ:

ويسألونك عن القرآن: كيف نسخ الكتب التي سبقته؟

ولماذا لم يقُمِ المسلمون بنفس الدور الذي فعَله النصارى مع أسفار العهد القديم؛ لقد اعتَرفوا بها وأقروها؛ بل وطبعوها مع أناجيلهم في كتاب واحد، أطلَقوا عليه الكتاب المقدَّس.

ونقول لهؤلاء السائلين: إنَّ ما تدَّعونه وتَزعُمونه أمورًا شكليَّة ظاهرية يُخالفها الواقع وحقيقة الأمر؛ فإذا كنتم تَطبعون العهدَين معًا فإنكم لا تأخُذون بما في العهدَين معًا، وإليكم الأمثلة:

الطلاق:

يجوز في العهد القديم أن يُطلِّق الرجل امرأته لأي عِلَّة، وأن يتزوَّج رجل آخَر بتلك المطلَّقة بعدما خرجتْ مِن بيت الأول… إلخ؛ انظر (سفر التثنية: 24/1-2).

بينما لا يجوز في العهد الجديد الطلاق إلا بعلَّة الزِّنا… إلخ، انظر: (إنجيل متى 5/31-32).

المحرمات:

وفي (ص: 395):

كانت حيوانات كثيرة محرَّمة في شريعة العهد القديم ونُسختْ في شريعة العهد الجديد، وتقرَّرت الإباحة بفتاوى بولس؛ نلاحظ ذلك إذا قرأنا هذين النصَّين… إلخ، انظر: (رسالة بولس إلى أهل رومية/14-14)، وأيضًا قوله: (كل شيء طاهِر للطاهِرين… إلخ)، انظر: (رسالة بولس إلى تيطس 1/15).

السبت:

وفي (ص: 396):

كان تعظيم السبت حُكمًا أبديًّا في شريعة العهد القديم، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل، وكان مَن عمل فيه عملاً ولم يحافظ على حرمته يُقتَل، وقد تكرَّر بيان ذلك الحُكم في مواضع كثيرة مِن أسفار العهد القديم… إلخ، انظر: (سفر الخروج20/11).

وفي (ص: 459):

خاتمة:

قوله: وقبل أن أَفرُغ مِن هذا اللقاء أُحبُّ أن أوجه حديثًا إلى جماهير المسلمين، حول تسلُّل أخلاق وعادات وسنن مَن قبلنا إلينا… بعد كلام قال:

ما جاء في القرآن الكريم:

أ – الحسد: قال – تعالى -: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].

ب – البخل: قال – تعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 36، 37].

وفي (ص: 460 – 461):

جـ – معرفة الحق بالرجال: قال – تعالى -: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ﴾ [البقرة: 91].

د – الغلوُّ: قال – تعالى -: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 171].

وفي (ص: 462-463):

أ – الرهبانية: قال – تعالى -: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [الحديد: 27].

ب – جعل حقِّ التشريع لغير الله: قال الله – تعالى -: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة: 30، 31].

جـ – حكْم الأغلبية: قال – تعالى -: ﴿ قَالَ الَّذِيْنَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21].

د – احتقار ما عند الخصْم: قال – تعالى -: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ [البقرة: 113].

هـ – الاختلاف بسبب البغي: قال – تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 16 – 19].

وفي (ص: 464، 465):

أ- التفرُّق: قال – تعالى -: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].

ب – البُعد عن سبيل المؤمنين: قال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

جـ – اتِّباع الهوى: قال – تعالى -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 48، 49].

د – قسوة القلب: قال – تعالى -: ﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

وفي (ص: 466، 467):

ما جاء في الحَديث الشريف:

1- التقليد الأعمى: فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث، وإنما وجدته في بعض كتب التفسير بغير إسناد معزوًّا إلى أبي هريرة، وعند أحمد: ((لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع وباعًا فباعًا، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه..)).

2- التنافس على الدنيا: وأورد حديثًا، وفيه: ((فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَط الدنيا عليكم كما بُسطت على مَن كان قبلكم، فتَنافسوها كما تَنافسوها، فتُهلِكَكم كما أهلكتهم)).

3- الفتنة بالنساء: روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إنَّ الدنيا حُلوة خَضِرة، وإن الله مُستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).

وفي (ص: 468، 469):

1- كثرة السؤال: في الصحيحين عن أبي الزِّناد، عن الأعرج عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ذروني ما تركتكم؛ فإنما أُهلِك من كان قلبكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نَهَيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).

2- التشدُّد: وفيه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((لا تُشدِّدوا على أنفسكم فيُشدَّد عليكم، فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديَّارات))؛ ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ [الحديد: 27].

3- الاختلاف في الكتاب: وفيه: أن نفرًا كانوا جلوسًا بباب النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال بعضهم: ألم يقل الله: كذا وكذا؟ وقال بعضهم ألم يقل الله: كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج فكأنما فُقئ في وجهه حبُّ الرمان، فقال: ((أبهذا أمرتم؟ أو بهذا بُعثتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلَّت الأمم قبلكم بمثل هذا، إنكم لستم هَهُنا في شيء، انظروا الذي أمرتكم به فافعلوه، والذي نهَيتكم عنه فانتهوا عنه)).

4- التبرُّك بالأشجار والأحجار: روى الزهري عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن أبي واقد الليثي، أنه قال: خرجْنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى حُنين ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سِدرَة يَعكُفون عندها ويَربِطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمرَرْنا بسِدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الله أكبر، إنها السنن، قلتم – والذي نفسي بيده – كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، لتركبنَّ سنن مَن كان قلبكم)).

5- التفرقة العنصرية: في الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: لَمَّا كلَّم أسامة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شأن المَخزومية التي سَرقتْ، قال: ((يا أسامة، تَشفع في حدٍّ مِن حدود الله تعالى؟! إنما أهلك بني إسرائيل أنهم كانوا إذا سرَق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها)).

وفي (ص: 470، 471 – 474):

1- اتِّخاذ القبور مساجد: روى مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبدالله البجلي قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله من أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتَّخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنتُ متَّخذًا من أمتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)).

2- أعياد مُبتدَعة: قال الله – تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72].

3- الأبواق والنواقيس للعبادة: في حديث وفيه: “اهتم النبي – صلى الله عليه وسلم – للصلاة؛ كيف يجمع الناس لها؛ فقيل له: انصب رايةً عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذَن بعضهم بعضًا، فلم يُعجِبه ذلك، قال: فذكَروا له القُنْع – شبور اليهود – فلم يُعجِبه ذلك، وقال: ((هو مِن أمر اليهود))، قال: فذكروا له الناقوس، فقال: ((هو من فعل النصارى))، فانصرف عبدالله بن زيد وهو مُهْتَمٌّ لِهَمِّ النبي – صلى الله عليه وسلم – فرأى الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبَين نائم ويقظان إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قد رآه قبل ذلك…” إلى: “فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا بلال، قمْ فانظرْ ما يَأمُرك به عبدالله بن زيد فافعله))، فأذَّن بلال.

بناء الشخصية المسلمة:

وإذا كنا قد نُهينا عن التشبُّه بهم في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم وسلوكهم العام والخاص، فلقد نُهينا كذلك عن التشبُّه بهم حتى في الأمور الشكلية الظاهرية، حتي تحتفظ الجماعة الإسلامية بشخصيتها المتميِّزة التي لا تتميَّع ولا تذوب في الشخصيات الأخرى، وهذا أمر هام في بناء الكيان المستقلِّ، والذات المتماسكة، والمجتمع القوي.

وننقل هنا بعض ما رُوي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الصدد:

1- تغيير الشيب:

في الصحيحَين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن اليهود والنصارى لا يَصبُغون فخالفوهم)).

2- إعفاء اللِّحى، وإحفاء الشوارب:

في الصحيحَين عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خالِفوا المشركين؛ جزُّوا الشوارب، وأعفوا اللِّحى)).

3- الصلاة في النِّعال:

وعن شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خالِفوا اليهود؛ فإنهم لا يُصلُّون في نعالهم ولا خِفافهم)).

4- السحور:

عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((فصْل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السُّحور)).

5- تعجيل الفطر:

روى أبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الدين ظاهرًا، ما عجَّل الناس الفِطْر؛ لأن اليهود والنَّصارى يؤخِّرون)).

6- معاملة الحائض:

عن حماد عن ثابت أن أنس – رضي الله عنه -: “إن اليهود كانوا إذا حاضَت المرأة فيهم لم يؤاكِلوها، ولم يُجامِعوها في البيت، فسأل أصحابُ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله – عز وجل -: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كل شيء إلا النِّكاح))، فبلغ ذلك اليهودَ، فقالوا: ما يُريد هذا الرجل أن يدع مِن أَمرِنا شيئًا إلا خالَفَنا فيه”؛ رواه مسلم.

وفي الختام:

يقول في (ص: 475):

وقبل أن أُنهي القول في هذا اللقاء أحبُّ أن أسجِّل الكلمات التالية:

إن جهود التنصير القائمة على قدمٍ وساقٍ في بلاد المسلمين جهود تستدعي الدراسة وتستدعي الانتباه؛ ذلك أن هذه الجهود المكثَّفة المُتواصِلة، تُلقي في طريق ضعفاء الإيمان الشبهات والشُّكوك، وتصدُّهم عن دين الله، وعن هداه.

إن هذه الجهود قامت وتقوم بتحريف الكَلِم عن مواضعه، وتحريفُ الكلم عن مواضعه صناعة قديمة لأهل الكتاب جميعًا، قاموا بها بالنسبة لكُتبِهم حتى غيَّروها بدَّلوها لفظًا ومعنًى ونصًّا وحروفًا.

وأهل الكتاب مِن يهود ونصارى يُحاولون أن يقوموا بهذا الدور بالنسبة لكتاب ربِّنا، وإذا كانوا قد يئسوا من تغيير النص المحفوظ في الصدور والسطور؛ فإنهم يَطمعون في أن يَنجحوا في إثارة الشبهات والشكوك في معاني الألفاظ ودلائل العبادات وأصول الدِّين وفروعه.

ويقول في (ص: 476 – ص478):

وإذا كانت حركة التنصير تستهدف ضرب الإسلام في أرضه وبين أبنائه؛ بحيث تُصبِح الذراري المسلمة نصرانية الوجْه واللسان والكيان، وتستغلُّ لهذا الغرض المشبوه بيئةً مُعيَّنةً تسهِّل عليها هذه الحركة، وتلك البيئة تكون مُصابةً بالأمية أو الفقر أو المرض، فتُقدِّم لهم العلم والخبز والدواء المشروط؛ فتسقط الضحايا وتكون المأساة.

هذا وجه مِن وجوه الحركة التنصيرية أو التبشيرية حسب تسمياتهم وما توافَقوا عليه، ولكن هناك أوجه أخرى ومُنطَلقات أخرى لذلك التحرُّك المَشبوه، ذلك أن هؤلاء الناس قد يُتعِبهم ويُتعبهم جدًّا أن يَجدوا مَن يُغيِّر اسمه من (محمد) إلى (بطرس)؛ ولهذا رأوا أن يَسْتَبْقُوا (لمحمد) اسمه فقط، لكن يقومون بتغيير عقله وقلبه وخُلقِه ودينه ويقينه؛ فيصبح نصرانيَّ الكيان، وإن لم يُصبِح نصراني الاسم.

ولقد استغلُّوا لهذه الغاية هذه المنطلقات:

أ- الأمية الدينيَّة:

تلك التي تحوِّل الإسلام إلى قبوريَّة وصوفيَّة وخرافية ودجل وشعوذة؛ ولهذا وجدْنا المحافل التبشيرية تقدِّم الصورة الإسلامية من خلال هذا الركام، وتَعرِضه على الناس في كتابات ومصوَّرات وأفلام لتقول للناس هذا هو الإسلام الذي نُحارِبه ونُريد أن نجهز عليه.

إننا نُذكِّر ونُحذِّر من هذه الأمية الدينية؛ فإنها أخطر الأميات جميعًا، وعلى كل الأجهزة التربوية مُباشرة وغير مباشرة في بلاد المسلمين أن تَنتبه لها بالمقاومة والتصحيح.

ب- التديُّن الأعمى:

كذلك فإن الدوائر التبشيرية وتؤيِّدها جحافل الاستعمار قديمةً وحديثةً تؤيِّدان أن يَغرق المسلمون حتى آذانهم في هذا التديُّن الأعمى الذي لم ينزل به كتاب ولم تقلْ به سنَّة؛ فإذا ما سقَط المسلمون في براثن هذا التديُّن سَهُل على أعدائهم أن يقتنصوهم، وأن يمحوا إنكارهم.

إنه لا يصدُّ التبشير بكل صوره وكافة مؤسَّساته إلا الإسلام الصحيح، تلك حقيقة لا بد أن نقف عليها ونحن نخوض أي معركة مع أيِّ عدو، وبخاصة تلك المعارك الفِكريَّة والعَقائدية.

جـ- النِّحَلُ الفاسِدة:

وذلك هو المُنطَلق الثالث الذي يبثُّ منه هؤلاء المبشِّرون أو المنفِّرون على دينِنا ودُنيانا، فإنهم يُثيرون عدَّة قضايا محفوظة ويُردِّدونها بلا وعْي كالببغاوات، ثم يجيب المتحدِّثون المسلمون عن هذه القضايا، أو النِّحل الفاسِدة، يجيبون إجابات مُقنِعة ومُحدَّدة، ولكن هؤلاء الناس لا يَكفُّون عن إثارتها من جديد، غير أنني لاحظتُ أمرًا في هذا اللقاء الذي نحن بصدده؛ هو أن الله – سبحانه وتعالى – الذي تكفَّل لكتابه بالحفظ ولدينه بالظهور على الدِّين كله سخَّر هؤلاء المبشِّرين لخِدمة الإسلام وهم لا يشعرون؛ فهم حين يُثيرون هذه القضايا ونُجيب عليها يُظهرون عوارَهم وضَلالهم جليًّا واضحًا؛ فإذا بالإسلام هو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه، وإذا بدياناتهم التي هم عليها هي الباطل الذي لا شك فيه.

لقد أدرتُ مُناقَشات مع كثيرين من هؤلاء؛ سواء أكانوا من الغرب أم من الشرق، وكنتُ في كلِّ مرة أخرج بنتيجة موفَّقة، وليس ذلك لِسِرٍّ فيَّ أو قُدرة، وإنما هو قدرة الإسلام وعظمته، وليس ذلك أيضًا لضَعفٍ في الخصوم، أو قِلَّة فَهمٍ أو علم، ولكنه ضَعف القضية التي يدعون إليها ويُدافعون عنها.

وبعد: فقد قُلنا ما نعلم، والله أعلم.

هذا ما رأيتُ نقلَه مِن هذه المقتطفات، ومَن أراد زيادة اطلاع ومعلومات فيُمكِنه الرجوع إلى الكِتاب المذكور، في مقدِّمة هذه الرسالة.

وفَّق الله الجميع لما فيه صالح الإسلام والمسلمين، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/50025/#ixzz619ny6Y6d

تحميل الكتاب من هذا الرابط
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-pdf