لمحة عن السُحب

السحاب عبارة عن سيول عملاقة تطير في جو السماء، وينزل ليُشكل الأنهار والمياه الجوفية والآبار.

وكان القدماء يظنون أن المياه الجوفية تتكون نتيجة فجوة في قلب الأرض تنقل مياه المحيط إليها – الطرح الأرسطي -، بينما يقول القرآن خلاصة ما توصل له العلم منذ عقود قليلة فقط، وهو أن المياه الجوفية مصدرها مياه الأمطار {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } ﴿٢١﴾ سورة الزمر.

فمصدر الميـاه الجوفيه هو الينابيع المتكونة من الأمطـار، وليس فجوة أرسطو التي في عمق القارة.

 

ويتكون السحاب نتيجة تبخر الماء وصعوده إلى مستوى يتجاوز أعلى قمم الجبال غالبًا، حتى لا تصير الجبال عائقًا لحركة السحب إلى أواسط القارات {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت } ﴿٥٧﴾ سورة الأعراف.

 

ومن العجيب أن برودة الجو في الطبقات العليا سبب رئيس في عدم مغادرة السحاب لجو الأرض إلى ما بين الكواكب فيضيع الماء وبالتالي تخرب الأرض و تتوقف الحياة {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون} ﴿١٨﴾ سورة المؤمنون.

فذهاب الماء المتصاعد أولى فيزيائيًا من تجمعه ثم نزوله مرةً أخرى، ولذا امتنّ الله علينا بحفظه.

 

وعندما يصعد بخار الماء الخفيف نتيجة عمليات البخر، تتحرك الرياح المحملة بذرات الغبار فتتجمع حول ذرات الغبار جزيئات بخار الماء، ثم تتضخم تلك الجزيئات فتصير سحابًا عملاقًا به مليارات الجالونات من المياه محمولة في جو السماء {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء } ﴿٤٨﴾ سورة الروم.

والآية صريحة في أن الرياح هي التي تُثير السحاب وإلا ما تجمع بخار الماء على شكل سحب، ولظل بخار الماء تائهًا في طبقات جو الأرض الفسيحة.

 

وهذه الرياح لها منظومة من ثلاث درجات بحيث تضبط حركة السحب وتنقلها وترفعها وتثيرها دون تداخل بين هذه الدرجات، فهناك درجة الرياح العادية وهي الملاصقة للأرض حتى ارتفاع 5 أميال ثم تأتي درجة التيار النفاث وهي رياح بسرعة 200 ميل في الساعة ولو نزلت إلى الارض لدمرت كل شيء، وليست الأعاصير المدمرة بسرعة 75 ميل إلا عبرة، وتأتي الدرجة الثالثة وهي عند مستوى 8 أميال فوق مستوى سطح البحر وهي منطقة بلا ريح.

 

المهم بعد أن تتشكل السُحب بإثارة الريح لها، ينزل الماء من السحب بمنظومة أعجب-منظومة القطرات لا السكب المفاجيء-، وتسلك تلك القطرات في الأرض دون أن تتعفن ولا تركد على ظهر الأرض فتعيق الحركة، ولا تغوص في باطن الأرض فلا ننتفع بها، بل تظل قريبًة من سطح الأرض في متناولنا، ويظل ماؤها نابعًا ومعينًا؛ و لو افترضنا أن مسامية الصخور التي ينزل ماء المطر بين عروقها زادت فقط للضعف لغار الماء في بطن الارض وما استطعنا إليه سبيلاً ولانهارت منظومة المياه الجوفية التي يعيش عليها  40% من البشر- أي يعيشون على نعمة أن مسام الصخور بهذا الحد الذي يتيح حفظ الماء وليس غوره بعيداً في قلب الأرض-، والله فقط يُذكرنا بهذه النعمة التي ربما لا نلتفت لها  فيقول سبحانه {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين} ﴿٣٠﴾ سورة الملك.

لكن هنا السؤال الهام: كيف ضبط القرآن الكريم هذه المفاهيم العلمية الصحيحة لكيفية تكون السحب ونزولها وطريقة تشكل المياه الجوفية ونعمة عدم غَور الماء ؟

ثم كيف نفترض أن الطبيعة العمياء قدّرت لنا هذه النعم بهذا الضبط التي لو اختلت منها منظومة واحدة لما كنّا هنا لنكتب أصلاً؟