محمد – صلى الله عليه وسلم – الرحمة المهداة

 

الشيخ/ السيد مراد سلامة

حبابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعيش في هذا اليوم مع صفات كتبت بمداد الرحمة والرأفة جسدها النبي –صلى الله عليه وسلم- في حياته الدعوية وفي حياته اليومية إنها الرحمة المهداة، سطرها نبي الرحمة والرأفة ليُعلم البشرية جمعاء أن الإسلام دين مبني على أساس متين ولا يعرف الغلظة ولا الشدة.. إنها صفحات من رحمة سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم..

ربّاك ربك جل من رباكا
ورعاك في كنف الهدى وحماكا
سبحانه أعطاك فيض فضائل
لم يعطها في العالمين سواكا
سوّاك في خلق عظيم وارتقى
فيك الجمال فجلّ من سواكا
سبحانه أعطاك خير رسالة
في العالمين بها نشرت هداكا
وحباكَ في يوم الحساب شفاعةً
محمودةً ما نالها إلاّكا
الله أرسلكم إلينا رحمةً
ما ضلّ من تبعت خطاهُ خطاكا

 

أولا: الجانب التعليمي لأمته صلى الله عليه وسلم-:

إخوة الإيمان: في هذا الجانب يُحببُ النبي – صلى الله عليه و سلم – أمته في خلق الرمة ويكرر ذلك في مواقف كثير من باب التعليم و الإرشاد و إليكم بيان ذلك باختصار:

فها هو – صلى الله عليه وسلم – يقرر لهم سنة من سنن الله تعالى في خلقه أن الراحمون يرحمهم الرحمن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله» [1].

 

عن عائشة -رضي الله عنها -: قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : إنكم تقبلون الصبيان، ولا نقبلهم ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟» [2].

 

عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا) [3].

 

وهذا يدل على حصول الرحمة للصغار وعلى التوقير للكبار، ومعرفة حقهم، وإنزالهم منازلهم، وهذا فيه تحذير وترهيب من مثل هذا العمل الذي وصف بأن فاعله (ليس منا)، وهذا يدل على خطورة ذلك وعلى أنه فعل شنيع وشديد الخطورة.

 

ثانيا الجانب التطبيقي للرحمة في حياة نبي الرحمة

إخوة الإسلام: لم تكن تلك التوجيهات كلمات تُلقى أو تعاليم تُملى دون أن تُترجم في الحياة العملية بل ترجمها خير البرية- صلى الله عليه وسلم- في جميع شؤونه فكان رحمة يمشي على الأرض عمت رحمته جميع المخلوقات و الموجودات كما قال رب الأرض و السماوات ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

لقد تمثلت في شخص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرحمة المهداة، فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو الرحمة التي أرسلها الله تعالى رحمة للعالمين والمؤمنين، بل ورحمة للكافرين، ورحمة لجميع بني الإنسان، ورحمة للحيوان، فهو رحمة عامة لجميع خلق الله تعالى.

 

إن المستقرئ لسيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يرى الرحمة متمثلة في كل فضيلة من هذه الفضائل، فالله جل وعلى أدبه فأحسن تأديبه ليكون قدوة للناس، وقد تحقق له ( صلى الله عليه وسلم ) تمام مكارم الأخلاق.

 

الأول: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]

﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ أي شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين، فكل ما يدعوهم إليه من العمل بشرائع الله تعالى فهو دليل على ثبوت هذه الصفات الكاملة والعواطف السامية له – صلى الله عليه وسلم – بنص الله تعالى، وهو أرحم بالمؤمنين وأرأف، وكل شاق منها كالجهاد فهو منجاة مما هو أشق منه، ولا شيء من الشاق منها يبالغ حد العنت، للقطع في هذا الدين بنفي العسر والحرج .

 

وصف الله تعالى رسوله بصفتين من صفاته العلى، وسماه باسمين من أسمائه الحسنى، بعد وصفه بوصفين هما أفضل نعوت الرؤساء والزعماء المدبرين لأمور الأمم بالحق والعدل والفضل [4].

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا» [5].

 

عن عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ” [6].

 

ثانيا: رحمته – صلى الله عليه وسلم بالعصاة:

و من مظاهر رحمته – صلى الله عليه وسلم – رحمته بالعصاة والمذنبين فقد كان لهم بمثابة الطبيب الذي يداوي جرحاهم و يتعهد مرضاهم، ولنأخذ مشهدا واحدا من مشاهد الرحمة بهم: عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، قَالَ: «وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّا أُطَهِّرُكَ؟»، فَقَالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟»، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ: «أَشْرِبَ خَمْرًا؟»، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَزَنَيْتَ أَنْتَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ عَلَى أَسْوَإِ عَمَلِهِ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ مِنْ أَنْ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ»، قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهِ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ»[7].

 

ثالثا: رحمته – صلى الله عليه وسلم – بالجاهل:

ومن مشاهد ومظاهر رحمته – صلى الله عليه وسلم – رحمته بالجاهل الذي يجهل الأحكام والآداب ولنضرب لكم مثالا واحد على سعت – صدره وكمال رحمته – صلى الله عليه وسلم -.

 

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ»، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ الْقَذَرِ وَالْبَوْلِ – أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِنَّمَا هُوَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: «قُمْ فَأْتِنَا بِدَلْوٍ مِنَ الْمَاءِ فَشُنَّهُ عَلَيْهِ» فَأَتَى بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ[8].

 

رابعا: رحمته – صلى الله عليه وسلم – بالأطفال:

لقد قررت الكثير من المواقف والمظاهر التي حوتها تعاملات الرسول- صلى الله عليه وسلم – ومواقفه مع الأطفال والصبيان والأيتام. ومن هذه المواقف التي تقرر عمق الرحمـة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم – للأطفال واليتامى.

 

ما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز (أسرع) في صلاتي مما أعلم من شدّة وجد أمه من بكائه ) [9].

 

أية رحمة هذه التي تجعل الحبيب صلى –الله عليه و سلم –يقطع مناجاته بربه من اجل بكاء طفل صغير؟

إنها رحمة الرحمن التي تمثلت في النبي العدنان – صلى الله عليه وسلم -.

يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب
هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمة ووفاء

 

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ)[10].

 

رحمة النبي – صلى الله علية وسلم – بالحيوان:

رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان: تعدت رحمته بني جنسه إلى الحيوانات والبهائم، رحمة يحنو بها على ذلك الحيوان وذلك الطير، جعل الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة صدقة اسمعوا يا رعاكم الله:

أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ؛ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ: فِي كلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ [11].

 

عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ [12] فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((من فجع هذه بولدها ؟، ردوا ولدها إليها)). ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه؟)) قلنا: نحن قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) [13].

 

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأَذْبَحُ الشَّاةَ فَأَرْحَمُهَا، قَالَ : وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ.[14].

 

رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجماد:

أحباب الحبيب – صلى الله عليه وسلم – لقد تعدت رحمته الإنس والجن والطير فرفرت على الجمال الذي يظن كثير من الناس انه بلا إحساس يرحمه النبي و يضمه إلى صدره الشريف كما في الحديث.

وَالجِذعُ حَنَّ إِلَيهِ عِندَ فِراقِهِ
شَوقاً حَنينَ الهائِمِ الوَلهانِ
فَأَتى يُسَكِّنُهُ وَقالَ مُخَيِّراً
إِن شِئتَ تَرجِع أَخضَرَ العيدانِ
أَو إِن تَشَأ في الجَنَّةِ العُليا تَكُن
فَاِختارَ غَرساً في نَعيمِ جنانِ

 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا قَالَ: «إِنْ شِئْتِ»، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: «بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ» [15].

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الحمد لله رب العالمين… اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام….

أما بعد:

رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكفار

هُوَ  رَحمَةٌ لِلنّاسِ مُهداة فَمن  *** قَبل الهِدايَةَ فازَ بِالرّضوانِ

لقد أشيع أن الإسلام دين حقد وبطش على الآخرين، وهذه الشائعة يروج لها أعداء الإسلام باستمرار، ولابد من دحر هذه الشائعة وإنكار هذا الظلم في حق الإسلام. كما لا بد من التأكيد على أن الجهاد في الإسلام لا يعني الحقد على الكافرين، ويقرر ذلك ما أكده الرسـول- صلى الله عليه وسلم -.

 

قال الله عز وجل  ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] قال ابن عباس في تفسيرها:” من امن بالله ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف فذلك الرحمة في الدنيا ” ومصداق هذا في كتاب الله عز وجل حيث قال: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 32، 33].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» [16].

عَائِشَةَ، زَوْجِ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ أُطَبِّقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا [17].

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ” لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ ” قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84] [18].

الدعاء ……


[1] أخرجه الحميدي (591) و (592). وأحمد (2/ 160) (6494).

[2] أخرجه أحمد (6/ 56) والبخاري (8/ 9).

[3] خرجه الترمذي (4/ 321، رقم 1919)، انظر الصحيحة: 2196.

[4] تفسير المنار (11/ 72).

[5] البخاري (5/ 2379، رقم 6118)، ومسلم (4/ 1789، رقم 2284).

[6] مسند أحمد (2/ 426).

[7] أخرجه مسلم (3/ 1321، رقم 1695)، وأبو داود (4/ 149، رقم 4433).

[8] أخرجه أحمد (3/ 191) ومسلم (1/ 163).

[9] البخاري (1/ 250، رقم 677)، ومسلم (1/ 343، رقم 470).

[10] أخرجه البخاري (1/ 181ومسلم (2/ 44).

[11] أخرجه البخاري في: 42 كتاب المساقاة: 9 باب فضل سقي الماء.

[12] أي: ترفرف بأجنحتها. انظر: معالم السنن 2/ 245.

[13] أخرجه: البخاري في ” الأدب المفرد ” (382).

[14] أخرجه الطبراني (19/ 23، رقم 45)، وأحمد (3/ 436، رقم 15630).

[15] أخرجه: البخاري 2/ 11 (918) و4/ 237 (3584) و(3585) .

[16] أخرجه مسلم (4/ 2006، رقم 2599)

[17] أخرجه البخاري في: 59 كتاب بدء الخلق: 7 باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء.

[18] أخرجه مسلم (4/ 1865، رقم 2400).