ما سبب تخلف المسلمين العلمي التقاني؟

 الرد:

المسلمون في بلاد الغرب يُمثلون نخبة مثقفة يقول د.مراد هوفمان: “أن تكون مسلمًا في أمريكا يعني أن تكون أكاديميًا -هكذا الأمر مستقر في اللاوعي الغربي-، وهذه الحقيقة تمنح الإسلام وضعًا اجتماعيًا متميزًا وموقفًا ماليًا قويًا… وفي سانتا كلارا في قلب وادي السليكون، تجد ما لا يقل عن 700 خبير كمبيوتر مسلم ولقد شارك الكثيرون منهم في تطوير Pentium III .”

المصدر: الإمبراطورية الأمريكية، الجزء الثاني، ص216.

 

ورؤساء المنظمات الإسلامية هم علماء كبار يفخر بهم المجتمع الأمريكي مثل د.نظير خايا طبيب الكلى الشهير خريج جامعة هارفارد ويشغل منصب مدير مركز المعلومات الإسلامي IIS ، أما رئيس منظمة الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا CAIR فهو عمر أحمد عالم دقائق الكمبيوتر، أما مجلس المسلمين الأمريكيين فيرأسه الدكتور عبد الرحمن المودي.

ويوجد في أمريكا وحدها 200 ألف عالم مسلم هاجروا من مصر فقط كما أعلنت وزارة الهجرة المصرية.

المصدر: http://www.asbar.com/ar/monthly-issues/53.article.htm

 

فالتخلف ليس قضية مرتبطة بالأيديولوجية -الدين- كما يحاول أن يفترض الملحد اللئيم ذلك، فلا يوجد في الإسلام ما يمنع من التقدم التقاني.

يقول الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله : ” إن الإسلام لا يرضى بما نحن فيه، فلا داعي للتمحك بأنه سبب تأخر المسلمين وضعفهم، كل ما في الإسلام يدعوا إلى العدل والإنصاف، والقوة والمساواة والجد، والعمل وإتقانه، ويدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق.”

 

ويقرر غوستاف لوبون أن: “الإسلام من أكثر الديانات ملاءمةً لاكتشافات العلم”، ولذلك يكثر اعتناق الإسلام في الأوساط العلمية من دكاترة وبروفسورات وباحثين.

 

لكن نحن لم نُجب عن السؤال بعد!

لماذا نحن متخلفون علميًا؟

في البداية؛ العلم ببساطة هو ملاحظة الظواهر بغية تفسيرها، والبحث العلمي قرين بمَن يدفع أكثر، ومَن يُمول، هذه هي القضية.

وتمويل إحدى جامعات أمريكا الكبرى -مثل جامعة هارفارد- يفوق التمويل العلمي للدول العربية مجتمعةً.

http://goo.gl/DXnbK6

فمِن البديهي أن يكون عدد الأوراق العلمية الصادرة عن جامعة هارفارد أكبر من عدد الأوراق العلمية الصادرة عن جامعات الدول العربية.

والتخلف عندنا تخلف إداري وليس تخلف كمي أو كيفي، فطالب الطب في الجامعات العربية يتخرج بحصيلة علمية ربما تفوق بمراحل الحصيلة العلمية لخريج الطب في الجامعات العالمية لكن الإدارة عندهم تنجح في توظيفه وترقيته مهاريًا وزيادة تخصصيته فيُبدع!

 

أيضًا يمكن التأريخ لبداية أول مراحل تخلف مجتمعاتنا بتاريخ سقوط الدولة العباسية حين تضائلت الروح العلمية فجأةً، وظهرت الثقافة الأدبية الواحدية في العالم العربي وظلت سائدة حتى الساعة!

وفي الواقع لا يولد الأدب إلا من رحم فكر عظيم لكن الأدب المنفرد الغير مقترن بعلم مأساة. والقرآن يقرن بين الروح الأدبية العالية والشواهد الرصدية العلمية قال تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} ﴿١٩١﴾ سورة آل عمران.

 

فالتفكير في الإسلام فريضة وليس ترف عقلي، وقد تكررت مشتقات كلمة العقل  في القرآن قرابة خمسين مرة.

ولذا في عصور الإسلام الزاهية كانت العواصم الكبرى والمدن الإسلامية مثل بغداد والكوفة والبصرة ودمشق وقرطبة والقيروان والقاهرة مفتوحة لكل الأجناس والأديان، وكانت المناظرات تُعقد ليل نهار ، وكانت الناس يأتون من الدنيا كلها يتلقون العلم ، وكان العلم تجارةً رائجة .

وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى مُصنَف في طبقات الشافعية، و البيروني أعلن أن الأرض تدور حول محورهـا أمام الشمس، وأساس علم الفلك في أوربـا قام على مصنفات الإمام إبراهيم الزركلي.

وابن باجه المصنف المشهور اكتشف أن مدارات الكواكب بيضاوية وليست دائرية.

والمسجدرسة وهو التحام المسجد بالمدرسة من أيام الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين.

 

وبينما كان الموت والوباء يجتاحان أوربا، وكانت البيوت في باريس ولندن من الطمى المخلوط بالقش ولم يكن بها نوافذ أو أرضيات خشبية، ولم يكونوا يعرفون المداخن فكان الدخان يملأ البيت ويزكم الأنوف بالأمراض ، وكانوا لا يعرفون النظافة فلم تكن هناك أرضيات أو مصارف ، وكانت بقايا الحيوانات تلقى أمام البيوت ، ولم يكونوا يعرفون الحجر الصحي أو الوقاية أو النظافة فكانت تنتشر الأمراض الفاتكة لكل أوروبا كل بضعة سنوات، بينما كان الوضع كذلك في أوربا كانت الدولة الإسلامية عامرةً مضيئة، وكان الحجر الصحي معمولاً به منذ عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم-، وكانت الشوارع مضاءةً، والمصارف في كل قريةٍ، والبيمارستانات واسعةً رحبة يأتي إليها ملوك أوربا للعلاج.

المصدر: بينات الحل الاسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين … د.يوسف القرضاوي …. مكتبة وهبة الطبعة الثانية 1993 ص134

 

ويحكي لنا ابن كثير عن عظمة المسجد الأموي وأن الدنيا لم يكن فيها أعظم منه.

 

وعندما أرسل هارون الرشيد بساعةٍ هدية إلي الإمبراطور شارلمان، خاف شارلمان. واعتقد مَن في القصر أن الساعة تحوي شيطاناً لأن العقارب تتحرك دون أن يلمسها أحد.

ففي عام 807 م أرسل هارون الرشيد بهديةٍ عجيبةٍ لشارلمان ملك الفرنجة، وكانت الهدية عبارة عن ساعةٍ ضخمة بارتفاع حائط الغرفة تتحرك بواسطة قوة مائية، ومع تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة فيُسمع لها رنين موسيقى ويفتح باب من الأبواب الـ12 المؤدية الى الساعة ويخرج منها فارس يدور حولها ثم يعود، لكن رهبان القصر اعتقدوا أن بها شيطانًا يحركها، فتربصوا بها ليلاً وحطّموها.

المصدر : مقدمة كتاب شمس العرب تسطع على الغرب، للمستشرقة الألمانية زغريد هونكة.

 

يقول الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-: “إن الصيدلة علم عربي، والفلك والطب والميكانيكا والرياضيات والطبيعة والجغرافيـا ما تزال تحمل الأسماء العربية الفصحى إلى اليوم، وهكذا ساد الروح العلمي الأمة العربية.”

المصدر: ظلام من الغرب،  ص40

 

ويقول ديورانت في كتابه قصة الحضارة: “ربما ملك الصاحب بن عباد من الكتب في القرن العاشر ما يقدر بما كان في مكتبات أوربا مجتمعةً، وكنت تجد في المساجد من قرطبة إلى سمرقند علمـاء لا يحصيهم عدد .”

 

أما المستشرق سبنسر فاميري فيقول: ” لا يستطيع عالم واحد أن يتأمل القبة الزرقاء دون أن يلفظ اسمًا عربيًا، ولا يستطيع عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر أو يفحص صخرة من الصخور دون أن يتذكر درسًا عربيا، ولا يقدر أي قاضٍ أن يبت اليوم في خلافٍ دون أن يستدعي مبدأ أملته العرب، ولا يسع أي طبيب أن يتأمل دائرة أحد الأمراض المعروفة منذ القدم دون أن يهمس بآراء طبيب عربي.”

بل إن الجامعات الأوربية عاشت 600 عام على ترجمات العرب كما يقول جوستاف لوبون.

 

فلا يوجد في الإسلام ما يحرم العقل من التفكر والتدبر. ومن المفارقات العجيبة في زماننا أن تتقدم الدول الآسيوية التي تحرم ثقافاتها العلم بينما نتخلف نحن. وهنا يحضرني مثال العالم الياباني كو سكي Kow Seki الذي عاش في عصر نيوتن وأبدع علم التفاضل التكاملي وحساب مقدار Pi لكنه أبقى معادلاته سرًا لأن هذا في نظره يُخل بسمو الألوهية أن يكشف تشفيرًا صنعه الله في النظام الطبيعي!

هكذا تنظر ثقافاتهم للعلم.

إننا نِمنا في النور بينما غيرنا استيقظ في الظلام.

 

لكن هل من مخرج؟

يقول صامويل هنتنجتون بالحرف الواحـد: “لا آدم سميث ولا توماس جيفرسون سيفون يفيان بالاحتياجات النفسية والعاطفية والأخلاقية لأصحاب الديانات الأرضية، ولا المسيح قد يفي بها وإن كانت فرصته أكبر، على المدي الطويل محمد سينتصر.”  صلى الله عليه وسلم.

المصدر: صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي .. صامويل هنتنجتون .. ترجمة :طلعت الشايب الطبعة الثانية 1999 ص289

 

ويقول فرانسيس فوكوياما : “الإسلام يُشكل أيديولوجية متسقة ومتماسكة وله معاييره الأخلاقية الخاصة به ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية، كذلك فإن للإسلام جاذبية يمكن أن تكون عالمية، فهو يدعو إليه البشر كافةً باعتبارهم بشراً لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية أو قومية معينة.”

المصدر: نهـاية التاريخ وخاتم البشر، فرانسيس فوكوياما، ترجمة : حسين أحمد أمين الطبعة الأولى 1993 مركز الأهرام للترجمة والنشر ص56

 

و ينظر توينبي إلى العالم الإسلامي على أنه عنده ما ينقذ الحضارة المعاصرة من الخواء واللامعيارية والعدمية .

 

يقول تي . بي .إرفنج الأستاذ بجامعة تنيسي الأمريكية: “أعطوني أربعين شاباً ممن يفهم الإسلام فهماً عميقاً ويُحسنون عرضه بأُسلوب العصر وأنا أفتح الأمريكتين.”

المصدر: سقوط العلمانية ونهاية اسرائيل، الاستاذ محمد شهدي، دار الوفاء ص91.

 

ويقول هنري دي شامبون: “لولا انتصار جيش شارل مارتل على المسلمين في فرنسا لما دخلت فرنسا العصور المظلمة”.

 

وفي العصـر الحديث لم تنتصـر الدول الإسلاميـة ولم تُفق من غفوتهـا إلا تحت الحكم الإسلامي، وكان هناك بلد إسلامي – المملكة العربية السعودية- يُضرب به المثل في الفوضى وقطع الطُرق واستباحة الحرمات وذبح القوافل، فما أن حكمه المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود وأقام فيه الحدود حتى تغير الحال وصار أقل مجتمعات الأرض جريمةً.

 

والاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده تركيا هذه الأيـام ما كان ليتم لولا وصول الإسلاميين فيهـا للحُكم، وقبلهـا بعقدٍ واحدٍ فقط كان الصراع والحكومات الائتلافية وحل البرلمان كل عدة شهور، وكان الانهيـار الاقتصـادي علامة بارزة في كل تركيـا، وما أن وصل الإسلاميون للحكم حتى ارتفع متوسط دخل الفرد من 3 آلاف دولار في عام 2001 إلى 11 ألف دولار في 2011 ، ووصلت النزاعات بين تركيا وجيرانها إلى الصفر، وهدأت المشكلة الكردية لأول مرة منذ عقود، وتم حل مشكلة المواصلات ومشكلة المياه ومشكلة التلوث في إسطنبول عاصمة الزحام .

 

فالإسلام يحمل الحل لكن المسلمين نائمون.

 

والأمل الآن معقودٌ على ثورةٍ فكريةٍ إسلاميةٍ خضراء تُزيح الترهلات التي أصابت العلم من جراء كهنة الإلحاد، وسدنة المادية، فالعلم الطبيعي عِلمُنا، ونحن مَن وضع أصوله الأولى، ونحن مَن سيُرجع الأمر فيه إلى نصابه متى شاء الله .