ما المانع أن تكون أدلتنا العقلية قائمة على الخبرة البشرية لا أكثر!

 يقول الملحد: ما المانع أن تكون الأدلة التي يقدمها المؤمن لإثبات وجود الخالق هي فقط معتمدة على الخبرة البشرية؟

الرد:

في البداية أدلتنا العقلية على الإيمان هي براهين أولية قبلية A-Periori وليست قياسات عقلية، والبرهان العقلي الأولي لا علاقة له بالخبرة البشرية بل هو سابق في الوجدان والوجود عليها.

 

فالإنسان يولد ببراهين عقلية أولية مسبقة، اتفق على وجودها الملحد والمؤمن، فيُسميها المؤمن ب”الفطرة” أو “الصبغة الإلهية” {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} ﴿١٣٨﴾ سورة البقرة.

ويُسميها الملحد بالغرائز الأولية instincts .

ومن اللافت للنظر أن علم اللغويات الحديثة التي أسس لها نعوم تشومسكي Noam Chomsky تقوم على أن العقل لا يولد كصفحة بيضاء بل يحتوي على الكثير من المقدمات الأولية knowledge is innate .

بل إن أصل علم اللسانيات الحديث لا يمكن دراسته دون التسليم مسبقًا بوجود فطرة منسوجة مسبقًا داخل العقل البشري وأنه ليس صفحة بيضاء.

http://en.wikipedia.org/wiki/Universal_grammar

 

فالعقل يمتلك براهين أولية أو قبلية، لا تعتمد على الخبرة ولا يتم اكتسابها أو توريثها عبر الأجيال، ومن هذه البراهين العقلية القبلية الأولية برهان السببية!

فهو برهان قبلي أولي لا ينفك ولا ينخرم، فأنت موجود ووجودك لا يُفسر نفسه بنفسه إذن لك موجِد {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} ﴿٣٥﴾ سورة الطور.

 

إنه دليل عقلي أولي كوني، يتجاوز أُطر الزمان والمكان، ولا يتقيد بخبرتنا البشرية بل هو أعم وأعمق.

 

وقوام كل العلوم النظرية والتجريبية على برهان السببية، فلولا اضطراد هذا البرهان ولولا استقراره في الأذهان ما صحت معادلة ولا انضبطت تجربة ولا سلّمنا بنتيجة ولصارت كل العلوم لغو فارغ!

فهو برهان كوني أعلى من القانون وعليه تقوم كل العلوم!

 

أيضًا من أدلة الإيمان بالخالق أن هذا العالم موجود ووجوده يفيد عرضيته وتغيره، والعالم لا يفسر نفسه بنفسه، إذن لابد لهذا العالم من موجِد {أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} ﴿٣٦﴾ سورة الطور.

إذن نحن نقوم بالإيمان بالخالق استنادًا إلى برهان عقلي أولي يسبق الخبرة البشرية ويسبق كل ملكاتنا المكتسبة.

ثم بأي دليلٍ من خارجنا نحن مُطالبون بالتمرد على خبرتنا البشرية؟

بأي دليلٍ من خارجنا نحن مضطرون لعدم الانصياع لمكتسباتنا البشرية؟

بأي دليلٍ نرفض كل ما تمدنا به حواسنا؟

 

الآن الموقف انقلب! نحن الذين نُلزم الملحد بالتسليم بما ترصده الحواس وهو يرفض ويعاند، مع أنه داعيه المذهب الطبيعي والمبشر الأول به، أليس كذلك؟

 

زِد على ذلك أن براهيننا القبلية الأولية أعلى وثوقية من خبرتنا البشرية بكثير وأكثر منها ضبطًا وإتقانًا.

زِد على ما سبق أن أدلتنا لا تنحصر في البراهين القبلية الأولية، بل هي أحد البراهين لا أكثر، وإلا فبرهان النبوة هو برهان آخر قائم بذاته ومنفصل عن البراهين الأولية، أضف إلى ذلك  البراهين التي تتجاوز إطار القيد المادي في هذا العالم مثل برهان الأخلاق، فالأخلاق لا مصلحية ولا مادية وتستمد بانتظام معناها وقيمتها من عالمٍ آخر لا علاقة له بهذا العالم المادي المجرد، فهذه كلها براهين على عدم كفاية المذهب المادي، وأننا بحاجةٍ إلى سندٍ ليس من هذا العالم يبرر وجود هذه الأمور الغير مادية!

 

أيضًا برهان انتقال اللاحياة إلى حياة وهو برهان استخدمه القرآن الكريم كثيرًا في إثبات التدخل الإلهي وهو ما زال حتى اللحظة حجة في وجه كل دعاة الإلحاد، فكل علوم العالم وكل جامعات العالم وكل ما توصل إليه العالم من ذكاءٍ وتقانةٍ وضبطٍ وماكيناتٍ عملاقة لا يستطيع أن يُنتج أبسط صور الحياة، ومع ذلك ما زال الملحد يفترض أن العشوائية أنتجت كل صور الحياة وأنتجت الفيروس والبكتريا والإنسان، إذا لم تكن هذه قمة السذاجة فأين تقبع قمة السذاجة؟

 

لكن هنا قد يتقافز ملحد ويدعي أن خبرتنا البشرية قد تنخرم كما في فيزياء الكم، وقد يسقط برهان السببية كما أسقطته ميكانيك الكم.

وفي الواقع هذه مغالطة سخيفة لا يزال الملحد يكررها كلما أعيته الحجج العقلية الملزِمة.

فالحقيقة أنه في عالم الكم توجد السببية وتوجد الأطر المعرفية الكبرى بنفس القدر من الاضطراد، لكن قد لا تتبع الجسيمات ردود أفعال واحدة أو حتمية متوقعة دومًا وإنما يكون لها (احتمالات) فيما يُعرف بالدوال الموجية wave function .
وهذا ما بيّنه عالِم الفيزياء والرياضيات الألماني الأشهر ماكس بورن Max Born حيث أوضح في أثناء تفريقه بين السببية والحتمية Causality and Determinism أن عالم فيزياء الكم لا تنتفي فيه السببية ولكن تسقط الحتمية لتحل محلها الاحتمالات، وذلك لا يتعارض مع ما جاءت به الأديان !
المصدر : الفصل الثاني مِن كتابه الشهير: NATURAL PHILOSOPHY OF CAUSE AND CHANCE.

فلا يوجد شيء يسير في هذا الكون بلا قانون، فالكل مُسخَّر تماماً، بمنتهى السببية من المِجرة إلى ما دون الذرَّة، وكل معادلات ميكانيك الكم تخضع لقانون وإطار كلاسيكي صارم، ولا تستطيع أن تتمرد على أُسس الميثودولوجيا السببية .

يقول ستيفن هاوكنج مستهزئاً بالفلسفة التي تدور في هذا الإطار في كتابه الأخير التصميم العظيم ص41 ” في عام 1277 قام أسقف باريس بوضع منشور من 219 هرطقة تجب إدانتها في أنحاء البلاد، وأحد هذه الهرطقات هي الإيمان بالسببية ، وبتلازم قوانين الطبيعة، ولم تمض شهورٌ حتى مات الأسقف بسبب تلازم أحد قوانين الطبيعة حين سقط عليه سقف الكاتدرائية بفعل قانون الجاذبية وبفعل السببية التلازمية! ”

إن الذي يحارب البديهيات هو مسفسط حتى الثمالة، ولا يفعل ذلك إلا في إطار السفسطة العقلية وفي قاعات الدرس بينما هو في واقع حاله يمارس الإيمان بالسببية في كل لحظةٍ بلا تردد !

 

وحتى ظهور الجسيمات في حالات التذبذب الكمومي Quantum Vacuum Fluctuationsلا يخالف قانون حفظ الطاقة، كما يدعي بعض مروجو العلوم الزائفة من الملحدين!

فالتذبذب الكمومي –ظهور الجسيمات لحظيًا ثم اختفاؤها داخل الفراغ الكوانتي- يخضع لبرهان السببية في جميع تجلياته، لكنه لا يخضع للإطار الزمني، وهذا أول الإشكال وآخره!

 

فالجسيمات في الفراغ الكوانتي يمكن أن تقترض طاقة من المستقبل فتظهر ثم تتلاشى دافعةً القيمة التي قامت باقتراضها بالضبط لحظة التلاشي، لكن هذه المساومة واقتراض طاقة من المستقبل تحدث في الإطار المادي داخل حدود الزمان والمكان، فلولا الزمان المخلوق والموجود لما كان لهذا الإقتراض وجود ولا معنى.

 

فالتذبذب الكمومي خاضع لقوانين متصل الزمكان  space time continuum، فالزمان الذي استخدمته الجسيمات لاقتراض الطاقة ليس بُعد منفصل عن المكان بل هو أحد الأبعاد الأربعة” طول، عرض، ارتفاع، زمن ” ويدخل مع المكان في نسيج متصل لا يمكن تجزئته أو تمزيقه، كما تقرر النسبية العامة لأينشتاين!

 

ولذا فالتذبذب الكمومي يحدث داخل هذا النسيج بقواعد النسيج وعندما يستلف الجسيم طاقة من المُستقبل، ففي هذه الحالة هذا مستقبل بالنسبة للراصد، لكنه جزء لا يتجزأ من النسيج الكوني وبالتالي استلاف طاقة لا يُحدِث خرق في قانون حفظ الطاقة، لأن النسيج الزمكاني في لحظة حصول الجسيم على تلك الطاقة التي قام باقتراضها ثم إعادتها لحظة تلاشيه لم يتغير شيء في النسيج الزمكاني، ولم يختّل قانون حفظ الطاقة، ولم ينفصل الزمن عن الأبعاد المكانية الثلاثة.

 

ولا جدال أن التذبذب الكمومي في جميع صوره يخضع لقانون وإطار كلاسيكي صارم، ولا يستطيع أن يتمرد على قوانين المادة ولا يستطيع كسر قانون حفظ الطاقة.

فميكانيك الكم يسير وفق قواعد وقوانين بل وتحكمة أسس ابستمولوجية ثبتت بطرق ميثودولوجية معلومة ومنضبطة!

 

ولو كان ميكانيك الكم عشوائية مطلقة ما أصبح علمًا يتم تدريسه في كل جامعات العالم، ويتم الإستفادة من ظواهره في مناحٍ علمية كثيرة مثل شريحة الكمبيوتر التي تكتب من خلالها – فشريحة الكمبيوتر تعمل بالظاهرة الكمومية ولو كانت العملية عشوائية ما استفدنا منها في شيء!-

 

بل إن ميكانيك الكم يسير وفق معادلات رياضية صارمة لا يحيد عنها مثل معادلة شرودينغر Schrödinger equation  التي تصف الحالة الكمومية المعتمدة على الزمن، والتي تكاد تطابق قانون نيوتن الثاني في الفيزياء الكلاسيكية.

أيضًا هناك معادلة هايزنبرج Heisenberg equation  ومعادلة بلانك اينشتاين Planck–Einstein equation وكلها تصف حالات كمومية مختلفة.

 

وميكانيك الكم يستحيل أن يخترق جدار بلانك فكل شيء يجري بضوابط محددة في العالم الكوانتي لا يتجاوزها ولا يحيد عنها ويمكن التنبؤ بتصرفات العالم الكوانتي طبقًا لمبدأ عدم اليقين لهايزنبرج وفي حدوده.

 

فافتراض الملحد أن العالم الكوانتي يخرق السببية راجع ليس إلى العلم ولا إلى فيزياء الكوانتم وإنما راجع إلى طبيعة الملحد وطبيعة الباحث عن الزيغ {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق} ﴿٥٦﴾ سورة الكهف.

 

 

لكن قد يسأل ملحد ويقول: كيف سلَّمنّا من الأساس بصحة مقدماتنا العقلية؟

أيها الملحد! عليك أن تعي أن عملياتنا العقلية تعكس شيء ما عن العالم المادي الذي نسكنه فهي صحيحة.
ولذلك أحكامنا ناجحة جدًا وتنبؤاتها صحيحة، وأعطت نتائج جيدة!

 

والبحوث العلمية تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من الدقة لأنها ترتبط بواقع مادي يثبت أننا نسير في الاتجاه الصحيح، لكن الأهم من ذلك أن عقولنا ترصد كل ذلك وتحلله وتتوقع النتائج لذا لنا الحق كاملاً في الثقة في أحكام عقولنا.

فالعقل استنتج قوانين سقوط الأجسام –قوانين نيوتن الثلاثة- وحين قمنا بتطبيقها جائت النتائج صحيحة تمامًا.

وأيضًا صدقت تنبؤاتنا واستطاع أينشتاين أن يُدخل بعض التعديلات على قوانين نيوتن في السرعات الأعلى وجائت نتائجه أيضًا مبهرة وعلى قدرٍ مدهشٍ من الدقة والضبط بما يعطينا ثقة أعلى في أن أحكام عقولنا ليس وهم فارغ أو سراب خادع!

والعلم نفسه مؤسَس على أمل أن العالم عقلاني –مستوعَب عقليًا –في جميع مناحيه المشهودة ولم تنخرم هذه القاعدة حتى الساعة، وفي الفيزياء النووية وفيزياء الأفلاك ظلت قدراتنا العقلية غير خادعة بالمرة بل هي ثابتة ومتزنة وتعطي أحكام لها طابع الوثوقية العالية.

وليس معنى عدم استيعاب عقولنا لأشياء مثل توحيد النسبية مع الكمية أي تشكيكٍ في قيمة عقولنا فلا يعني ما لم نصل إليه افتقاده للمعقولية!

وإنما يعني طبيعتنا البشرية القاصرة لا أكثر. وهذا لا يُخرج العقل عن مصداقية أحكامه!

 

فلا يعني عدم مقدرة الآلة الحاسبة جمع أرقام تزيد على عشرة أرقام خطأ ما تتوصل إليه وإنما طبيعة تصميمها لا يتيح لها إلا هذا القدر من المعلومة وما فوق ذلك يتجاوز مقدرتها، ولا يُشكك هذا التجاوز في معطياتها، لأن كل معطياتها –العمليات الحسابية – بالتطبيق المادي سليمة وتنبؤاتها صحيحة.

أضف إلى ذلك أن قانون المربع المقلوب للقوة الكهربية تم إثباته دائمًا، فهذه محاكمة استقرائية ناجحة تمامًا وهي أساس نجاح العلم ذاته!

فالعلم يقوم على إمكانية الاعتماد على الطبيعة من خلال محاكمة استقرائية عقلية مسبقة، توفر قناعة أن المربع المقلوب للقوة الكهربية سيظل ثابتًا في التجربة التالية، وبالتالي فالحكم العقلي سليم!

فالزعم بأن الكون عقلاني مرتبط بحقيقة أنه منظم!

والتشابك المنضبط للأحداث –مثل غليان الماء عند مائة درجة مئوية- يمدنا بانتظام بتأكيد صحة مقدمتنا العقلية عن السببية!

فالسببية هي أحد مظاهر النظام العقلاني للعالم، وجميع الأحداث التي نرصدها تدور في إطار سبب ونتيجة!

 

 

وفي الختام قد يقفز ملحد ليقول: اتفقنا على صحة المقدمات العقلية وعلى صحة أن هذا الوجود لا يفسر نفسه بنفسه، لكن لماذا تقول أن خالقه هو الخالق تحديدًا.

وهنا يقُف الشعر من سفاهة القول ووقاحة المنطق وبجاحة الفروض العقلية، فهل أنت تُنكر وجود طارق للباب لمجرد أنك لا تعرف مَن الذي يطرق الباب الآن ؟

هل تنكر وجود أستاذك لمجرد أنك لا تعرف اسمه؟

هل تنكر وجود ركاب بالطائرة أو قائد لها لمجرد أنك لا تعرف مَن هم؟

ولله المثل الأعلى!

 

لماذا تصادر على المطلوب وتقفز على الإلزام وتتجاوز التكليف العقلي المباشر الذي لا يحتمل ترددًا بفرضٍ آخر وسؤالٍ آخر لا علاقة له بما يُكلفك به البرهان؟

 

تقافزك لا يُخرجك من الإلزام، وتجاوزك لا يُسقط عنك التكليف بما عرفت عبر الأدلة الماثلة في الأنفس والآفاق!

 

وهنا قد يقول الملحد: سلّمنَّا لك بوجود الخالق فلمَ هو الله –سبحانه- وليس إله آخر من الآلهة الموجودة في الديانات المختلفة؟

الرد:

لا يوجد سوى الخالق سبحانه “الله” ولم نستمد هذه المعرفة الخاصة إلا ببرهان “النبوات”، ولا يختلف أهل الأرض جميعًا في أن الخالق الواحد الأحد هو “الله”!

وخلافنـا مع بقية الأديـان ليس لأنهم لا يعبدون الله، ولكن لأنهم جعلوا لله شركاء في الدعـاء والطلب والتصرف في الكون.

 

فجميع أديـان الأرض تعبد الله وهو عندهـا الخالق العظيم، حتى أكثر الديانات إغراقاً في الوثنيـة؛ لكنهم جعلوا له شركـاء متشاكسون نسبوهم للخالق واعتبروهم أدنى منه منزلةً – آلهة صغيرة – Subordinationism.

لكنهم مع عبادتهم لهذه الآلهة الصغيرة يعترفون ويُقرون بوجود الله سبحانه!

بل إن الأصنام ما عبدها البشر إلا وساطةً لله عز وجل  {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ﴿٣﴾ سورة الزمر.

يقول الشهرستاني عن أوثان العرب قديمًا: “أما الأصنام فلم يكن العرب يعبدونها لذاتها، ولم تكن عندهم أكثر من قطعة حجر”.

{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون} ﴿٦١﴾ سورة العنكبوت.

 

وليست آلهة الهند الكثيرة حاليًا إلا كأوثان العرب الأقدمين، فهي وسائط لله الخالق ولا يعبدونها لذاتها!

وهذا ما ذكره التقرير المرفوع إلى الحكومة البريطانية في الهند وفيه أن: “النتيجة العامة التي انتهت إليها اللجنة من البحث هي أن كثرة الهنود الغالبة تعتقد عقيدة راسخة في كائن واحد أعلى.”

المصدر :- موسوعة قصة الحضارة، ول ديورانت، مجلد 3 ص 209.

 

ويرى ول ديورانت أن هذه الألوف من الآلهة فقط يتم تقديسها كما تفعل الكنائس المسيحية من تقديس لآلاف القديسين، فلا يتطرق إلى ذهن الهندي ولو للحظةٍ واحدةٍ أن هذه الآلهة التي لا حصر لعددها لها السيادة العليا.

المصدر السابق.

ولذا فقد كان النزاع بين الرسل وأقوامهم في توحيد الألوهية ” إفراد الله بالعبادة “، لا في توحيد الربوبية “إفراد الله بالخلق “.

ولهذا لم يَرد التكليف بمعرفة وجود الصانع وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومن ظن في عُباد الأصنام أنهم كانوا يعتقدون أنها تخلق العالم أو أنها تُنزل المطر أو أنها تنبت النبات أو تخلق الحيوان أو غير ذلك، فهو جاهلٌ بهم. بل كان قصد عباد الأوثان لأوثانهم من جنس قصد المشركين بالقبور للقبور المعظمة عندهم “.

المصدر: مجموع الفتاوى 1-359

 

فالله سبحانه هو المعبود في جميع ديانات الأرض وخلافنا مع بقية الديانات نابع من إشراكهم في الألوهية -إفراد الله بالعبادة-، لا في الربوبية -إفراد الله بالخلق-.

لكن الذي يزعج كل عاقل أن يُنكر ملحد الخالق وينكر الإلزام بالأدلة لمجرد زعمه عدم معرفته بمَن خلق، فيكون كالذي يُنكر وجود بشر بنوا المدينة لأنه لا يعرف أسمائهم!