ماذا عن الحدود -حد السرقة كمثال-؟

القضية ليست لمجرد السرقة بل لما يقترن بها.

ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يُقطع الخائن ولا المنتهب ولا المختلس”.[1]

فحد السرقة ليس لمجرد أخذ المال وإنما لما يترتب على السرقة من جناية قد تُعرض للقتل وارتكاب أكبر الجرائم.

فلو انتهب إنسان شيء مما في يده كالحارس والخازن فلا قطع عليه.

ولو سرق إنسان ثمر من شجر فلا قطع عليه: “لا قطع في ثمرٍ ولا كثر”.[2]

وفي موطأ الإمام مالك بسندٍ مرسلٍ صحيح: “لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل”.[3]

وحريسة الجبل الماشية التي تحرس في الجبل راعيةً فالجبل ليس بحرزٍ لها يمنعها.

والله أعلم

وفي السنن الكبرى للبيهقي قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ليس على من سرق من بيت المال قطع”.[4]

فليست القضية لمجرد السرقة وإلا لقُطعت يد الذي ينتهب والذي يختلس والذي يخون.

لكن لما كان غالب حال هؤلاء الثلاثة أنهم يقومون بجريمتهم دون تعريض أرواح الآمنين للخطر، لم تقترن بحد.

ولمّا كانت سرقة الثمر وحريسة الجبل مع ارتفاع ثمنها بعيدة عن تعريض الآمنين لخطر السارق لم يقم الحد.

وعن ابن أبي ليلى في رجلٍ سرق من الكعبة قال: “ليس عليه قطع”.[5]

 

ولو سرق إنسانٌ وأتى مُقرًا بجريمته فهل تُقطع يده؟

الجواب: القاضي يطرده!

نعم يطرده.

فقد أُتي النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بلصٍّ قد اعترف اعترافًا ولم يوجدْ معه متاعٌ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما إِخالُكَ سرقتَ قال بلى فأعاد عليه مرَّتَينِ أو ثلاثًا”.[6]

وأخرج البيهقي بسندٍ صحيحٍ أن: “رجلاً أتى عليًا رضي الله عنه وقال له إني سرقت، فطرده”! [7]

وقال أبو الدرداء لامرأةٍ قد سرقت: “سلامةُ أسرقتِ؟ قولي: لا”.[8]

وعن عطاء يقول: “كان من مضى يؤتى بالسارق فيقول: أسرقتَ؟ قل: لا. ولا أعلم إلا سمّى أبا بكرٍ وعمر”.[9]

وقد صنّف ابن أبي شيبة في مصنفه باب: في الرجل يؤتى به فيقال له أسرقتَ؟ قل: لا.

عن أبي مسعودٍ قال: أُتي برجلٍ سرق. فقال: أسرقت؟ قل وجدته، قال: وجدته، فخلى سبيله.[10]

وعن أبي متوكل أن أبا هريرة أُتي بسارق وهو يومئذٍ أمير فقال: أسرقت؟ أسرقت؟ قل: لا قل: لا مرتين أو ثلاثًا.[11]

وعن غالبٍ أبي الهُذيل: قال سمعت سًبيعاً أبا سالمٍ يقول: شهدت الحسن بن عليٍ وأُتي برجلٍ أقر بسرقةٍ فقال له الحسن: “لعلك اختلست لكي يقول: لا”.[12]

وعن عكرمة بن خالدٍ، قال: أُتي عمر بسارق قد اعترف، فقال عمر: “إني لأرى يد الرجل ما هي بيد سارق”، فقال الرجل: والله ما أنا بسارق، فأرسله عمر ولم يقطعه.[13]

[1] سنن ابن ماجة2-864، حكم الألباني: صحيح

[2] سنن الترمذي 4-52، بسند صحيح

[3] صححه الألباني في إرواء الغليل 8-71.

[4] قال الألباني في إرواء الغليل8-77 رجاله رجال الصحيح.

[5] مصنف ابن أبي شيبة29010.

[6] سنن أبي داوود 4-134 والحديث فيه مقال لكن له شواهد.

[7] صححه الألباني في الإرواء 8-87

[8] إرواء الغليل بسندٍ جيد 8-79

[9] قال الألباني في الإرواء إسناده صحيح إلى عطاء 8-79.

[10] مصنف ابن أبي شيبة حديث رقم 28575.

[11] مصنف ابن أبي شيبة حديث رقم 28576.

[12] مصنف ابن أبي شيبة حديث رقم 28578

[13] مصنف ابن أبي شيبة حديث رقم 28579