لو كنّا أبناء الطبيعة فلا معنى للثقة بعقولنا*

الذي يزعم أن الإلحاد هو فلسفة عقلية هو أجهل الناس بالعقل، لأن لازم قوله بإلحاده هو تطوره عن كائنات أدنى وبالتالي ليس لعقله ثقة ولا لمعرفته قيمة، يقول تشارلز داروين ” ولكن هنا يراودني الشك الآتي: هل يمكن أن يكون عقل الإنسان، والذي أؤمن إيمانًا جازمًا أنه تطور عن عقل كذاك الذي تمتلكه أدنى الكائنات، محلاً لثقتنا وهو يُدلي بتلك الاستنتاجات العظيمة.”
Charles Darwin to W. Graham, the Life and Letters of Charles Darwin, vol.1, p.282
وبالتالي فلا يكون العقل عقلاً إلا بإثبات الخالق أولاً.
وقد طوّر الفيلسوف ألفن بلانتيجا Alvin Plantiga نواة هذا البرهان الذي تحدث عنه داروين، فقد قال بلانتيجا: إذا كان العقل قد طورته الطبيعة لتحقيق غاية بقاء النوع كما تفترض الداروينية في صورتها المعيارية، فإن هذا يعني أن أحكام العقل الأُخرى إما ثانوية أو لا وزن لها، فتحقيق غاية البقاء ممكن من دون الحاجة إلى الوعي بقيمتي الحق أو الباطل، أو القيمة أو الأخلاق أو الأدب أو المعرفة، والدليل من الواقع على إمكان ذلك هو عالم البهائم، فالتطور أصم أبكم أعمى غير آبه بالقيمة المعنوية لهذه الأحكام، وهذا يلزم عنه ألا يستمسك ملحد ولا يثق بأيٍ من أحكامه العقلية، بل كل حكم عقلي أو تقييم معرفي يراه يجب أن يفترض أنه لغوٌ فارغ بلا معنى، لكن البشر يتملكهم شعور اضطراري بأنه يجب عليهم أن يثقوا في قيمة أحكامهم ولا يتأتى ذلك إلا بافتراض تميز موقعهم الإدراكي من أصله.
يقول الناقد الأيرلندي الشهير كليف لويس C. S. Lewis ” لا يمكن لاقتناعنا بأن الطبيعة تعكس نظامًا أن يكون أهلاً لثقتنا إلا إذا اعتبرنا نوعًا خاصًا من الميتافيزيقيا صحيحًا.”
ويقول أيضًا:” إذا كان الحق الذي نؤمن به هو بدرجة ما شبيه بنا، أي: إذا كان نفسًا عاقلة صدرت عنها أنفسنا العاقلة، ففي هذه الحالة يمكننا بالفعل أن نثق فيه.” غير ذلك فالحق الذي نؤمن به هو بلا معنى ولغو فارغ.
Nathan, N. M. L. , Naturalism and Self-Defeat, p.135.

فإذا كان الإلحاد صحيحًا فهو غير صحيح، فلو كنَّا أبناء هذا العالم لما كان لأحكامنا العقلية معنى.

———–

*هذه الكبسولة من وحي كتاب ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان، د. عبد الله بن سعيد الشهري، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى 2014.