لماذا خلق الله الشر؟

أو بمعنى آخر: كيف يرد المسلم على “معضلة الشر”؟

معضلة الشر هي معضلة نصرانية لا علاقة لها بالإسلام، فمن الخطأ نقل الإشكالات الكنسية الغربية إلى ثقافتنا الإسلامية.
ففي التراث النصراني المحرف جاء يسوع من أجل الخطيئة الأصلية التي ارتكبها آدم والتي كانت سببًا في كل الشر في العالم، وقام يسوع بتكفير هذه الخطيئة عبر الفداء والصلب على الصليب، وبالتالي فالمفترض أن ينتهي الشر من العالم لأن يسوع المحبة افتدانا، والمفترض أن تختفي آثار الخطيئة الأصلية التي كانت مصدرًا لكل الشر في العالم.
لكن الشر والبلاء والمصائب ما زالت موجودة، وبنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل صلب يسوع!
إذن أين المحبة؟ أين الفداء؟
هذه الإشكالية الكبرى هي مصدر “معضلة الشر” في العقل الغربي النصراني المعاصر!
ما علاقة المسلمين بكل هذا؟
ما علاقة عقيدة جميع الأنبياء بكل هذا الهراء؟
الشر في الإسلام وفي شرائع الأنبياء لأننا مُكلفون.

لأننا في عالم اختباري!
انتهى.
} ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ﴿٣٥﴾ سورة الأنبياء.

والمسيح عليه السلام لم يأتِ من أجل خطيئة آدم، والأناجيل الأربعة التي بين أيدي النصارى اليوم لم ترد فيها كلمة “آدم” ولو لمرةٍ واحدة، وخطيئة آدم رفعها الله بتوبته “فتاب عليه” ولم يرث أحد من البشر خطيئًة من آدم ولا من غيره {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} ﴿٣٨﴾ سورة النجم.

هذه هي عقيدة الأنبياء.

ونحن هنا لأننا مكلفون لا أكثر {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} ﴿٢﴾ سورة الملك.

والشر أمر طبيعي في إطار التكليف!

بل من المدهش أن وجود الشر هو أكبر دليل على صحة القضية الدينية وعلى خطأ الإلحاد.
إذ أننا لو كنا أبناء العالم المادي لما استوعبنا لا الخير ولا الشر، لأننا طبقًا للرؤية الإلحادية نسير في حتمياتٍ ماديةٍ صارمة.

فاستيعاب الشر يعني أننا لسنا أبناء هذا العالم، وأننا نستمد استيعابنا لوجود الشر من مقدمةٍ أخرى غير المقدمة المادية الداروينية للوجود!
وعدم إدراكنا لبعض دقائق الحكمة الإلهية في مسألة البلاء –وليس الشر لأنه لا يوجد شر محض في الوجود- هذا أمر بديهي، يقول ديكارت في كتابه التأملات: “ليس لدي أدنى سبب يجعلني أتذمر من أن الله لم يمنحني قدرة أعظم على الفهم.”
فقوام التكليف على الحكمة وقوام الحكمة على الخفاء!
وقد جلَّى الله الحِكمة من أفعال الخضر لسيدنا موسى –عليه السلام-، مع أنها أفعالٌ تُعد ظاهريًا مُنكرة وغير مستساغة، لكنها تكتنف على خيرٍ عظيم، وقصة موسى والخضر لم تأت في القرآن من باب السرد والحكايا، لكن من باب التدبر والإقرار بقصور النفس البشرية وحكمها المُتعجل.
وحياتنا الدنيا هي مقدمة لخلودٍ أبدي، ولذا فأقسى آلام القتل يتمنى الشهيد أن يعود إليها بعد أن رأى أن هذه الخطوات القليلة من الألم هي مفتاح نعيم ورضا لا ينفد.
فسبحان القيوم المدّبِّر!