بسم اللَّه الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين

والإيمان باللَّه الواحد الذي لا شريك له ولا ند له ولا ظهير له، أمر فطري يميله هذا النظام البديع والإبداع والإحكام الرائع في خلق السماوات والأرض، والذي يشير إليه القرآن الكريم .. في كثير من آيات الكونية تنبيهًا للأذهان واستنهاضًا للعقول وقدرة الخالق ووحدانية المالك، وفي هذا المجال يقول اللَّه تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]. ثم يتبع هذا التقرير بالتدليل على وحدانيته ورحمته بستة أشياء من نعمة من خلقه، فيقول عز وجل:

(1) إن في خلق السماوات والأرض.

(2) واختلاف الليل والنهار.

(3) والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.

(4) وما أنزل اللَّه من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة.

(5) وتصريف الرياح.

(6) والسحاب المسخر بين المساء والأرض لآيات لقوم يعقلون.

وعلى هذا النهج الحكيم أخذ القرآن الكريم في كثير من سورة يسوق الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي تؤكد وحدانية اللَّه وتظهر عظمته وتبين للناس قدرته ورحمته وجبروته وقهره وحكمته وبلغ من كرم اللَّه علينا ولطفه بنا أنه على الرغم من أنه الملك القدوس السلام، المؤمن المهيمن العزيز الجبار هو الذي يتعرف علينا تارة بآياته الكونية المنتشرة في ربوع القرآن الكريم، وأخرى بآياته البيانية كما يقول سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2 وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد]. كأن الآيات بعثت إليك بطائرات هبطت عليك ونزلت إليك لتأخذ منك عقلك وبصرك وفكرك وسمعك وتعلو بكل أولئك في أجواز الفضاء وتجوب بهم في عنان السماء لتريك من آيات ربك الكبرى ما يقوي إيمانك باللَّه وبأسمائه الحسنى، فلا تتخذ عباده من دونه أولياء فتكون من الهالكين، كما يقول اللَّه سبحانه: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً}.

ثم تعود فتهبط بك إلى الأرض وتطوف بك في سبلها وفجاجها وتريك من جبالها وأنهارها وجناتها وما فيها من دوحات وزهور وحبوب وثمرات، ثم تحدثك بعد ذلك عن قصة الدهر وحكاية الزمان وأنه ليل ونهار جعلهما اللَّه آيتين فمحا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ليبتغوا فضلاً من ربكم وتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلنا تفصيلاً.

والتوحيد أو بمعنى أوضح الإيمان بإله واحد أمر يحكيه ويؤكده هذا السلام الكوني الذي تستوحيه من صفحة الكون والذي يبدو في أروع صورة وأدق نظام، ونظام محكم واحد دائم دئب، مما يستوجب أن يكون المدبر واحدًا، وأن يكون قهارًا وجبارًا وحكيمًا وعليمًا وأن يكون على كل شيء قدير.

فهذه الشمس التي تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدره منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون.

والمجموعات الشمسية التي لا حصر لها، والأجرام السماوية التي لا عد لها، والمجرات وأحجامها وأبعادها، والكواكب والنجوم والشهب والنيازك ونظامها ومساراتها وكل منها تدور في فلكها، فلا تخرج عن المسار الذي أعدت له وأعد لها حتى لا يحدث انفجار ولا يقع صدام ولا يختل النظام، كل ذلك لا يكون إلا بقدر معلوم كما يقول رب العزة تبارك وتعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر]، وكل ذلك يعلن بالحجة الدامغة والحكمة البالغة أن اللَّه واحد لا شريك له، وأنه كما يقول سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍوَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].

وكيف يتخذ صاحبة أو ولدًا، وكيف يكون له شريك في الملك أو ولي من الذل إذا لاختل النظام واضطرب الكون ووقع الصدام بين الكواكب والأجرام، وتأخر النهار عن خروجه وأسرع الليل في دخوله وزاد اليوم إلى ثلاثين ساعة تارة أو أربعين طورًا آخر، ولخرجت الشمس يومًا من مشرقها وآخر من مغربها، فتتداخل الشهود وتتأخر الفصول (فصول السنة) ولا تعرف السنون ويتغير خلق الناس فيخلق واحد وله عينان ويخلق آخر وله ثلاثة أعين، وهكذا حسبما تقتضيه مشيئة الشريك في الملك أو الولد أو الولي من الذل حتى يبين للخلق سلطانه وشركته ويعلن ألوهيته، ولهذا يقول اللَّه جل شأنه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء].

وفصول السنة وترتيبها وأوقاتها وجوها ومناخها وما يترتب عليها من نضج الثمار وتفتح الأزهار ونمو النباتات المختلفة في طعومها وأشكالها وألوانها حتى لا يسأم الإنسان إذا لم تتعدد ألوان الطعام كما يحكي لنا القرآن الكريم عن بني إسرائيل في قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [سورة البقرة].

والأرض وفجاجها وسبلها ووديانها وأنهارها وبحارها ومناجمها وجبالها وصحرواتها وغاباتها ووحوشها وحيواناتها وأنعامها وجناتها وأنواع الحبوب فيها وأطيارها وأشجارها وأزهارها وأثمارها وتوزيع الثروة فيها بكل أنواعها وعدد سكانها وتوفير مآكلهم ومشاربهم ومعاشهم وغذاؤهم وكساؤهم، والحكمة في تقسيمات الأرض ذاتها جبلية وصحرواية وزراعية وما بث في كل واحدة منها من الخيرات وما حباها به ربنا من البركات ولذلك يقول اللَّه عز وجل: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} [سورة فصلت].

وسنة التوالد في الأرض التي تتم دائمًا بشكل مطرد مع مصالح الإنسان والحبة من القمح لصغر حجمها وحاجة الناس إلى العديد منها تلد مئات الحبات. وكلما زادت حاجة الإنسان إلى شيء زاد التوالد فيه بما يكفي حاجته ويشبع رغبته تكريمًا له كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [سورة الإسراء].

وكذلك الحيوان والطير كلما صغر حجمه زاد نتاجه أو عدد فقسه، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

والبحر وما فيه من عجائب الخلق وغرائب المخلوقات والحيوانات البحرية وخطرها والمفيد منها والأسماك وأنواعها وما يؤكل منها وما لا يؤكل وأنثيات الثعابين من السمك وقصتها وحكاية فقسها وخروجها من بحار العالم في شهر معين وهو شهر سبتمبر من كل سنة متجهة إلى المكسيك كما يحدثنا السيرجون كريسي العالم الأمريكي ورئيس إحدى الأكاديميات العلمية في كتابه العلم يدعو للإيمان والذي ترجمه إلى العربية الأستاذ مصطفى الفلكي سفير مصر في أمريكا سابقًا، جزاه اللَّه خيرًا، فيقول: إن أنثيات الثعابين من السمك تخرج جميعًا في وقت معين من كل سنة من بحارها في أنحاء العالم متجهة شطر جنوب أمريكا تقطع آلاف الأميال فتخرج من بحر إلى بحر إلى المحيط، حيث تبيض هناك، ثم تموت ثم يعود فقسها موزعًا على بحار العالم من جديد بما يتفق ومصالح الناس كل ذلك لا يمكن أن يحدث بمحض الصدفة ولا هو عن عقل في هذه الأنثيات، فكيف حددت موعد خروجها.

وكيف عرفت الطريق إلى مكان وصولها.

وكيف قطعت آلاف الأميال في مواجهة الأمواج لا تبالي أن تلقي موتها.

ولم تثني عن عزمها؟

كل ذلك يدل على وجود خالق عظيم ومدبر حكيم، وهاد كريم هو الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى.

والتوحيد أو الإيمان باللَّه الواحد ضرورة حضارية للإنسانية الراقية .