لعاقلات فقط، 100 وقفة تربوية للمرأة مع رسول الله (4)

فضيلة الشيخ جمال عبدالرحمن

31– العاقلة وحسن تدللها مع زوجها:

لا شك أن الرجل الحصيف يعطي زوجته الفرصة لتمزح وتتدلل معه، بل ويدللها هو، فإن ذلك من حسن العشرة التي أمر الله تعالى بها في قوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. ﴾ [النساء: 19]، وإذا كان الأمر كذلك فلا غرابة أن نرى عائشة – رضي الله عنها – تقول: يا رسول الله، أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، وشجرة لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال صلى الله عليه وسلم: (في التي لم يرتع منها). قالت – رضي الله عنها -: فأنا هي[1].

 

ومثل هذا الحديث يدخل السرور في نفس الزوج، وهي تقصد – رضي الله عنها – أنه تزوجها بكراً، ولم يسبقه إليها أحد قبله صلى الله عليه وسلم، مثل الشجرة التي لم يؤكل منها، وهذا من حسن العشرة، وتَأَتِّي الأمور والتدلل مع الزوج. وتقول أيضاً: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم – أي سمنت – سابقني فسبقني، فقال: (هذه بتلك)[2].

 

32- العاقلة وعون زوجها على طاعة ربه:

أم كلثوم بنت الصديق – رضي الله عنهما – ترى زوجها أبا طلحة بن عبيد الله مهموماً لم ينم ليلته، وكان غنياً فتسأله عم أهمه وأقض مضجعه، فقال لها: أتاني من حضرموت سبعمائة ألف درهم، فتفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك وأصحابك؟ فإذا أتى الصباح فادع بجفان وقصاع – أواني – وقسمه بينهم، فقال لها: رحمك الله! إنك موفقة بنت موفق، فلما أصبح دعا بجفان ووضع فيها المال، فقسمه بين المهاجرين والأنصار، ولم يكد يترك لبيته شيئاً، فقالت له: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ فقال: أين أنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي، قالت: فما بقي إلا صرة فيها نحو ألف درهم[3].

 

نعم، فإن أم كلثوم زوجة أبي طلحة لم تجعل الدنيا أكبر همها، فهي تربية أبي بكر الصديق، وأخت عائشة، وزوجها أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومثلها تعد من أمهات نساء الإسلام، عون للزوج على طاعة ربه، لكننا نرى حفيداتها اليوم ولسان حالهن يقول: نفسي نفسي، فساتيني، موضتي، بيتي، حفلاتي، صديقاتي، لكن العاقلة تعلم قول الله تعالى: ﴿ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 109].

 

33- العاقلة وعون زوجها في عمله:

تقول أسماء بنت الصديق – رضي الله عنها: ـ تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه، فكنت أسوسه – أي أقوم عليه بما يصلحه – وأعلفه، وأدق لناضحه النوى، وأستقي وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير – التي أقطعه رسول صلى الله عليه وسلم – على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ – ثلاثة كيلو مترات تقريباً – قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعدُ بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني[4].

 

وقولها: فكأنما أعتقني، يدل على شدة المعاناة والتعب الذي كانت تلقاه من ذلك العمل، لكن المرأة كلما استطاعت معونة زوجها في حدود طاقتها فلتفعل، وهي في ذلك في عداد الصالحات.

 

34- العاقلة عند غضب زوجها:

لنسائنا وبناتنا في أمهات المؤمنين أسوة، وخاصة معاملة الزوج، فالزوج بشر يعتريه الغضب، وعلى العاقلة أن تمتص غضب زوجها؛ إما ببشاشتها في وجهه حتى لا يزداد في غضبه، وإما بالانصراف من أمامه حال غضبه إن كان البقاء ربما يصعد الموقف ويزيد من الغضب، وإما بسؤاله بسرعة عما أغضبه لمحاولة إزالة سبب الغضب، وإبداء الاستعداد للاعتذار وإرضاء الزوج، وهذا ما فعلته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – تقول إنها اشترت نمرقة[5] فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: أتوب إلى الله والى رسوله، ماذا أذنبت؟ قال: (ما بال هذه النمرقة؟) فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم). وقال: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) [6]. فعائشة – رضي الله عنها – اشترت وسادة أو سجادة ليجلس عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها لم تعرف أن التصاوير التي عليها ممنوعة، فلذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من خارج بيتها ورأى الصور وقف غاضباً ولم يدخل، وهي لم تعلم سبب غضبه، فبادرت بالاعتذار والتوبة مما أغضبه صلى الله عليه وسلم، فبين لها أن الصور يعذب صانعوها يوم القيامة، وإذا عذب صانعوها عذب من يستعملها مثلهم، فمزقت النمرقة وشقتها حتى شوهت الصورة، وجعلتها وسادتين.

 

ذكر ذلك ابن حجر[7] – رحمه الله – في شرح الحديث وأوردته باختصار.

 

35- العاقلة عندما يطلقها زوجها:

في أول ظهار[8] وقع في الإسلام، قال أوس بن الصامت لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وكان الظهار عند أهل الجاهلية يعد طلاقاً، فشق ذلك على زوجته، فقد كانت وحيدة، فقيرة، ذات صبية صغار، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في أمرها، فقال لها: (ما أراك إلا وقد حرمت عليه). فحزنت واشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم وحاورته وجادلته مرة بعد مرة، وهي تنظر إلى السماء وتشتكي وتقول: أشكو إلى الله مما لقيت من زوجي حال فاقتي – فقري – ووحدتي، وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني – يعني ولدت له كل ما في بطنها – وتقول: اللهم أنـزل على لسان نبيك[9]، يعني وحياً يحل المشكلة.

 

وسبحان من وسع سمعه الأصوات: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

 

وجاء الوحي بالفرج، جاء بالكفارة منزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شق رأسه صلى الله عليه وسلم.

 

ما أعظم الشكوى إلى الله واللجوء إليه حين تلجأ العاقلة إلى ربها وخالقها وقت الشدة، تدعو وتشتكي إليه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ. ﴾ [النمل: 62]، بدلاً من أن تشتكي إلى أمها وأبيها والجيران وكل من يعنيه الأمر ومن لا يعنيه، وتلجأ إلى المحاكم وشهود الزور وتطول القضية، وتسوء العاقبة.

 

36- العاقلة عندما تطلب هي الطلاق من زوجها (الخلع):

جاءت حبيبة بنت سهل زوجة ثابت بن قيس وكان مسلماً صالحاً، وكان أسود دميماً، فقالت: يا رسول الله، إن ثابت بن قيس لا أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام (أي كفران نعمة الزوج والعشير وعدم إعطائه حقه بسبب بغضها لسواده ودمامته). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟) وكان أعطاها حديقة مهراً، فقالت: نعم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال له: (طلقها طلقة). فطلقها ثابت[10].

 

وذكر الحافظ في الفتح أنها قالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبداً، إني رفعت الخباء فرأيته أقبل في عدة هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً. فقال: (أتردين…) الحديث[11].

 

وكثير من النساء إذا نوت الطلاق نوت الشقاق، لكن زوجة ثابت أتت بها صريحة صادقة، لأنها تعلم أنها سترجع إلى ربها يوماً ويحاسبها على كل شيء، فلم ترد أن تعيش مع زوجها حياة مزيفة، تبخسه فيها حقه بسبب بغضها لشكله وهيئته، وفي نفس الوقت قررت أن الطلاق “الخلع” رغبة منها، فلم تظلمه ولم تزعم أنه هو المطلق لتضيع عليه حقه ومهره، وما أحوج نساءنا لهذا الخلق.

 

37- العاقلة والحذر من المُحَلل:

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل الهدبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)[12] أي: يستمتع كل منكما بالآخر استمتاعاً كاملاً، والعسيلة: هي لذة الجماع، وشبهها النبي صلى الله عليه وسلم بذوق العسل، وجاءت عسيلة مؤنثة لتأخذ معنى النطفة[13].

 

وأيضاً الغميضاء أو الرميصاء – زوج عمر بن حزم – طلقها زوجها، فتزوجها رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: (حتى يذوق الآخر من عسيلتها…)[14] الحديث.

 

والحقيقة فإن مجيء تلك النساء لتستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواز العودة إلى الزوج الأول من عدمه يدل على الخشية من الوقوع في الحرمة والإثم، كما يدل على عدم التجرؤ على حدود الله جل وعلا، وعدم التحايل على ما يسمى (بالمحلل)، في حين أننا نرى في زماننا الجرأة الواضحة على شرط القرآن: ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾، وشرط السنة: (حتى يذوق من عسيلتها).

 

فالمرأة إذا طلقت ثلاثاً حرمت على زوجها ولا يمكنها الرجوع إليه حتى تتزوج زوجاً غيره وتعيش معه حياة عادية تفضي إليه ويفضي إليها ويستمتع كل منهما بالآخر، بحيث لا تفارقه حينئذ إلا بموته أو بطلاقه إياها طلاقاً عادياً ليس فيه التحايل والتلاعب بشرع الله وحدوده، قال الله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235].

 

38- العاقلة ورجاحة عقلها في حل مشاكل زوجها:

ها هي خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملك في غار حراء؛ ارتاع ورجف وخاف على نفسه صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى خديجة وأخبرها الخبر، تم قال: (لقد خشيت على نفسي). فوقفت خديجة – رضي الله عنها – موقف العاقلة البصيرة التي تستشف روح الأحداث، فقالت له: (كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل (المثقل بإعاشة عياله)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق[15]. فطمأنته حين قلق، وأراحته حين جهد، وذكرته بما فيه من فضائل، مؤكدة له أن الأبرار أمثاله لا يخذلون أبداً، وبهذا العقل الراجح والقلب الصالح استحقت خديجة أن يجيبها رب العالمين فيرسل إليها السلام مع الروح الأمين[16].

 

وكذلك أم سلمة رضي الله عنها وهي زوج النبي أيضاً، وكانت تعرف بأنها عاقلة حكيمة حليمة، فلما رد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة بالحديبية وأجروا معه صلحاً على أن يؤدي العمرة هو وأصحابه من العام القادم، وكان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممتعضاً لما يرى في الظاهر من إجحاف شروط المعاهدة على المسلمين، فلما تأجلت العمرة إلى العام التالي وهم محرمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). ليتحللوا من إحرامهم وعمرتهم ويعودوا إلى المدينة، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرار، فلما لم يقم منهم أحد، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة: فذكر لها ما لقي من الناس (أصحابه) فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ – أي أن يطيعوك – اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك (الإبل) وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج صلى الله عليه وسلم فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا – عجلين – فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً[17]. أي لشدة الغيظ على الكافرين.

 

بهذا الحلم ورجحان العقل من أم سلمة – رضي الله عنها – وثبات قلبها وهدوء نفسها عندما تبلغ الشدة ذروتها؛ تستطيع أيضاً كل زوجة أن تكون من أعظم أهل العقل والشورى لدى زوجها. وكم من النساء من هن أعباء فقط على أزواجهن والعاقلة لا تكون كذلك.

 

39- العاقلة ومعاملة الشابات حديثات السن:

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف).

 

ثم تقول: (فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو). وفي رواية البخاري: (التي تسمع اللهو)[18].

 

قال النووي: (وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال، نظر إلى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة فالأصح أنه محرم، وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال)[19].

 

فعائشة رضي الله عنها تريد ألا تُقهر الشابة الحديثة السن العَرِبة كما في رواية مسلم وهي المتدللة، ولا تعامل – بمجرد زواجها – معاملة الزوجة الكبيرة الخبيرة، الهادئة الزاهدة، والنبي صلى الله عليه وسلم هو خير قدوة في بيان ذلك، حتى إنه رأى مرة بنات لعائشة لُعَب، فقال: (ما هذا يا عائشة؟) قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع – رقعة جلد – فقال: (ما الذي أرى وسطهن؟) قالت: فرس، قال: (وما هذا الذي عليه؟) قالت: جناحان، قال: (فرس له جناحان؟) قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه[20].

 

فعائشة رضي الله عنها عروس، وفي بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولها لعب (بنات) تلعب بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك لأنه خير من يحسن عشرة النساء ويراعي سن الشابة والزوجة كل على قدر حالها، فهو خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم.

 

40- العاقلة ومؤهلات الزوجة الدينية:

لما ماتت خديجة رضي الله عنها، اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فسئل عن ذلك، فقال: (أجل، كانت أم العيال وربة البيت)[21]. وعندما أرادت خديجة أن يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم في تجارتها قالت: (إنه دعاني إلي البعث إليك، ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك وكرم أخلاقك)[22].

 

فما اختارته لتجارتها إلا لما فيه من صفات ومؤهلات دينية يحبها الله ورسوله، ولا تفعل ذلك إلا من فيها هذه الصفات وتلك المؤهلات.

 

قال ابن حبان: وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة… بعثت إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني قد رغبت فيك وفي قرابتك وفي أمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك[23].

 

ولما وجدت ميل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن حارثة وكان في ملك يمينها، وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام، حتى قيل إنه أول من أسلم مطلقاً[24].

 

فصدق الحديث، وعظم الأمانة، وكرم الخلق، والجود، كلها صفات ربانية، وكلها كانت مؤهلات خديجة في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لتجارتها ثم اختياره كزوج، رغم أنها قد تمناها أكابر قريش ورؤساؤها وكانت ترفضهم، ومثل هذه استحقت أن يتوجها النبي صلى الله عليه وسلم بتاج النجاح والفلاح، فيقول: (كانت أم العيال وربة البيت).

 

فانظري أيتها الأخت المسلمة كيف كانت رعاية الأولاد وإدارة البيت وساماً نبوياً على صدر خديجة – رضي الله عنها – في الوقت الذي نرى في كثير من بيوت المسلمين؛ أمر تربية الأولاد وإدارة البيت موكولاً فقط إلى الخادمة!

 


[1] رواه البخاري (5/4989).

[2] النسائي في السنن الكبرى (5/8943)، وقال الألباني: صحيح، وهو مخرج في آداب الزفاف والإرواء.

[3] سير أعلام النبلاء (1/30).

[4] البخاري (5/4926)، ومسلم وغيرهما، والناضح هو البعير أو الفرس.

[5] نمرقة: سجادة.

[6] البخاري (ج5، ح 5616)، ومسلم وغيرهما.

[7] فتح الباري (ج 10، ص 390).

[8] الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت حرام علي كظهر أمي.

[9] يراجع تفسير ابن كثير سورة المجادلة.

[10] أخرجه البخاري (ج5، ح 4971). وغيره.

[11] فتح الباري (ج9، ص 400).

[12] أخرجه ابن مندة، وأصل القصة في الصحيحين: قال مسلم: عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك). (ج2، ص 1433).

قال ابن حجر في فتح الباري: اتفقت الروايات كلها عن هشام بن عروة أن الزوج الأول، رفاعة، والثاني؛ عبد الرحمن بن الزبير… إلى أن قال: والرواية الأولى مع إرسالها مقلوبة والمحفوظ ما اتفق عليه الجماعة عن هشام. فتح الباري (9/464). قلت: والرواية الأولى ذكرت أن الزوج الأول عبد الرحمن وليس رفاعة.

[13] النهاية لابن الأثير، باب (عسل).

[14] الإصابة لابن حجر (4/373). وانظر صحيح أبي داود (2024).

[15] جزء من حديث أخرجه البخاري (ج1، ح 467)، ومسلم (ج1، ح 160) وغيرهما.

[16] جزء تسليم الله على خديجة: أخرجه البخاري (ج6، ح 7058)، ومسلم (ج4، 2432).

[17] البخاري (ج2، ح 2581، ص 978)، وابن حبان وغيرهما.

[18] مسلم (ج2، ح 892)، والبخاري (ج5، ح 4894).

[19] قاله ابن حجر: فتح الباري ج 2، ص 245، وانظر شرح النووي ج 6، ص 185.

[20] البيهقي (ج10)، وأبو داود (ج4، ح 4929)، والنواجذ هي الضواحك وهي الأنياب التي تبدو عند الضحك، وهي أيضاً أقصى الأسنان، والمراد الأول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه، وإنما يتبسم.

[21] الطبقات لابن سعد (8/57)، (الإصابة) لابن حجر، (ج7، ص 603)، وقال: سنده قوي مع إرساله.

[22] الإصابة (ج7، ص 603).

[23] ابن حبان في كتاب الثقات (ج1، ص 46).

[24] الإصابة (ج7، ص 603).