عناصر الخطبة

1/منزلة شهر رمضان ومكانته وعظيم فضله

2/الوسائل المعينة على اغتنام رمضان

أوشك أن يظلّكم شهرٌ مبارك، وموسمٌ عظيم، وموطنٌ جليل؛ تكثُر فيه الخيرات، وتعظُم فيه البركات، وتتزايد فيه النعم والمنن؛ إنه شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات، والمنن والهبات، والغفران والرحمات. نه شهرٌ يحمل خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ومننٍ لا تعد، بما شرّف الله -سبحانه وتعالى- به هذا الشهر، وبما

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، أحمده بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، أحمده جلّ في علاه على نعمه المتوالية وعطاياه المتتالية وأفضاله التي لا تُعد ولا تحصى، أحمده سبحانه على كل نعمة أنعم بها علينا في قديمٍ أو حديث، أو سرٍ أو علانية، أو خاصةٍ أو عامة، أحمده جلّ وعلا على نعمة الإيمان ونعمة الإسلام ونعمة القرآن ونعمة المعافاة في النفس والأهل؛ حمدًا كثيرا طيبا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله ربكم وراقبوه في جميع أعمالكم مراقبة من يعلمُ أنّ ربّه يسمعُه ويراه؛ وتقوى الله -جل وعلا- عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون: أوشك أن يظلّكم شهرٌ مبارك وموسمٌ عظيم وموطنٌ جليل تكثُر فيه الخيرات، وتعظُم فيه البركات، وتتزايد فيه النعم والمنن؛ إنه -أيها العباد- شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات، والمنن والهبات، والغفران والرحمات، فاحمدوا الله -عز وجل- على نعمائه، واشكروه على فضله وعطائه، وسلوه أن يبلِّغكم رمضان وأن يجعلكم من أهله حقًا وصدقا.

 

أيها المؤمنون: إنه شهرٌ يحمل خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ومننٍ لا تعد، بما شرّف الله -سبحانه وتعالى- به هذا الشهر، وبما خصه به من خصائص وبركات تبدأ من أول ليلة من لياليه، روى الترمذي في جامعه وغيرُه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذا كان أوّلُ ليْلةٍ مِنْ شهْرِ رمضان صُفِّدتْ الشّياطِينُ ومردةُ الْجِنِّ، وغُلِّقتْ أبْوابُ النّارِ فلمْ يُفْتحْ مِنْها بابٌ، وفُتِّحتْ أبْوابُ الْجنّةِ فلمْ يُغْلقْ مِنْها بابٌ، ويُنادِي مُنادٍ يا باغِي الْخيْرِ أقْبِلْ ويا باغِي الشّرِّ أقْصِرْ، ولِلّهِ عُتقاءُ مِنْ النّارِ، وذلك كُلُّ ليْلةٍ”، فانظر -رعاك الله- هذه البركات العظيمة والخيرات العميمة التي خُصّ بها هذا الشهر المبارك.

 

ولقد تكاثرت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان عظيم فضل هذا الشهر، ورفيع قدره، وعلو مكانته، وكثرة خيراته وبركاته، ولكن -يا عباد الله- كيف نغنم شهر رمضان؟ وكيف نحوز على تلك الخيرات العظام؟ وكيف ننهض للاستفادة من هذا الموسم موسم المغفرة والرضوان؟ كيف نهيئ أنفسنا لرمضان؟ وكيف نستعد؟ وكيف نقبِل بنفوسنا لنغنم خيراته وبركاته؟

فإنه -يا عباد الله- لا يليق بمؤمن ولا يصح من مسلم يدرك هذه الفضائل العظام والخيرات الكثيرة ولا يهيئ نفسه لاغتنامها ولا يرتب أوقاته لتحصيلها والفوز بها؛ ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه ونحن بين يدي استقبال رمضان: “كيف نغْنم شهر رمضان؟”، ولعلِّي -أيها العباد- أذكِّر بأمور معينة وأسبابٍ مساعدة لمن وفقه الله -سبحانه وتعالى- لتأملها والعمل بها، فإن فيها معونة لاغتنام رمضان وانتهاز هذا الموسم العظيم المبارك. وأول ذلك -أيها العباد-: الإقبال على الله بالدعاء؛ فإن الدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة، إذ إنّ الخيرات كلها بيد الله -جل في علاه-، فهو المعطي المانع، القابض الباسط، المعِز المذل، الذي بيده أزمة الأمور، فلا خيرات ولا حسنات إلا من فضله وبمنِّه وعطائه؛ فليقبِل كل عبدٍ ناصح لنفسه على الله بالدعاء أن يغنِّمه شهر رمضان، وأن يوفقه لحسن اغتنامه، وليلحّ على الله بالدعاء فإن الله -عز وجل- لا يخيب عبدًا دعاه ولا يرد مؤمنًا ناجاه، وهو القائل جل في علاه: (وقال ربُّكُمُ ادْعُونِي أسْتجِبْ لكُمْ إِنّ الّذِين يسْتكْبِرُون عنْ عِبادتِي سيدْخُلُون جهنّم داخِرِين)[غافر: 60].

 

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينة: أن يهيئ كلّ عبدٍ نفسه لحسن الصيام، فإنّ “منْ صام رمضان إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِر لهُ ما تقدّم مِنْ ذنْبِه”، ولهذا فإن الصيام ذاته يحتاج إلى حفظ وعناية ورعاية، وإن أعظم الناس أجرًا في الصيام أكثرهم لله ذكرًا فيه.

وكما أن العبد مطلوبٌ منه أن يُعنى بتكميل صيامه ذكرًا لله ودعاءً ومناجاة وتلاوة للقرآن فإن عليه في الوقت نفسه أن يحفظ صيامه من القوادح والمنقِصات، فإنه -يا عباد الله- ليس كل الصيام تعلو به الدرجات وتُنال به الفضائل والخيرات، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “منْ لمْ يدعْ قوْل الزُّورِ والعمل بِهِ فليْس لِلّهِ حاجةٌ فِي أنْ يدع طعامهُ وشرابهُ”، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كمْ مِنْ صائِمٍ ليْس لهُ مِنْ صِيامِهِ إِلّا الْجُوعُ، وكمْ مِنْ قائِمٍ ليْس لهُ مِنْ قِيامِهِ إِلّا السّهرُ”؛ ولهذا لابد من تهيئةٍ للنفس لأن يكمِّل المرء صيامه ولِيحفظ صيامه ليفوز بالخيرات العظام وليفوز بالغفران.

 

أيها المؤمنون: ومن الأمور المعينة أن يستشعر العبد أن موسم رمضان موسم غفرانٍ للذنوب، موسم عتق من النار، نعم -يا عباد الله- إنّ لله -سبحانه وتعالى- في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، نعم -عباد الله- عبادٌ تُعتق رقابهم من النار في كل ليلة من ليالي رمضان، نعم -عباد الله- لابد أن تتشوّف نفوسنا لذلك وأن تتوق قلوبنا لتحصيل ما هنالك لنكون من أهل العتق من النار ؛ بتهيئة الأسباب وإعداد العدد، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: “رغِم أنْفُ رجُلٍ دخل عليْهِ رمضانُ ثُمّ انْسلخ قبْل أنْ يُغْفر لهُ” إنها مصيبة عظمى، وبليّة كبرى أن يدخل هذا الشهر العظيم بخيراته وبركاته، وما فيه من الرضوان والغفران ثم يخرج دون أن يحصِّل فيه العبد هذا الخير العظيم والفضل العميم.

 

أيها المؤمنون: ومن الأمور المهمة في هذا الباب: أن يروِّض العبد نفسه في رمضان على حُسن القيام في لياليه المباركات جماعةً مع المسلمين في المساجد يقوم مع إمامه حتى ينصرف، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: “منْ قام رمضان إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِر لهُ ما تقدّم مِنْ ذنْبِهِ”، ويقول عليه الصلاة والسلام: “منْ قام مع الإِمامِ حتّى ينْصرِف كُتِب لهُ قِيامُ ليْلةٍ”.

 

أيها المؤمنون: وليحذر العبد الناصح لنفسه الحريص على سعادتها وفوزها من قواطع الطريق ومعوقات السير، فإن أعداء الله -جل وعلا- وحملة الرذيلة يدأبون دأبًا شديدا على تفويت الناس خيرات رمضان وبركاته، ولاسيما من خلال البرامج المعدّة مسبقا من أفلامٍ هابطة ومسلسلاتٍ دنيئة وأمورٍ متعددة يضعونها عثرةً في طريق الصائمين وعقبةً تحول بين كثير منهم وبين تحصيل بركات الصيام وخيراته العظام، حتى إن بعض هؤلاء ليدعو إلى برامجه السيئة على مائدة الإفطار ليكون من ينتمي إليه ويصغي إلى ما ينشر ويبُث مفطرًا على هذه الآثام -أعاذنا الله -سبحانه وتعالى- جميعًا من ذلك، وحمانا وذرياتنا وحفظ لنا صيامنا وقيامنا-.

 

أيها المؤمنون: ومن الأمور العظيمة في هذا الباب: العناية في رمضان بالقرآن، فإن لرمضان خصوصية عظمى بذلك، بل إنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن: (شهْرُ رمضان الّذِي أُنْزِل فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ وبيِّناتٍ مِن الْهُدى والْفُرْقانِ)[البقرة: ١٨٥]، ولهذا -أيها العباد- ينبغي للمؤمن أن يرتب لنفسه وظيفةً مستمرة في أيام رمضان مع كتاب الله -عز وجل- قراءةً وتدبرًا ومجاهدةً للنفس على تحقيق هدايات القرآن، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنّ هذا الْقُرْآن يهْدِي لِلّتِي هِي أقْومُ)[الإسراء: 9] وقال تعالى: (كِتابٌ أنْزلْناهُ إِليْك مُباركٌ لِيدّبّرُوا آياتِهِ ولِيتذكّر أُولُو الْألْبابِ)[ص: 29].

 

أيها العباد: وليُعن العبد المؤمن في رمضان بالبذل والنفقة والصدقة والجود والسخاء تأسيًا بالنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ففي الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “كان رسُولُ اللّهِ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم- أجْود النّاسِ، وكان أجْودُ ما يكُونُ فِي رمضان”.

 

أيها المؤمنون: وكما أن المرء يعنى بنفسه في رمضان فليُعن في الوقت نفسه بأهله وولده حثًا وتشجيعا وتحفيزًا على الخيرات لتكون بيوتاتنا بيوتات إيمان وطاعة ونيل لرضوان الله -سبحانه-.

 

اللهم يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام بلِّغنا أجمعين رمضان، وغنِّمنا خيراته وبركاته يا منان، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

 

أيها المؤمنون: إن لم تتحرك النفوس في المواسم الفاضلة بطاعة الله وطلب مغفرته ورضوانه فمتى عساها أن تتحرك؟ ولهذا -عباد الله- لنجاهد أنفسنا مجاهدة يرجو بها العبد رضوان الله وغفرانه، والله -تعالى- يقول: (والّذِين جاهدُوا فِينا لنهْدِينّهُمْ سُبُلنا وإِنّ اللّه لمع الْمُحْسِنِين)[العنكبوت: 69].

 

والكيِّس -أيها العباد- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

 

أصلح الله لنا أجمعين النية والقول والعمل.

 

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنّ اللّه وملائِكتهُ يُصلُّون على النّبِيِّ يا أيُّها الّذِين آمنُوا صلُّوا عليْهِ وسلِّمُوا تسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: “منْ صلّى عليّ صلاةً صلّى الله عليْهِ بِها عشْرًا”.

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. اللهمّ وارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ الصدِّيق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهمّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا، وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

 

اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا كل شر.

 

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقّه وجلّه، أوله وآخره، علانيته وسره، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

ربنا إنّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.