بقلم الاستاذ/ محمد شاهين التاعب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله  محمد -صلى الله عليه وسلم -اما بعد 

فإذا تكلمنا مع أحد المسيحيين في موضوع التوحيد, أهم ما حرص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته, المسيحي يعتقد أن التثليث توحيد, وأن التوحيد تثليث, طالما لا يدعو غير الله .. إلخ, كيف أوضِّح له فى دقائق أن العيقدة الإسلامية هي عقيدة التوحيد وغيرها أو التثليث أقرب إلى الوثنية, وشكراً

_______________

في البداية, حتى تستطيع توصيل المعلومة جيداً

يجب عليك إدراك الفرق بين هذه العقائد الثلاثة

أولاً: تعدد الآلهة والألوهيات في الوثنية (polytheism, multi-personal)

ثانياً: تعدد الآلهة و وحدانية الألوهية في المسيحية (monotheism, tri-personal)

ثالثاً: أحدية الإله والألوهية في الإسلام (monotheism, uni-personal)

وقبل أن أشرح الفرق بين العقائد الثلاثة أريد أن أسأل سؤالاً أولاً

_______________

إذا كان التَّوحيد مفهوماً و واضحاً بشكل بديهي لكل الناس

هل نستطيع فهم التثليث من أجل توصيل الفرق بينها وبين التَّوحيد للمسيحي ؟

والإجابة: نعم, التثليث مفهوم جداً ومعقول و واضح إلا في نقطة واحدة

وهذه النقطة غير المعقولة هي: أن هؤلاء الثلاثة إلهٌ واحد !

بمعنى: شرح معنى أقنوم, ومعنى جوهر إلهي, ومعنى جوهر واحد وثلاثة أقانيم

كل هذه المصطلحات مفهومة جداً وبسيطة جداً يستطيع أي إنسان استيعابها

ولكن النقطة التي لن تفهمها أو تعقلها أبداً هي أن ثلاثة يكونون واحداً !

_______________

والآن نأتي إلى سؤال آخر

كيف أستطيع فهم التثليث ؟

ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال, يجب أن نعلم أولاً, أي تثليث هو الصحيح ؟

ما معنى هذا الكلام ؟ سأقوم بالتوضيح حالاً

_______________

لماذا يفهم المسيحي أن التثليث هو التوحيد وأن التوحيد يحتمل التثليث ؟

لأن التثليث الذي يقوم الآباء الكهنة بشرحه للمسيحيين ليس هو تثليث الآباء الأوائل

ألم تسمع من قبل من أي مسيحي أن التثليث كالآتي:

الله موجود بذاته, حي بروحه, ناطق بكلمته !

ذات الله هو الآب, روح الله هو الروح القدس, كلمة الله هو الابن

لا شك أنك سمعت هذا الكلام مراراً وتكراراً

والكلام بشكل عام يوضِّح أن المسيحي يعبد إلهاً واحداً

والآب والابن والروح القدس مُجرَّد صفات إلهية !

هذا الشرح الخاطئ للتثليث هو السبب في أن المسيحي يعتقد أنه “مُوَحِّد“

مثله مثل أي مسلم يعبدُ إلهاً واحداً, وأن هذا الإله مُتَّصِف بصفات

هذا هو شرح التثليث الذي نسمعه من المُنصِّرين

ولكن هذا ليس تثليث الآباء الأوائل الذين وضعوا قانون الإيمان

_______________

بداية: لابد أن نفهم أن التثليث لم يكن موجوداً في المسيحية الأولى

رسائل بولس لا تشرح التثليث ولا تقول به

الأناجيل لا تشرح التثليث ولا تقول به

ولكن بدأت عقيدة التثليث تتطور شيئاً فشيئاً

وهذا هو قول الله عز وجل:

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [النساء : 171]

فهذا “الغلو” أدى إلى الكذب على الله عز وجل

وعبادة المسيح عليه السلام مع الله عز وجل

ثم إلى عبادة “روح القدس” مع الله عز وجل والمسيح عليه السلام

فأصبحوا ثلاثة, لذلك الله عز وجل يقول:

{وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}

_______________

أولاً

بداية الغلو كانت بعبادة المسيح عليه السلام “الإنسان” مع الله الواحد

ولكن هؤلاء الذين عبدوا المسيح “الإنسان” مع الله

كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الله عز وجل أعظم منه

_______________

ثانياً

ثم زاد “الغلو” في المسيح عليه السلام إلى أن قاموا بمُساوته بالله عز وجل

فقالوا إن المسيح عليه السلام مولود من الله قبل كل الدهور

وبهذه حققوا بزعمهم نقطتين وهما:

الأولى: جعلوا المسيح عليه السلام ابناً مولوداً فأصبح وارثاً لألوهية أبيه

الثانية: جعلوا المسيح عليه السلام أزلي بأزلية الله عز وجل (هذا بزعمهم)

_______________

ثالثاً

ثم وصل “الغلو” إلى أعلى مستوى عندما قاموا بمُساواة “روح القدس“

بالله عز وجل وبالمسيح عليه السلام الَّذَين قاموا بمُساواتهما من قبل

عندما قالوا أن “روح القدس” مُنبثق من الآب, ولذلك فقد أخذ منه الألوهية أيضاً

كما أن بولادة المسيح عليه السلام من الآب أخذ منه الألوهية

فأصبح عند المسيحيين ثلاثة يُعبدون, وهؤلاء الثلاثة من ألوهية واحدة

هذا المُستوى من “الغلو” لم يحدث إلا في القرن الرابع والخامس الميلادي

آباء ما قبل مجمع نيقية 325م لم يكن لديهم عقيدة “المُساواة“

_______________

تلخيصاً لما سبق

المسيحي لا يعلم التثليث الحقيقي الذي شرحه الآباء

عقيدة التثليث جاءت بسبب “الغلو” في المسيح عليه السلام

تطورت عقيدة التثليث عبر الأزمنة حتى استقرت بمُساواة الثلاثة

وهذا كان في القرن الرابع الميلادي

إذن: من أراد أن يعرف الثالوث الحقيقي الذي وضعه الآباء

عليه أن يرجع إلى كتابات آباء القرن الرابع والخامس الميلادي

_______________

والآن: لنرجع إلى سؤالنا السابق بعد أن عرفنا التثليث المطلوب فهمه

كيف أستطيع فهم التثليث ؟

تستطيع فهم التثليث من خلال الآتي:

1- تعريف الآباء للمُصطلحات الـمُستخدمة في شرح الثالوث

2- شرح الآباء للثالوث مُستخدمين الـمُصطلحات التي وضعوها

3- دراسة الهرطقات التي هاجمت أي عقيدة من العقائد الخاصة بالثالوث

4- مُطالعة الأيقونات والرسومات الـمُستخدمة لشرح وتوضيح الثالوث

5- مُطالعة الصلوات والقُدَّاسات التي تخص الثالوث

6- أخيراً: الـمُقارنة بين الإسلام والمسيحية والوثنية

_______________

أولاً: تعريف الآباء للمُصطلحات الـمُستخدمة في شرح الثالوث

أهم المُصطلحات التي استخدمها الآباء لشرح الثالوث الآتي:

1- أوسيا (ουσια) الجوهر أو الطبيعة العامة

الجوهر هو مُكوِّن الشخص والذي يعطيه صفاته

والجوهر شيء معنوي, ليس كائناً بذاته

بمعنى: الإنسانية تُعتبر جوهر

ولكن لا تستطيع أن تدرس الإنسانية إلا بدراسة “إنسان“

فليس للإنسانية وجود ذاتي, بل هي ساكنة في الإنسان والإنسان قائم بها

والجوهر الإنساني, أو الإنسانية لها صفات

مثل: الإنسان يموت, الإنسان يجوع, الإنسان يعطش, الإنسان يحتاج أن يتعلم … إلخ

فكل الذين هم من هذا الجوهر الإنساني, أي كل الناس قاطبة

يتَّصفون بجميع صفات هذا الجوهر, الإنسانية

أيضاً بالنسبة للثالوث: هُناك جوهر الألوهية

والتي هي كيان الآلهة أو المعبودات الثلاثة عند المسيحيين

الآب والابن والروح القدس

الجوهر الإلهي أو الطبيعة الإلهية

ببساطة, ما يجعل الإله إلها أو الصِّفات الإلهية

مثل: الإله لا يموت, الإله لا ينام, الإله له قدرة مُطلقة وعلم مُطلق … إلخ

_______________

2- هوبوستاسيس (υποστασις) الأقنوم: ذات قائمة بنفسها من جوهر مُعين

الأقنوم هو الكائن الحقيقي الذي له وجود وإرادة

فبما أنك إنسان له كيان حقيقي و وجود وإرادة, فأنت أقنوم

وهكذا شرح الآباء كلمة أقنوم, أنه الشخص

والطبيعة العامة أو الحقيقة المُشتركة هي الجوهر

وإن شئت, قُم بمُراجعة كلام:

كيرلس الإسكندري في كتابه حوار حول الثالوث

[فحينما نقول “إنسان” بشكل عام فهو ليس بطرس ولا بولس, وحينما نقول توما وبطرس فنحن نخرج من حدود ما نسميه بالجوهر الواحد, وهذا لا يُقلِّل من كل منهم “كإنسان“, فقد أظهرناه موجوداً بأقنومه الخاص. إذن, الجوهر هو لكل إنسان دليل على النوع, أما الأقنوم فهو يُطلق على كل واحد في ذاته, دون أن ننسى أنه يُشير أيضاً إلى شركة الجوهر ولكن دون أن نخلط بين العام والخاص.]

(كيرلس الإسكندري: حوار حول الثالوث, الجزء الأول, الحوار الأول, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, نصوص آبائية 127, طبعة ثانية مُنقحة – صـ59, 60.)

إذن: إنسان أو إنسانية, وصف عام لا تحدد شخصاً فهذا هو الجوهر

وعندما أقول محمد أو أحمد أو بولس أو بطرس, فهذا تحديد لشخص, فهذا هو الأقنوم

_______________

3- هوموأووسيوس (ομοουσιος) واحد في الجوهر

هذه هي العبارة التي وُضِعَت في قانون الإيمان المسيحي

القانون يقول: نؤمن برب واحد يسوع المسيح, إبن الله الوحيد, المولود من الآب قبل كل الدهور, نور من نور, إله حق من إله حق, مولود غير مخلوق, (ὁμοούσιον τῷ Πατρί | هوموأووسيون توو تو باتري) واحد مع الآب فى الجوهر, الذى به كان كل شئ

وهذه العبارة “واحد مع الآب في الجوهر“

لم تستخدم قط في حق المسيح عليه السلام قبل مجمع نيقية 325م

وتم استخدامها لتوضيح أن ألوهية الآب وألوهية الابن واحدة

لذا فلا فرق بينهما في الصِّفات, فإنهما في حالة مُساواة كاملة

_______________

مثال حتى نفهم المُصطلحات الثلاثة بشكل جيد

تخيل أن ليدان مُكعَّب صلصال

هذا المُكعَّب لونه أحمر وبرائحة التُّفاح (الجوهر)

سنصنع من هذا المُكعَّب الواحد ثلاثة تماثيل (وحدانية الجوهر)

التمثال الأول (الأقنوم الأول) سيكون لونه أحمر ورائحته تفّاح (الجوهر)

والتمثال الثاني (الأقنوم الثاني) سيكون لونه احمر ورائحته تفّاح (الجوهر)

التمثال الثالث (الأقنوم الثالث) سيكون لونه أحمر ورائحته تفّاح (الجوهر)

إذن, في النهاية لدينا الآتي

“جوهر” واحد (الصلصال الأحمر برائحة التُّفاح)

ثلاثة “أقانيم” (التماثيل الثلاثة من الصلصال الواحد)

هؤلاء الثلاثة متساوون لأنهم يتصفون بجميع صفات الجوهر (الصلصال)

فالثلاثة لونهم أحمر, ورائحتهم تفّاح !

وبالمُناسبة: الكنيسة تستخدم تعبير: جوهر واحد, ثلاثة أقانيم

للتعبير عن الفهم الأرثوذكسي الصحيح للثالوث

وسوف أرجع إلى هذه النقطة مرة أخرى بعد قليل

_______________

ثانياً: شرح الآباء للثالوث مُستخدمين الـمُصطلحات التي وضعوها

لقد قرأنا مُنذ قليل كلام كيرلس الإسكندري وهو يشرح الفرق بين الجوهر والأقنوم

هُناك كتابات أخرى كثيرة لآباء الكنيسة تستطيع أن تستخرج منها مثل هذه الشروحات

فهذه الشروحات توضِّح تماماً المعنى الحقيقي لهذه للمُصطلحات المُستخدمة في شرح التثليث

أنصح بقراءة الآتي:

ضد الآريوسيين – لـ أثناسيوس الرسولي

حوار حول الثالوث – لـ كيرلس الإسكندري

مساو للآب في الجوهر – لـ يوحنا ذهبي الفم

شرح الإيمان المسيحي – لـ أمبروسيوس أسقف ميلان

مجمع خلقيدونية إعادة فحص (بحث تاريخي لاهوتي) – لـ الأب ف. سي. صموئيل

الإيمان بالثالوث (الفكر اللاهوتي الكتابي للكنيسة الجامعة في القرون الأولى) – لـ توماس ف. تورانس

مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية – لـ الأنبا بيشوي

_______________

ثالثاً: دراسة الهرطقات التي هاجمت أي عقيدة من العقائد الخاصة بالثالوث

يقول المثل: بالضد تُعرَف الأشياء

“هرطقة” كلمة من أصل يوناني تعني اختيار العقيدة الباطلة وترك الحق عمداً

فإذا قمت بدراسة الهرطقات المتعلقة بالتثليث ستفهم تثليث الآباء الصحيح

فإذا عرفت أن القول بأن الأقانيم صفات لذات إلهية هرطقة

ستفهم أن تثليث الآباء يستلزم عبادة ثلاثة ذوات إلهية على الحقيقة

وستعرف أيضاً أن التثليث الذي يشرحه المنصِّرون عبارة عن هرطقات في حكم الآباء الأوائل

_______________

رابعاً: مُطالعة الأيقونات والرسومات الـمُستخدمة لشرح وتوضيح الثالوث

الأيقونات عبارة عن تصوُّر المسيحي لعقيدة مُعيَّنة

وهناك أيقونات كثيرة جداً تصوِّر الثالوث

غالباً ما تُظهر الثالوث على هيئة ثلاثة رجال أو ثلاثة أشخاص

من هُنا تستطيع أن تفهم أن الثالوث فعلا عبادة ثلاثة

_______________

خامساً: مُطالعة الصلوات والقُدَّاسات التي تخص الثالوث

عندما تتأمل في الصلوات والقدّاسات التي فيها يدعو المسيحي لأقانيم الثالوث

تُدرك جيداً أن المسيحي يُخاطب ثلاثة, وليس فقط إلهاً واحداً

_______________

سادساً: الـمُقارنة بين الإسلام والمسيحية والوثنية

نعود مرة أخرى إلى بداية الموضوع, الفرق بين العقائد الثلاثة

أولاً: تعدد الآلهة والألوهيات في الوثنية (polytheism, multi-personal)

ثانياً: تعدد الآلهة و وحدانية الألوهية في المسيحية (monotheism, tri-personal)

ثالثاً: أحدية الإله والألوهية في الإسلام (monotheism, uni-personal)

_______________

في الوثنية

لا توجد آلهة مُتساوية, بل كل إله له قدراته الخاصة به

فهُناك إله للبحر, وإله للحرب, وإله للحب, وإله للرسائل … إلخ

فلأن كل إله له صفاته وقدراته الخاصة به

هذا يعني أن جوهر الألوهية ليس واحدة

فهذه هي تعدد الألوهيات polytheism

وتعدد الآلهة تعني multi-personal

بالمُناسبة: الإله لُغتة هو المعبود بحق أو بغير حق

_______________

في المسيحية

الآلهة أو المعبودات (الآب والابن والروح القدس) متساوية

أي أن هؤلاء الثلاثة من جوهر إلهي واحد monotheism

ولكن هناك أكثر من شخص أو أقنوم إلهي

بمعنى: الآب شخص إلهي, والابن شخص إلهي, والروح القدس شخص إلهي

والآب ليس هو الابن, ولا الروح القدس

والابن ليس هو الآب, ولا الروح القدس

والروح القدس ليس هو الآب, ولا الابن

فهؤلاء ثلاثة على الحقيقة, وليسو شخصاً أو أقنوماً إلهياً واحداً

تلخيصاً: الفرق بين المسيحية والوثنية في نقطتين

الأولى: المسيحية تُحدد عدد الأشخاص الإلهية في ثلاثة فقط

أما في الوثنية فليس هناك عدد مُحدد للأشخاص الإلهية

الثانية: المسيحية تقول بمُساواة الأشخاص الإلهية في القدرة والعظمة وكل شيء

أما في الوثنية فهُناك تفاوت بين الأشخاص الإلهية في القدرة والعظمة وغيرهما

وبالمُناسبة: عبارة monotheism لا تعني توحيد, وسأوضِّح هذا الآن

_______________

التوحيد في الإسلام

يوجد شخصاً إلهياً واحداً تنحصر فيه الألوهية وحده

وهكذا, فإن عبارة monotheism تحدد الألوهية فقط

فالمسيحية تقول بألوهية واحدة ولكن بأكثر من إله

عبارة monotheism إذاً وحدها لا تكفي

فلابد من إضافة عبارة أخرى وهي uni-personal God

والتي تعني أنه لا يوجد إلا شخصاً إلهياً واحداً

تأمل كلام توماس تورانس في كتابه الرائع الإيمان بالثالوث

[ومن هنا تم قبول صيغة “ثلاثة أقانيم (أشخصا)” (τρεις υποστασεις), و“جوهر واحد” (μια ουσια), وصارت هذه الصيغة تُعبِّر عن الفهم الأرثوذكسي الصحيح للثالوث القدوس, إذ أنها من ناحية تتجنب فكرة أن الله أقنوم واحد(unipersonal), كما أنها من الناحية الأخرى تتجنب فكرة تقسيم الله إلى ثلاثة آلهة(tritheistic).]

(توماس ف. تورانس: الإيمان بالثالوث (الفكر اللاهوتي الكتابي للكنيسة الجامعة في القرون الأولى), مكتبة باناريون, الطبعة الأولى – صـ254, 255.)

لعل الآن نكون قد فهمنا الفرق بين:

تعدد الآلهة والألوهيات الوثني (جواهر إلهية كثيرة وأقانيم كثيرة)

والثالوث المسيحي (جوهر إلهي واحد وثلاثة أقانيم)

والتَّوحيد الإسلامي (جوهر إلهي واحد وأقنوم واحد)

_______________

الـ لا معقول في الثالوث

الذي لا تستطيع أن تعقله إطلاقاً بخصوص الثالوث هو

أن الأقانيم الثلاثة إلهٌ واحد, رغم أنهم ثلاثة أشخاص إلهية على الحقيقة

وقد اعترف آباء الكنيسة بأن هذا أمر فوق مستوى العقل البشري

وعلى المسيحي المؤمن أن يقبل هذا بإيمانه دون أن يخوض فيه

تأمل كلام كيرلس الإسكندري في كتابه حوار حول الثالوث

[إرميا: لكن إن قالوا إنه لو قبلنا بوجود ثلاثة أقانيم, فإنه سيُمكن أن نفهم حينئذٍ أن الألوهة مُثلثة(أي يوجد ثلاثة آلهة). كيرلس: بالنسبة لنا فإن الحقيقة الإلهية تُعلِّمنا أن الأمور ليست هكذا. لأننا قد تعمَّدنا باسم الآب والابن والروح القدس,وبالطبع لا نقول إننا نؤمن بثلاثة آلهة, لكن بألوهة واحدة مُمجَّدة في الثالوث القدوس. فلماذا إذاً تتسرع مُحاولاً أن تُخضع تلك الأمور التي تفوق العقل لأفكار بشرية, تلك الأمور التي اعتقد أنه يجب أن يُنظر إليها فقط بالإيمان الخالي من كل شك ؟ لأن التساؤل عن ماهية الثالوث وعن طبيعة الألوهة هو أمر غير لائق بالمرة ويدل على عدم التقوى. وعلى عكس ذلك فإن التقوى هي أن نرغب في أن نُفكِّر بطريقة سليمة كيف أننا نسجد للثالوث القدوس الإله الواحد.]

(كيرلس الإسكندري: حوار حول الثالوث, الجزء الثاني, الحوار الثالث, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, نصوص آبائية 90, طبعة ثانية مُنقحة – صـ10 إلى 14.)

المقصود بهذه العبارة: “الألوهة مُثلثة

أي: أن الألوهية الواحدة موجودة في ثلاثة معبودات أو ثلاثة أشخاص إلهية

وهذا هو التثليث فعلاً … !

أنظر إلى رد كيرلس الإسكندري: وبالطبع لا نقول إننا نؤمن بثلاثة آلهة

قال هذا بعد أن ذكر ثلاثة: الآب والابن والروح القدس

في النهاية يقول إن هذه أمور تفوق العقل ويجب أن يُنظر إليها فقط بالإيمان

قال هذا لأنه يعلم جيداً أن شرحه للثالوث

يستلزم وجود ثلاثة معبودات أو آلهة أو أشخاص إلهية

_______________

بعد كل هذا الشرح الطويل, نرجع للسؤال الأساسي

كيف أوضِّح في دقائق أن التوحيد في الإسلام فقط

وأن عقيدة الثالوث تعني عبادة ثلاثة آلهة ؟

الإجابة ببساطة

توضَّح للمسيحي أن التوحيد الذي أمر به المسيح هو

انحصار الألوهية الحقيقية في شخص إلهي واحد فقط

وأن الثالوث يعني ثلاثة أشخاص إلهية

كيف أقوم بإثبات هذا ؟

الخطوة الأولى: النص المشهور جداً في إنجيل يوحنا 17 : 3

وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت (الآب) الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته

الخطوة الثانية: إثبات أن الآب والابن معاً بمثابة رجلين !

انظر إلى هذه النصوص من إنجيل يوحنا 8 / 16-18

(16 وإن كنت أنا أدين فدينونتي حق لأني لست وحديبل أنا والآب الذي أرسلني. 17 وأيضا في ناموسكم مكتوب: أن شهادة رجلين حق. 18 أنا هو الشاهد لنفسي و يشهد لي الآب الذي أرسلني».)

انظر جيداً إلى هذا الكلام

المسيح عليه السلام بحسب إنجيل يوحنا يقول: لأني لست وحديبل أنا والآب

إذن: عندما يقول المسيح أن الآب هو الإله الحقيقي وحده, هذا يعني أن ليس معه الابن

لأن عندما يكون الآب مع الابن لا يكون الابن وحده

أو بأسلوب آخر: لا يكون الآب وحده

ثم قال المسيح عليه السلام بحسب إنجيل يوحنا: شهادة رجلين حق

المسيح عليه السلام يُريد أن يثبت أحقية الشهادة, لذلك سيقوم بعدّ رجلين

الرجل الأول للشهادة هو المسيح عليه السلام نفسه: أنا هو الشاهد لنفسي

والرجل الثاني للشهادة هو الله الآب: يشهد لي الآب الذي أرسلني

وهكذا, تنتفي الوحدانية عندما يكون الآب مع الابن

والمسيح قال إن الآب هو الإله الحقيقي وحده

وهذا يدل دلالة قطعية أن الثالوث عبادة ثلاثة وتنفي الوحدانية تماماً

_______________

هُناك نقطتان في غاية الأهمية

النقطة الأولى: التَّوحيد ليس فقط الإيمان بإله واحد

بعض الناس يظنون أن التوحيد هو الإيمان بإله واحد فقط, وإلى هنا تنتهي التوحيد

وهذا خطأ كبير جداً جداً, فالتوحيد ينقسم إلى قسمين

قسم خاص بإيمانك بالله عز وجل (توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصِّفات)

وقسم خاص بأعمالك أنت المبنية على إيمانك بالله (توحيد الألوهية)

لذلك, الشخص الذي يطلب الشفاء من غير الله عز وجل يُعتبر مُشركاً وليس موحِّداً

وهكذا يفعل المسيحيين مع شفعائهم القديسين بزعمهم

النقطة الثانية: استخدام لفظ الجلالة الله بالنسبة للمسيحية

في بداية التاريخ المسيحي, عندما لم يكن هُناك تثليث

لفظ الجلالة الله لم يُستخدم إلا للآب فقط لا غير

وعندما تطورت العقيدة المسيحية وحدث غلو في المسيح عليه السلام

أصبح استخدام لفظ الجلالة الله للإشارة إلى جوهر الألوهية وليس للإله المعبود

بمعنى: تجد المسيحي يقول إن الآب هو الله, والابن هو الله, الروح القدس هو الله

يقصد بهذا أن الثلاثة من جوهر ألوهية واحد

ولكن عندنا في الإسلام, لفظ الجلالة الله, اسم علم على ذات الله تبارك وتعالى

_______________

آسف جداً على الإطالة

ولكني شعرت أن هذه المعلومات لازمة لإصال الإجابة بشكل كامل

غفر الله لي ولكم وتقبل الله منّا صالح الأعمال

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

_______________

للفائدة

الاستماع إلى هذه المُحاضرات

من سلسلة: العلم والمعرفة – مدخل إلى مُقارنة الأديان – الرد على الأنبا بيشوي

عقيدة ألوهية المسيح عند المسيحيين وعلاقته بالتثليث والتجسد

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء الأول – تكفير النصارى لثلاث واسم الله الأحد

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء الثاني – كلمة منه والتثليث واسم الله الصمد

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء الثالث – الصمدية ضد البنوَّة والتثليث

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء الرابع – ألوهية المسيح وعقيدة التجسُّد

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء الخامس – التثليث من القرآن الكريم

عقائد النصارى والآيات القرآنية – الجزء السادس – الثالوث وثالث ثلاثة

أيضاً الاستماع إلى:

عقائد مسيحية غير كتابية الثالوث

عقائد مسيحية غير كتابية التجسد

شرح كتاب تحريف أقوال يسوع الدِّيانات الكِتابيَّة – الجزء الأول

مناظرة بعنوان الثالوث إله واحد أم ثلاثة مع الأستاذ أبانوب

مسألة الجوهر والذات الإلهية بين الإسلام والمسيحية

أيضاً الاطلاع على:

مدخل إلى العهد الجديد عقائد مسيحية غير كتابية الثالوث والتجسد