قَوَاعِدُ فَهْمِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ (3)

قَوْلُهُ: (تَرْكُ الاِسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاِحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ العُمُومِ فِي المَقَالِ): أي تَرْك الاستفصالِ في وقائع الأحوال مع وجود الاحتمال يُنزَّل منزلةَ العموم في المقال كما أخبر الإمام الشافعي، وغَيرُهُ[1].

وإيضاح هذه القاعدة أن يقال: إذا سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حُكم واقعة من الوقائع، وكانت الواقعة المسؤول عنها مما يحتمل أن تقع على صورتين فأكثر، فأجاب عنها دون استفصال عن الصورة الواقعة، فإنَّ الحكْمَ المذكور في الجواب النبوي، يكون صادقًا على كلتا الصورتين.

ولو أراد أن يكون حكمُهُ صادقًا على إحداهما دون الأخرى، وجب عليه إما أن يستفصل، ويحكم على المتحصِّل بالاستفصال، وإما أن يُقيِّدَ في كلامه، فيقول: إن كان كذا فالحكم كذا[2].

مثال: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَسْلَمَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ وَتَحْتَهُ عَشَرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ))[3].

الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل غَيلانَ رضي الله عنه عن كيفية عَقْده على نسائِه هل عقدَ عليهن بعقدٍ واحد في وقتٍ واحد، أو عقد عليهن بعقود متعدِّدة في أوقات مختَلِفة؟

فكان إطلاقُه القولَ دالًّا على العموم؛ أي: لا فرق بين عقده عليهنَّ بعَقدٍ واحدٍ في وقت واحد، أو عقده عليهنَّ بعقود متعددة في أوقات مختلفة[4].

وهذه قاعدة في الإفتاء معروفة:

مثال: أن يقول المستفتي في الميراث: رجل ترك زوجةً، وأمًّا، وأبًا.

فينبغي للمفتي أن يسأل: هل ترك ولدًا أو ولد ابن؟ لأن الحكم يختلف في حال وجوده عن حال عدمه.

وكذلك يسأل: هل ترك من الإخوة اثنين فأكثر؟

ولكن لا حاجة إلى أن يسأل: هل ترك عمًّا أو خالًا؛ إذ إن ذلك لا يؤثِّر في قسمة التركة[5].

——————————————————————————–

[1] انظر: البرهان في أصول الفقه، للجويني (1/ 122)، وقواطع الأدلة، للسمعاني (1/ 225)، والمحصول، لابن العربي، صـ (78)، والمحصول، للرازي (2/ 386-387)، والمُسَوَّدَة في أصول الفقه، صـ (108-109)، والفروق، للقرافي (2/ 91)، وشرح تنقيح الفصول، للقرافي، صـ (186)، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للإسنوي، صـ (337-338)، ونهاية السول شرح منهاج الأصول، للإسنوي، صـ (191)، والبحر المحيط في أصول الفقه (4/ 201-202)، والقواعد والفوائد الأصولية، لابن اللحام، صـ (311)، والمختصر في أصول الفقه، لابن اللحام، صـ (166)، والتحبير شرح التحرير (5/ 2387)، وغاية الوصول في شرح لُب الأصول، لزكريا الأنصاري، صـ (77)، وشرح الكوكب المنير (3/ 171-172)، وإرشاد الفحول (1/ 330).

[2] انظر: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على الأحكام الشرعية، د. محمد بن سليمان الأشقر (2/ 80-81).

[3] صحيح: رواه أبو داود (2241)، والترمذي (1128)، وابن ماجه (1952)، وأحمد (4609)، ومالك (76)، والشافعي في المسند، صـ (274)، بألفاظ مختلفة، وصحَّحه الألباني.

[4] انظر: البرهان في أصول الفقه، للجويني (1/ 122)، وقواطع الأدلة، للسمعاني (1/ 225)، والمحصول، لابن العربي، صـ (78)، والمحصول، للرازي (2/ 386-387)، والفروق، للقرافي (2/ 91)، وشرح تنقيح الفصول، للقرافي، صـ (186)، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للإسنوي، صـ (337)، ونهاية السول شرح منهاج الأصول، للإسنوي، صـ (191)، والبحر المحيط في أصول الفقه (4/ 201-202)، والتحبير شرح التحرير (5/ 2387)، وغاية الوصول في شرح لُب الأصول، لزكريا الأنصاري، صـ (77)، وشرح الكوكب المنير (3/ 171-172)، وإرشاد الفحول (1/ 330).

[5] انظر: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على الأحكام الشرعية (2/ 81).