فوائد متعلقة بيوم عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق، نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فإنّ الله تعالى يصطفي من يشاء وما يشاء، فاصطفى من الملائكة رسلًا ومن الناس، واصطفى من المكان مكانًا، ومن الزمان زمانًا.

ومن تلك الأيام التي اصطفى اللهُ يومَ عاشوراء، خصه الله بحدَثٍ معلومٍ، وخصه بعبادةٍ معلومةٍ، وخصه بفضلٍ معلومٍ.

وفيما يأتِي فوائدُ متعلقةٌ بهذه اليوم الفاضل:

الفائدة الأولى: في حده ومعناه:

يوم عاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرم على الصّحيح، وهو قول جمهور العلماء، فعاشوراء مُشتقٌ من اليوم العاشر.

قال القرطبي رحمه الله: «عاشوراء معدولٌ عن عاشرة للمبالغة والتعظيم».

الفائدة الثانية: في فضل هذا اليوم:

ترجع فضيلة هذا اليوم إلى أمور:

منها: أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وجنده.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه.

ومنها: أنه في أعظم الشهور شهر الله المحرم.

ومنها: أن لصيامه فضيلة عن غيره من الأيام.

الفائدة الثالثة: في مشروعية صيامه:

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأنا أحقّ بموسى منكم »، فصامه وأمر بصيامه».

الفائدة الرابعة: في حُكْمِ صيامه:

كان صيام عاشوراء فريضةً أول الأمر، فأمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمرَ وجوبٍ، حتّى أنّه كان قد أمر من تناول الطّعام أن يمسك ويصوم، ففي الصحيحين: عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضي الله عنها قالت: أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غداة يوم عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «من كان أصبح صائمًا فليُتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه»، فكنا بعد ذلك نصومه ونُصَوِّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العِهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.

ثم نُسِخَ إلى الاستحباب بعد ذلك، فإنه لما فُرِضَ صيامُ رمضان في السنة الثانية خيَّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه بين صيامه وتركه، ففي الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه».

فجاء هذا التّخيير لإبطال الإيجاب، وليس لإبطال الاستحباب.

قال ابن حجر رحمه الله: «نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب».

وقال أيضًا: « بل تأكد استحبابه باقٍ ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «لئن عشتُ لأصومنّ التاسعَ والعاشرَ »، ولترغيبه في صومه وأنه يُكَفِّرُ سنةً، وأيّ تأكيدٍ أبلغ من هذا؟!».

الفائدة الخامسة: في فضل صيامه وجزائه:

فأما فضل صيامه: فيظهر مما جاء في “الصحيحين”، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: «ما رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يتحرّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشّهر، يعني شهر رمضان».

وأمّا جزاء صيامه: فإنّه تكفير لذنوب العام الماضي، وذلك لما جاء في صحيح مسلم: أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يكفّر السّنة الماضية».

وعن أبي قَتادة رضي الله عنه عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة». رواه النَّسائي في السّنن الكبرى.

الفائدة السادسة: في تعظيم السلف له:

قال ابن رجب رحمه الله: «وكان طائفة من السلف يصومون عاشوراء في السفر، منهم: ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والزهري. وقال: رمضان له عدة من أيامٍ أُخَرَ وعاشوراء يفوت».

الفائدة السابعة: في مشروعية مخالفة الكفار فيه:

جاءت الشريعةُ بمخالفة الكفار عامّة، ومخالفتهم في أعيادهم خاصة، فخالف النبيُّ صلى الله عليه وسلم اليهودَ في عاشوراء من جهتين:

أحدهما: عدم اتخاذه عيدًا؛ فإنّ اليهود قد اتخذوا هذا اليوم عيدًا وعظموه؛ لنجاة موسى فيه، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ووافق نبيَّ الله موسى في صومه له شكرًا لله.

والأخرى: في ضمِّ يومٍ آخرَ معه؛ إمعانًا في المخالفة، وتأكيدًا لها؛ فمن المستحبّ أن يصوم المسلم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من محرّم، وذلك لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى ! فقال: «إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فهذا فيه استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء؛ مخالفةً لأهل الكتاب؛ لأنهم كانوا يصومون اليوم العاشر فقط ويقولون: إنه يومٌ نجى الله فيه بني إسرائيل من فرعون وقومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحقُّ بموسى»، فصامه وأمر الناس بصيامه، وقال: « خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده ».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فتدبر.. هذا يوم عاشوراء، يومٌ فاضل يُكَفِّرُ – أي صيامه – سنةً ماضيةً، صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ورغَّب فيه، ثم لما قيل له قبل وفاته: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم بضم يومٍ آخرَ إليه، وعزم على ذلك؛ ولهذا استحب العلماء – منهم الإمام أحمد – أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة رضي الله عنهم ».

الفائدة الثامنة: في مراتب صيامه:

في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: حين صام رسول ‏الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظّمه ‏اليهود والنّصارى! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « فإذا كان العام المقبل إن شاء ‏الله، صمنا اليوم التاسع ». قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفّي رسول الله صلّى الله عليه ‏وسلّم.

وعند الإمام أحمد في ‏مسنده، عن ابن عباس رضي الله عنه، أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صوموا يوم ‏عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا، وبعده يومًا»، وفي رواية: «صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده ».

وبناءً على هذه الأحاديث وغيرها قال العلّامة ابن القيم رحمه الله: « فمراتب صومه ‏ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التّاسع والعاشر، وعليه ‏أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصّوم. وأمّا إفراد التاسع، فمن نقص ‏فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشّرع».

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب:

أدناها: أن يُصام وحده، وفوقه: أن يُصام التاسعُ معه، وفوقه: أن يُصام التاسعُ والحادي عشر – يعني مع العاشر».

الفائدة التاسعة: في تخصيصه بعبادة غير الصيام:

القاعدة الشرعية: أنه لا يُشرع من العبادات المخصوصة إلا ما دلّ عليه الوحيُ.

لأنّ كلَّ ما وقع زيادةً على حكم الشرع بقصد التعبد يُعَدُّ بدعةً مُحدثةً مردودةً على صاحبِها.

وعليه: فلا يجوز تخصيص يوم عاشوراء ولا ليلته بشيء غير الصيام، فلا تُخصّ ليلته بقيامٍ، ولا يُخص يومه بصدقةٍ، ولا غيرِ ذلك من العبادات.

ففي “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

الفائدة العاشرة: في تخصيصه بعادة:

عُلِمَ أنّ من مقاصد الشريعة في مشروعية صيامِ يوم عاشوراء: مخالفة اليهودِ في جعلهم إيّاه عيدًا.

وعليه: فلا يجوز تخصيص هذا اليوم بما هو من خصائص الأعياد كالاغتسال له، أو التزيُّنِ له بلباسٍ معيّن واكتحال واختضاب وما شابه، أو صنع طعامٍ معيّن له، أو التوسع في النفقة فيه كما يُصنع في الأعياد.

ففي رواية مسلم لحديث عائشة السابق: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

آخره

والحمد لله رب العالمين