عنصرية حتى النخاع

مَن يحسب أن العنصرية والتمييز في أمريكا والغرب ضد أبناء العِرقيات الأخرى من غير ذوي البشرة البيضاء من الأصول الأوروبية – قد ولَّت مع التقدم الذي شهِدته هذه الدول في كل المجالات الماديةِ والعلمية وحقوق الإنسان والحيوان: فهو واهمٌ.

 

صحيح أن الأقليات – خصوصًا مَن أُحضروا بالقوة للعمل كرقيقٍ من أصول إفريقية، وأشد المضطهدين تاريخيًّا – قد حصلوا على حقوقهم الإنسانية في الغرب عمومًا، وأمريكا بشكل خاص؛ وَفْقًا للقانون، بعد كفاح دامٍ ومرير، دامَ لقرونٍ ذاقوا خلالها الأمرَّينِ من نِيرِ العبودية والإذلال، والقهر والتعذيب، ولكن حتى وقتنا هذا ما زالت نفوسُ الكثيرين من البِيض طافحةً بالعنصرية ضد داكني البشرة من أصول شتَّى، ولا أدلَّ على ذلك مِن تكرار حوادث إطلاق النار من منتسبي الشرطة من البيض – الذين يفترض بهم رعاية القوانين وتطبيقها على أفضل وجه – على المشتبه بهم من الأميركيين السُّود، بشبهات بسيطة، وأحيانًا كثيرةً على مرأى ومسمع مرافقيهم من أهلهم وذويهم؛ مما أدى إلى ردود أفعال قوية بالمقابل، والرد على نيران العنصرية بأخرى مِن مثلها بقيام سود بإطلاق النار وقتل رجال شرطة وضباط من البِيض.

 

قيام عناصر أمن إحدى شركات الطيران الأمريكية مؤخرًا بجرِّ رجل أمريكي من أصول آسيوية، وسحله والدماء تسيل على وجهه مِن على متن إحدى الطائرات بسبب خطأ في الحجز، لا يتحمل الرجلُ مسؤوليته، مع ردود فعل مستنكِرة وأخرى مؤيِّدة مِن بقية الركاب لِما يجري أمام نظرهم – هو برهانٌ آخر على أن العنصرية في نفوس بعض هؤلاء باقيةٌ ومستشرية ضد كل الأعراق من غير البِيض، وليس السود وحدهم، فهذا الرجل الذي لا جريرة له يُهان ويجبر على إخلاء مقعده بالقوة، رغم أنه أخبَرَهم بأنه طبيب، وعلى عجلة من أمره؛ لارتباطه بدوام في المستشفى، إلا أن ذلك لم يشفع له؛ ربما لأن ملامح وجهه لا تخدمه في هذا الأمر.

 

حصول حادثة كهذه في الدولة الأقوى عسكريًّا واقتصاديًّا من كل دول الأرض – ضربةٌ لها، وانتقاص لقدرها، سيما وأنها تنصِّب نفسها أمام العالم مثالًا لحرية الرأي والعدالة الاجتماعية لكل مواطنيها من شتى الأعراق والمنابت، وعلى اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم.

 

وانتقادنا لها لا يعني بأن حالنا في دولنا الإسلامية والعربية من ناحية العنصرية بأشكالها وصورها المتعدِّدة – أفضل مما لديهم! فنحن أيضًا لدينا الكثير مما يقال في هذا الشأن، وربما يفوق ما لديهم في بعض المظاهر، وكل ذلك – دون إطالة – مردُّه إلى انتشار الجهل، فالجاهلية عند أناس يظنُّون أنفسهم أفضلَ مِن غيرهم، ليس لأي سبب سوى نسَبِهم وأصولهم وأحوالهم الاجتماعية والمادية، نتيجة ابتعادهم عن روح الإسلام وجوهره، الذي لا فضلَ لأحدٍ فيه على الآخر عند ربِّه سوى بمقدار ما بقلبه من تقوى وصلاح.