تعاقبت الأزمات والابتلاءات والمحن التي أصابت البشرية عبر تاريخها الطويل، ونزلت بالناس صنوف شتى من الابتلاء؛ كالطواعين والمجاعات والفيضانات والزلازل والجفاف وغير ذلك، وبالطبع فقد نال المسلمين من ذلك البلاء والجوائح الكثير، وسجل تاريخهم أحداثها ووقائعها وآثارها، ولعل أكثرها فتكًا كان مرض الطاعون الذي انتشر أكثر من مرة في مصر والشام والمغرب والعراق والأندلس وقتل ألوفًا من سكانها.

وقد قدم المؤرخون الذين عاصروا تلك الأحداث صورًا متنوعة عن تلك الأوبئة وآثارها وعواقبها في سائر أرجاء الأرض، مثل المقريزي وابن تغري بردي وابن كثير وابن إياس وابن بطوطة وابن عذارى المراكشي، كما بحثتْ في ذلك كتب النوازل الفقهية لابن رشد وغيره… وقد تركت تلك الأوبئة آثارًا سلبية في التاريخ الإسلامي انعكست على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي والإنسانية ككل.

ومن أبرز الأوبئة وأشهرها عبر التاريخ الإسلامي، وفي مختلف دوله وأمصاره وأصقاعه، طاعون مسلم بن قتيبة[1]، أو أسلم بن قتيبة، الذي ضرب البلاد والعباد في العصر الأموي، وتحديدًا في عام 131هـ= 748م، وقد وقع هذا الطاعون في البصرة واستمر لمدة ثلاثة أشهر، حيث وقع في شهر رجب، واشتد في رمضان، وكان يحصي في بعض الأيام ألف جنازة أو يزيد[2].

وقال ابن تغري بردي: في سنة إحدى وثلاثين ومائة، كان الطاعون العظيم هلك فيه خلق كثير، حتى قيل: أنه مات في يوم واحد سبعون ألفًا، وكان هذا الطاعون يُسمى: طاعون أسلم بن قتيبة”[3].
وكان هذا الطاعون آخر ما حدث من الطواعين في العصر الأموي، ولكثرة الطواعين في عهد الدولة الاموية نقل بعض المؤرخين أن الطواعين في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشام حتى كان خلفاء بني أمية إذا جاء الطاعون يخرجون إلى الصحراء ومن ثم اتخذ هشام بن عبد الملك الرصافة في العراق منزلًا[4].

كما وصف بعض المؤلفين أنَّ طاعون مسلم بن قتيبة قام بدور كبير في نجاح العباسيين في إزالة دولة بني أمية، بل أنه كان بمنزلة فصل الختام بالنسبة إلى الخلافة الأموية، إذ أسفر عن خسائر مادية وبشرية هائلة، ساهمت في حسم سقوط الأمويين[5].
ثم خفت الطواعين في الدولة العباسية، ومن الطرائف التي وردت في ذلك بعض سقوط بني أمية، فيقال: أنَّ بعض أمراء العباسيين بالشام خطب في الناس وقال: أحمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ وُلّينا عليكم، فقام بعض من له جرأة، فقال: الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون[6].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] موقع إسلام أون لاين.
[2] الحافظ ابن حجر: بذل الماعون في فضل الطاعون، تحقيق: أحمد عصام عبد القادرالكاتب، دار العاصمة، الرياض، ص363، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1/ 396.
[3] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 1/ 396.
[4] الحافظ ابن حجر: بذل الماعون في فضل الطاعون، ص363، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 1/ 396.
[5] أحمد العدوي: الطاعون في العصر الأموي
[6] الحافظ ابن حجر: بذل الماعون في فضل الطاعون، ص364، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 1/ 396.