ليس حسنًا أن تنماع هوية المسلم، بحيث يتمَاهَى مع عادات وتقاليد وطقوس، ليست من دينه، ولا تنتمي إلى عقيدته، ولا تتصل بثقافته الأصيلة، التي تجعل له وجوده المميز الفعال، وبنيانه المتفرد المستقل.

 

ولكن للأسف ينساق كثيرٌ من المسلمين خلف كل أحد ، حتى صار كثير من الناس يحتفلون في كل عام بما صار يعرف بـ “شم النسيم” في الخامس والعشرين من شَهْرِ أبريل، وهو ما يتَنَافَى مع ديننا وشريعتنا الإسلامية.

 

وفشا الأمر حتى صارَ تقليدًا عامًّا، حتى إن الكثير من المسلمين يحتفلون بهذا اليوم دون أن يعرفون أصله، ويخصونه بأطعمةٍ مُعَيَّنَةٍ، ويتنزهون في الحدائق العامة، مع أنه مخالف لديننا ولشريعتنا!

 

أصل شم النسيم:

يعود أصل الاحتفال بهذا اليوم إلى مصر الفرعونية؛ حيث كان يحتفل به الفراعنة منذ عام 270 قبل الميلاد، وكان يطلق عليه اسم “شموش”، وهي كلمة هيروغليفية تعني “بعث الحياة”، معتقدين أن ذلك اليوم أَوَّلُ الزمان، وفيه بدأ خلق العالم. ثم أضيفت إليه من بعد ذلك كلمة “النسيم”، باعتباره بدايةَ الربيع واعتدال الجو. وانتقل بعد ذلك الاحتفال بهذا اليوم إلى اليهود الذين أطلقوا عليه “عيد الفِصْح”، واعتبروه رأسًا للسَّنَةِ العِبْرِيَّة، فقد كان يوم خروجهم من مصر على عهد سيدنا موسى عليه السلام. ثم انتقل الاحتفال بهذا اليوم إلى النصارى الأقباط، وعُرِفَ لديهم بـ”عيد يوم القيامة” إشارة إلى معتقدهم في صلب المسيح وقيامه ‏من قبره ليشم نسيم الحياة – كما يزعمون -، وأصبح بعد ذلك هذا اليوم عيدًا رسميًّا للأسف في كثيرٍ من بلادنا ‏العربية.

 

مظاهر الاحتفال:

وتعارف الناس على أن من طقوس الاحتفال بيوم “شم النسيم” خروجَ المحتفلين إلى الحدائِقِ العامَّة والمتنزهات ، ويبدأ اليوم منذ شروق الشمس وينتهي عند الغروب، وتتبادل فيه الفتيات عقودَ الياسمين والفُلِّ، ويتزَيَّنَّ به، ويُمْسِكْنَ بباقات الورود، ويحمل الأطفال سَعْفَ النخيل المزين بالألوان والزهور، وتقام حفلات الرقص الزوجي والجماعي على أنغام الموسيقى!! ويتبادل الجميع التهنئة بقبول هذا اليوم باعتباره عيدًا شعبيًّا!! وإن كان يخالف ديننا العظيم القويم!

 

بيض وفسيخ وملانة:

أما أنواع الطعام التي يتناولها المحتفلون بهذا اليوم، فمتعددة، ويأتي على رأسها البيض الملون، والفسيخ، أو الرنجة والبصل، والخس، والملانة!

 

أما عن سبب تناول “البيض” في هذا اليوم فيرجع إلى أن الفراعنة كانوا يرون أن البيض يرمز إلى “خلق الحياة”، وكانوا يذكرون البيض في أغانيهم، وإليهم أيضا ترجع فكرة تلوين ونقش البيض؛ حيث كانوا ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات، ويجمعونه، أو يعلقونه في أشجار الحدائق؛ حيث يعتقدون أن ذلك يحقق أمانِيَهُم وأحلامهم!

 

ثم أتى الأقباط النصارى وقاموا بتلوين البيض باللون الأحمر تخليدًا لذكرى صلب المسيح في اعتقادهم- وهو ما يكذبه القرآن العظيم.

 

واهتم الأقباط النصارى أيضًا بِأَكْلِ السمك والبيض في هذا اليوم؛ لأنه مُحَرَّمٌ عليهم أكْلُهُ في صيامهم، ولهذا يأكلونه في هذا اليوم احتفالًا بالإفطار.

 

أما الفسيخ والرنجة فيرجع أصل أكلها في هذا اليوم إلى الفراعنة؛ حيث كانوا يُقَدِّسُون النيل باعتبارِهِ شريان الحياة، وكانوا يصطادون الأسماك ويقومون بتمليحها وتجفيفها؛ حتى صار السمك من بين الأطعمة الأساسية لدى الفراعنة، وصنعوا الفسيخ والملوحة، وكانوا يأكلون الأسماك في أعيادهم.

 

أما تعليق البصل على الأبواب، فقصته -كما يروون – أن أحد الأمراء الصغار – وهو ابن أحد الملوك أيام مصر الفرعونية – مرض مرضًا خطيرًا، فنصحه الطبيب بتناول البصل، وأمر بوضع حُزَمِ البصل على باب حجرته حتى تطرد الأرواح الشريرة!

 

وحسب الأسطورة، شُفِيَ الأمير الصغير من هذا المرض، فصارت عادةً في هذا اليوم أن تُعَلَّقَ حزم البصل على الأبواب، وحتى الآن هناك أُسَرٌ مِصْرِيَّةٌ تُعَلِّقُ حُزَمَ البصل في يوم شم النسيم لطرد الأرواح الشريرة!

 

هذا إلى جانب الخس والملانة، وهما من الأكلات التي تُؤْكَلُ في هذا اليوم، ويَرْجِعُ السبب إلى أنهما من النباتات التي تُعْلِنُ عن قدوم شهر الربيع ، كما كان الفراعنة يقدمونها قرابين لآلهتهم .

 

من تشبه بقوم فهو منهم:

بعد هذا الحديث عن أصل شم النسيم وفكرة الاحتفال به، هل سيصر الناس على الاحتفال بهذا اليوم الذي ليس في ديننا؟ بل ويتَعَارَضُ مع شريعتنا، ويتنافى مع الإسلام؟!

 

وبالرجوع لمعرفة حُكْمِ الدين في الاحتفال بهذا اليوم ، بدأ الداعية المصري “معز مسعود” كلامه بحديث للرسول صلوات الله عليه ، “من تشبه بقوم فهو منهم”.

 

مضيفًا: أن الاحتفال بهذا اليوم ليس في ديننا، ولا ينتمي لأعيادنا، ولا يجوز للمُسْلِمِ أن يشارك في الاحتفال بهذا اليوم؛ لأنه عيدٌ خاصٌّ بالنصارى، ولا يجوز تلوين البيض في أعيادهم، ولا أن نقوم بالتهنئة لبعضنا في هذا اليوم؛ لأنه ليس عيدنا، كما لا يجوز تعطيل الأعمال من أجله.

 

وأضاف الشيخ معز أن الأصل في الأعياد الإسلامية هما “عيد الفطر، وعيد الأضحى”، كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، ورأى صبيةً يلعبون ويلهون ويرقصون، احتفالًا بعيدٍ من أيام الجاهلية، فسأل صلى الله عليه وسلم عن سبب الاحتفال، فقيل له: إن هذين يومان كنا نحتفل بهما أيام الجاهلية ، فقال – صلى الله عليه وسلم -:”إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر “.

 

وقال عليه أفضل الصلوات والسلام أيضًا في هذا الشأن : “إنّ لكل قومٍ عيدًا”، ومعنى ذلك أن كل قوم لهم أعيادهم، فلا يجوز أن نحتفل معهم بأعيادهم؛ لأنها تتنافى مع ديننا .

 

وتابع الشيخ معز قوله: إن هذا العيد قِبْطِيٌّ بالدرجة الأولى؛ لأن النصارى يُمْسِكُون ‏في صومهم عن أكل السمك والبيض، فيأتي هذا اليوم بعد انتهاء فترة صيامهم، ويحتفلون به بأكل الفسيخ والبيض، ويرى الأقباط أن المسيح خرج من قبره في هذا اليوم؛ لِيَشُمَّ نسيمَ الحياة.

 

وهذا الأمر يتنافى مع القرآن الكريم؛ لأن المسيح لم يُقْتَلْ ولم يُصْلَبْ، والله تعالى يقول في الآية الكريمة : ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158].

 

المصدر: نوافذ