فضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)
فضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ فِي الطَّاعُونِ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ[1]؛ رواه البخاري.

قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -:

نقل المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله من الأحاديث الواردة في الصبر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أن الطاعون عذاب أرسله الله سبحانه وتعالى على من يشاء من عباده.

والطاعون: قيل: إنه وباء معين، وقيل: إنه كل وباء عام يحل بالأرض فيصيب أهلها ويموت الناس منه.

وسواء كان معيَّنًا أم كل وباء عام مثل الكوليرا وغيرها؛ فإن هذا الطاعون عذاب أرسله الله عز وجل، ولكنه رحمة للمؤمن إذا نزَل بأرضه وبقي فيها صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، فإن الله تعالى يكتب له مثل أجر الشهيد؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقَدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»[2].

إذا وقع الطاعون بأرض، فإننا لا نقدم عليها؛ لأن الإقدام عليها إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولكنه إذا وقع في أرض فإننا لا نخرج منها فرارًا منه؛ لأنك مهما فررت من قدر الله إذا نزل بالأرض، فإن هذا الفرار لن يغني عنك من الله شيئًا، واذكرِ القصة التي قصَّها الله علينا في الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت؛ قال بعض العلماء في تفسير الآية: إنه نزل في الأرض وباء فخرَجوا منها، فقال الله لهم: موتوا ثم أحياهم؛ ليبيِّن لهم أنه لا مفر من قضاء الله إلا الله، ففي حديث عائشة رضي الله عنها دليلٌ على فضل الصبر والاحتساب، وأن الإنسان إذا صبَّر نفسه في الأرض التي نزل فيها الطاعون ثم مات به، كتب الله له مثل أجر الشهيد.

وذلك أن الإنسان إذا نزل الطاعون في أرضه، فإن الحياة غالية عند الإنسان، سوف يهرب، يخاف من الطاعون، فإذا صبر وبقي واحتسب الأجر، وعَلِم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ثم مات به، فإنه يُكتب له مثل أجر الشهيد، وهذا من نعمة الله عز وجل.

——————————————————————————–

[1] أخرجه البخاري (3474).

[2] أخرجه البخاري (5730).