حديث جرير:
بايعت رسول الله على الصلاة والزكاة والنصح لكل مسلم

عَنْ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ – رَضْيَ اللهُ عَنْه – قَالَ: بَايَعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَى إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والنُّصحِ لكلِّ مُسلمٍ. متفقٌ عليه.

قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –:

قال المؤلِّف – رحمه الله – عن جريرِ بن عبد اللهِ البجليِّ رضي الله عنه قال: «بايعتُ النبي صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصلاةِ، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ»؛ هذه ثلاثة أشياء: حقٌّ محض لله، وحق للآدمي محض، وحق مشترك، أما الحق المحض لله؛ فهو قوله: «إقام الصلاة».

ومعني «إقام الصلاة»: أن يأتي بها الإنسان مستقيمة على الوجه المطلوب، فيحافظ عليها في أوقاتها، ويقوم بأركانها وواجباتها وشروطها، ويتمم ذلك بمستحبَّاتها.

ومن هذا بالنسبة للرجال إقامة الصلاة في المساجد مع الجماعة، فإن هذا من إقامة الصلاة، ومن تخلف عن الجماعة بلا عذرٍ فهو آثم، بل هو عند بعض العلماء – كشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله – إذا صلى بدون عذر مع غير الجماعة؛ فصلاته باطلة مردودة عليه، لا تقبل منه، ولكن الجمهور هو على أنها تصحُّ مع الإثم، وهذا هو الصحيح، فمن ترك صلاة الجماعة بلا عذر؛ فصلاته صحيحة ولكنه آثم، وهذا هو القول الراجح، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – وهو الذي عليه جمهور من قالوا بوجوب صلاة الجماعة.

ومن إقامة الصلاة: الخشوع فيها، والخشوع هو حضور القلب وتأمله بما يقوله المصلي وما يفعله، وهو أمر مهم؛ لأن الصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح، فأنت إذا صلَّيت وقلبك يدور في كل وادٍ فإنك تصلي حركات بدنيه فقط، فإذا كان قلبك حاضرًا تشعر كأنك بين يدي الله عزَّ وجلَّ، تناجيه بكلامه، وتتقرب إليه بذكره ودعائه، فهذا هو لبُّ الصلاةِ وروحها.

وأما قوله: «إيتاء الزكاة» يعني: إعطاءها لمستحقها، وهذه جامعة بين حق الله وحق العباد، أما كونها حقًّا لله فلأن الله فرض على عباده الزكاة وجعلها من أركان الإسلام، وأما كونها حقًّا للآدمي فلما فيها من قضاء حوائج المحتاجين، وغير ذلك من المصالح المعلومة في معرفة أهل الزكاة.

وأما قوله: «النُّصح لكلِّ مسلمٍ» فهذا هو الشاهد من الحديث للباب، أي: أن ينصح لكل مسلمٍ: قريبٍ أو بعيدٍ، صغير أو كبير، ذكرٍ أو أنثَى.

وكيفية النُّصحِ لكلِّ مسلم هي ما ذكره في حديث أنسٍ – رضي الله عنه -: «لا يؤمنُ أحدكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه» هذه هي النصيحة أن تحبَّ لإخوانك ما تحبُّ لنفسك، بحث يسرُّك ما يسرهم، ويسوءك ما يسوؤهم، وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وهذا الباب واسع كبير جدًّا.

فنفى النَّبيُّ – عليه الصلاة والسلام – الإيمانَ عمن لم يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه في كل شيء، ونفيُ الإيمانِ؛ قال العلماء: المرادُ به نفيُ الإيمان الكامل، يعني لا يكمل إيمانك حتى تحبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسِك، وليس المراد انتفاء الإيمان بالكلية.

ويُذكر أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه حين بايع النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم، أنه اشترى فرسًا من شخص بدراهم، فلما اشتراه وذهب به وجد أنه يساوي أكثر، فرجع إلى البائع وقال له: إن فرسك يساوي أكثر، فأعطاه ما يرى أنها قيمته، فانصرف وجرَّب الفرس فإذا به يجده يساوي أكثر مما أعطاه أخيرًا، فرجع إليه وقال له: إنَّ فرسك يساوي أكثر فأعطاه ما يرى أنها قيمته، وكذلك مرَّة ثالثةً حتَّى بلغ من مائتي درهم إلى ثمانِ مائة درهمٍ؛ لأنَّه بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على النُّصحِ لكلِّ مسلمٍ، وإذا بايع النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ على شيءٍ لا يختصُّ به فهو عام لجميع الناس، كلُّ النَّاس مبايعون الرسول – عليه الصلاة والسلام – على النُّصحِ لكل مسلم؛ بل على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. والمبايعة هنا بمعنى المعاهدة؛ لأنَّ المبايعة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾ (الفتح: 10)، وسميت مبايعة؛ لأَّن كلًا من المتبايعين يمدُّ باعه إلى الآخر، يعني يده من أجل أن يمسك بيد الآخر، ويقول: بايعتك على كذا وكذا، والله الموفق.

المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 398 – 401)