شرح تعريف السنة النبوية

من تعريفات السُّنَّةُ النبوية أنها مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ،فكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، أو فعله، أو إقراره على الشيء، فهو سنة[1].

والقول: هو ما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه رضي الله عنهم.

والفعل: ما نقله لنا الصحابةُ رضي الله عنهم من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.

والتقرير: هو أن يسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنسانًا يقول شيئًا، أو يراه يفعل شيئًا، فلا ينكره، ويُظهر الرضا عنه، وهو من السنة قطْعًا[2].

ومن الأمثلة على القول:

[1]: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ))[3].

[2]: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))[4].

[3]: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ))[5].

[4]: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ – يَعْنِي الثُّومَ – فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا))[6].

ومن الأمثلة على الفعل:

[1]: قول أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ)[7].

[2]: قول ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)[8].

[3]: قول ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ)[9].

[4]: قول عبدالله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ)[10].

ومن الأمثلة على الإقرار:

[1]: عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُدِّمَ له الضَّبَّ، فَرَفَعَ يَدَهُ عَنِه، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ))، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيَّ[11].

[2]: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَنْهَنَا)[12].

[3]: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ[13]، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قَالَ: (فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبَهُ)[14].

[4]: عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ[15].

فائدة: أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.

تنقسم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام[16]:

أحدها: أفعال خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

مثال [1]: الوِصَال في الصوم.

مثال [2]: الجمع بين تسعِ نِسْوة.

حكم التأسِّي بهذه الأفعال: يَحْرُم التأسِّي بهذه الأفعال.

الثاني: أفعال جِبِليَّة.

مثال [1]: النوم.

مثال [2]: الاستيقاظ.

مثال [3]: القيام.

مثال [4]: الأكل.

حكم التأسِّي بهذه الأفعال: يُباحُ التأسِّي بهذه الأفعال؛ لأن ذلك لم يُقصد به التشريع، ولم نُتَعَبَّدْ به، ولذلك نُسب إلى الجِبِلَّة، وهي الخِلقة، لكن لو تأسى به متأسِّ فلا بأس، وإن تركه لا رغبةً عنه ولا استكبارًا، فلا بأس.

الثالث: أفعال بيانية، هي الأفعال التي يُقصد بها بيان التشريع، فإن كان الفعل بيانًا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن كان المبيِّن ندبًا كان الفعل البياني ندبًا، وإن كان إباحة كان الفعل مباحًا.

مثال [1]: أفعال الصلاة.

مثال [2]: الحج.

مثال [3]: قطع يد السارق.

مثال [4]: أفعال الطهارة.

حكم هذه الأفعال: هذا مُتَّفَق عليه عند العلماء، وواجب عليه الإعلام به، لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه وسلم.

——————————————————————————–

[1] انظر: شرح مختصر الروضة (2/ 63)، وشرح الكوكب المنير (2/ 166).

[2] انظر: شرح مختصر الروضة (2/ 62)، وشرح الكوكب المنير (2/ 166).

[3] متفق عليه: رواه البخاري (887)، ومسلم (252)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] متفق عليه: رواه البخاري (6954)، ومسلم (225)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] متفق عليه: رواه البخاري (5633)، ومسلم (2067)، عن حذيفة رضي الله عنه.

[6] متفق عليه: رواه البخاري (853)، ومسلم (561)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[7] متفق عليه: رواه البخاري (151)، ومسلم (271).

[8] متفق عليه: رواه البخاري (68)، ومسلم (2821).

[9] صحيح: رواه البخاري (6).

[10] متفق عليه: رواه البخاري (2025)، ومسلم (1171).

[11] متفق عليه: رواه البخاري (5391)، ومسلم (1946).

[12] متفق عليه: رواه البخاري (5207)، ومسلم (1440)، واللفظ له.

[13] القائف: هو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرِف شَبه الرَّجُل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة. [انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 121)].

[14] متفق عليه: رواه البخاري (3731)، ومسلم (1459).

[15] متفق عليه: رواه البخاري (4811)، ومسلم (2786).

[16] انظر: التحبير شرح التحرير، للمرداوي (2/ 1454-1463)، وشرح الكوكب المنير (2/ 178-184).