شرح تعريف الحديث الصحيح

الحَدِيثُ الصَّحِيحُ:

هو مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِرِوَايةِ العَدْلِ الضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ إلى مُنْتَهَاهُ مِنْ غَيرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ قَادِحَةٍ.

هذا تعريف الحديث الصحيح في اصطلاح المحدِّثين، وهو ماتوفَّرت فيه خمسة شروط، فإن اختل منها شرطٌ فلا يُسمَّى الحديثُ حينئذ صحيحًا:

الشرط الأول: اتصال السند:

معناه: أن كلَّ راوٍ من رواة الحديث أخذه عمن فوقَه مباشرةً من أول السند إلى منتهاه[1]، وخرج به المعلَّق، والمرسَل، والمُعضَل، والمنقطِع.

والمعلَّق: هو ما سقط من أول سنده راو أو أكثر على التوالي[2].

مثال [1]: أن يَحذف جميع السند، ويقال مثلًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مثال [2]: أن يَحذف جميع السند إلا الصحابي أو إلا الصحابي والتابعي معًا.

مثال [3]: أن يَحذف من حدَّثه، ويضيف الحديث إلى شيخ شيخه[3].

والمرسَل: هو ما أسقط منه التابعيُّ الصحابة، وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة[4].

ومثاله: أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: فعل كذا، أو: فُعِل بحضرته كذا، أو نحو ذلك[5].

والمعضَل: هو ما سقط من سنده قبل الصحابي راويان فأكثر في موضع واحد مع التوالي[6].

والمنقطِع: هو ما سقَط من سنده قبل الصحابي راويان فأكثر في موضعين، مع عدم التوالي[7].

مثال تطبيقي: قال الإِمَامُ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَة َرضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:… الحديث.

[1]: إذا سقط من السند (إسماعيل بن مسعود) صار الحديث معلقًا.

وكذلك إذا أسقط جميع السند إلا الصحابي، وقال: قال أبو قتادة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا.

وكذلك إذا أسقط جميع السند، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.

[2]: إذا سقط من السند الصحابي (أبو قتادة رضي الله عنه)، وقال التابعي (عبدالله بن أبي قتادة): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا صار الحديث مرسَلًا.

[3]: إذا سقط من السند (خالد، وهشام) أو (يحيى، وعبدالله بن أبي قتادة)، أو (خالد، وهشام، ويحيى، وعبدالله بن أبي قتادة) صار الحديث معضَلًا.

[4]: إذا سقط من السند (خالد، ويحيى)، أو (هشام، وعبدالله بن أبي قتادة) صار الحديث منقطعًا.

الشرط الثاني: عدالة الرواة:

معناه: أن كلَّ راوٍ من رواة الحديث متصِف بالعدالة، وهي ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمُروءة، وخرج به ما في سنده راوٍ ضعيف، أو مجهول.

والتقوى: هي اجتناب الأعمال السيئة مِن شِرك، أو فسق، أو بدعة.

والمروءة: هي التحلِّي بمحاسن الأخلاق، وجميل العادات والأعراف والتخلي عما يناقضها، وهي تختلف باختلاف البلدان، والأزمان، والأشخاص، فكم من بلد جرَت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم، لَعُدَّ خَرْمًا للمُروءة[8].

الشرط الثالث: ضبط الرواة: وهو قسمان:

أحدهما: ضبطُ صدرٍ: هو إثبات ما سمعه حتى يتمكَّن من استحضاره متى شاء حتى يؤديه.

والثاني: ضبطُ كتابٍ: هو صون ما كتَبه عن تطرَّق الخللُ إليه من حين سماعه إلى وقت أدائه[9].

الشرط الرابع: عدم الشذوذ:

معناه: ألا يكون في سنده شاذٌّ، والشاذ: هو ما يخالِف فيه الثقةُ مَن هو أرجحُ منه[10].

الشرط الخامس: عدم العلة:

معناه: ألا يكونَ في سنده معلولٌ، والمعلَّلُ: هو ما ظاهره الصحة، وبعد التفتيش اطُّلِعَ فيه على علةٍ قادحة، فالعلة يُشترط لها شرطانِ:

الأول: أن تكون خَفيةً.

الثاني: أن تكون قادحةً في صحة السندِ.

فإن اختل أحدُ هذين الشرطين، فلا تُسمَّى علةً في اصطلاح المحدِّثين.

وقد تقع العلة في المتن، أو السند، ولا يعرِفها جهابِذةُ المحدثين ممن جمَع طُرقَ الحديث، واختلاف رُواته، وعرَف منزلتهم من الضبط والحفظ.

ومثال العلة في المتن: حديث نفي قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة.

ومثال العلة في الإسناد: التعليل بالإرسال أو بالوقف[11].

أقسام الحديث الصحيح:

ينقسم الحديث الصحيح قسمين[12]:

أحدهما: صحيح لذاته، هو الذي توفَّرت فيه الشروط الخمسة المتقدِّمة.

الثاني: صحيح لغيره، هو ما كان حسنًا لذاته، وقَوِيَ بكثرة طرقه.

——————————————————————————–

[1] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (44)، ونزهة النظر، صـ (59).

[2] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (24)، ونزهة النظر، صـ (80).

[3] انظر: نزهة النظر، صـ (80-81).

[4] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (51-52)، ونزهة النظر، صـ (82).

[5] انظر: نزهة النظر، صـ (82).

[6] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (59)، ونزهة النظر، صـ (83-84).

[7] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (56-57)، ونزهة النظر، صـ (84).

[8] انظر: نزهة النظر، صـ (58، 66)، وفتح المغيث، للسخاوي (1/ 21، 2/ 7).

[9] انظر: نزهة النظر، صـ (58-59)، وفتح المغيث (1/ 21).

[10] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (76)، ونزهة النظر، صـ (59).

[11] انظر: مقدمة ابن الصلاح، صـ (90-91).

[12] انظر: نزهة النظر، صـ (58).