شرح أركان الإسلام الخمسة
(المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول)

قال المصنف رحمه الله: (وكل مرتبة لها أركان؛ فَأَرْكَانُ الإسلام: (خَمْسَةٌ): شَهَادَةُ أَن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بَيْتِ الله الْحَرَامِ).

الشرح الإجمالي:

(وكل مرتبة) من مراتب الدين الثلاثة (لها أركان) لا تقوم إلا عليها، (فأركان الإسلام خمسة) لا يستقيم إلا بها، ولا يثبت بدونها، وقدَّم الأهم فالأهم من أركان الإسلام، وهو الشهادتان: (شهادة أن لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله، (و) شهادة (أن محمدًا رسول الله) إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، (و) الركن الثاني: من أركان الإسلام: (إقام الصلاة) في وقتها تامة بشروطها وأركانها وواجباتها، (و) الركن الثالث: (إيتاء الزكاة) التي افترضها الله على العباد، (و) الركن الرابع: (صوم) شهر (رمضان) بالإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ممن يجب عليه الصيام، (و) الركن الخامس: (حج بيت الله الحرام) لمن استطاع إليه سبيلا [1].

الشرح التفصيلي:

لَمَّا بيَّن المصنف مراتب الدين الثلاث، وهي: الإسلام والإيمان والإحسان – ذكر أن كل مرتبة لها أركان، وشرع في بيان أركان كل مرتبة من تلك المراتب، وبدأ ببيان أركان المرتبة الأولى من مراتب الدين، وهي مرتبة الإسلام، فذكر أن أركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.

والأركان جمع ركن، وركن الشيء في اللغة: جانبه الأقوى[2]، وفي الاصطلاح: ما لا وجود لذلك الشيء إلا به[3]، وهو ما يلزم من وجوده وجود الشيء، ويلزمُ من عدمه عدمُ الشيء؛ فأركان الشيء: أجزاؤه في الوجود التي لا يحصل إلا بحصولها، وداخلةٌ في حقيقته، وسُميت بذلك تشبيهًا لها بأركان البيت الذي لا يقوم إلا بها [4]، وأركان العبادات: جوانبها التي عليها مبناها، وبتركها بطلانها[5]، والمقصود بأركان الإسلام: أي: مبانيه ودعائمه العظام التي بُني عليها الإسلام، وليس الركن هنا بمعناه الذي يذكره علماء الأصول من أنه ما كان داخل الماهية، وصحة الشيء متوقفة عليه، وإنما اصطلح العلماء على إطلاق اسم الركن على هذه المسميات؛ لأنها أعظم واجبات الدين، ولهذا اختلف العلماء فيمن ترك شيئًا من أركان الإسلام سوى الشهادتين[6]، فالحج والصيام، وهما من أركان الإسلام، لم يتفق العلماء على أن تاركهما ليس بمسلم، واتفقوا على أن من ترك ركنًا من أركان الإيمان، فإنه ليس بمؤمن أصلًا، وهذا يرجع إلى أن اصطلاح الركن اصطلاح حادث، وأن أهل العلم أتوا بالألفاظ للإفهام، وإذا كان كذلك فإننا لا نُحكِّم ألفاظ العلماء واصطلاحاتهم على النصوص، وإنما نحكم النصوص على اصطلاحات أهل العلم، فنفهم الاصطلاحات على ضوء النصوص[7].

♦ والشهادة التي هي ركن من أركان الإسلام هي: الشهادة لله بالتوحيد ولنبيه محمد بالرسالة.

♦ والصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام هي: الصلوات الخمس المفروضة.

♦ والزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام هي: الزكاة المفروضة المعينة في الأموال.

♦ والصوم الذي هو ركن من أركان الإسلام هو: صيام شهر رمضان.

♦ والحج الذي هو ركن من أركان الإسلام هو: حج الفرض إلى بيت الله الحرام في العمر مرة واحدة.

فما زاد عن ذلك مما يرجع إلى واحد من هذه الأركان الخمسة، فإنه لا يكون داخلًا في حقيقة الركن، وإن كان واجبًا، بل يكون خارجًا عنه، فمثلًا من الشهادات المأمور بها شرعًا: الشهادة في أداء الحقوق، لكنها لا تندرج في حقيقة الركن المعدود من أركان الإسلام من الشهادة، بل الركن مختص بالشهادة لله بالتوحيد ولمحمد بالرسالة، ومثله صيام النذر أو حج النذر[8].

وجُعلت الشهادتان ركنًا واحدًا، ولم تجعل شهادة أن لا إله إلا الله ركنًا، وشهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركنًا ثانيًا؛ لأن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال وقبولها، إذ لا يقبل العمل ولا يكون صحيحًا إلا بأمرين: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا وجد الإخلاص تحققت شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا وجدت المتابعة تحققت شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، فالشهادة له بالرسالة والعبودية من تمام شهادة أن لا إله إلا الله، فكأن الثانية تكملة للأولى[9].

وهذه الأركان الخمسة هي أصول الأعمال في دين الإسلام، فيجب معرفتها بالأدلة، ومعرفة هذه الأعمال تختلف درجتها باختلاف حال الناس، فالصلاة يجب معرفتها على كل واحدٍ من أهل الإسلام، وأما الحج فإنه لا يجب معرفته تفصيلًا إلا على من أراد أن يحج لمن استطاع؛ لأنه واجب على المستطيع فقط، فالمعرفة لدين الإسلام تتفاوت وتختلف باختلاف أحوال الناس[10].

——————————————————————————–

[1] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (47)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (120-122).

[2] ينظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (398)؛ وكتاب العين، للفراهيدي (367)؛ والصحاح، للجوهري (2/ 1561).

[3] الكليات، لأبي البقاء الكفوي (481).

[4] معجم مصطلحات أصول الفقه، د. قطب مصطفى سانو (223)، الناشر: دار الفكر، دمشق، ط. الأولى: 1423هـــ.

[5] مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني (365).

[6] حاشية كتاب اعتقاد أهل السنة، لأبي بكر الرحبي (66)، تحقيق: رياض حسين الطائي، الناشر: دار المقتبس، لبنان، ط. الأولى: 1435هـــ؛ وينظر: الفتاوى، لابن تيمية (7/ 609).

[7] ينظر: شرح الأربعين النووية، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (56)، تحقيق: عادل بن محمد مرسي، الناشر: دار العاصمة، الرياض، ط. الأولى: 1431هــ.

[8] ينظر: تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (36).

[9] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، محمد بن صالح العثيمين (70)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله بن صالح الفوزان (107)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (121).

[10] شرح الأصول الثلاثة، د. خالد المصلح (5).