شبهات حول القرآن (2)
شبهات علمية حول القرآن

أ- شبهة أن الشمس تغرب في عين طينية:

في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ﴾ [الكهف: 86].

• تفسير ابن كثير: “رأى الشمسَ في مَنْظَرِهِ تغرب في البحر المحيط، وهذا شأنُ كلِّ من انتهى إلى ساحلِه، يراها كأنها تغربُ فيه، وهي لا تفارق الفَلَك الرابع الذي هي مثبتةٌ فيه لا تفارقه”.

• تفسير الطبري: “واختلفَ أهلُ التأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القراء في قراءته:

ذِكر مَن قال ﴿ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾، قال: سمعت عبدالله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية، فقال: ﴿ عَيْنٍ حَامِيَةٍ ﴾، فقال ابن عباس: إنها ﴿ عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾، قال: فجعلَا كعبًا بينهما، قال: فأرسَلا إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: “أمَّا الشمس، فإنها تغيب في ثأط”، فكانت على ما قال ابن عباس، والثأط: الطين.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني نافع بن أبي نعيم، قال: سمعتُ عبدَالرحمن الأعرجَ يقول: كان ابن عباس يقول: ﴿ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ ثم فَسَّرَهَا: ذات حَمَأَةٍ، قال نافع: وسُئِلَ عنها كعب، فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء”.

• تفسير صاحب ظلال القرآن رحمه الله:

“من النص أن ذا القرنين اتجه غربًا حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي – وكان يسمى بحرَ الظلمات، ويُظَنُّ أن اليابسةَ تنتهي عنده – فرأى الشمسَ تغرب فيه، والأرجح أنه كان عند مَصَبِّ أحد الأنهار؛ حيث تكثُر الأعشاب ويتجمع حولها طين لزج، هو الحَمَأُ، وتوجد البِرَكُ وكأنها عيون الماء، فرأى الشمس تغرب هناك و﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾”.

• بعضُ المفسرين المُحْدَثِينَ فسَّر العين الحمئة بأنها عين الإنسان؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26].

وقد رُمِيَ القرآنُ بالجهل والتَّحَجُّرِ، والإسلامُ بالتخلفِ بسبب تفسير هذه الآية.

أقول – وبالله التوفيق -: العبد الصالحُ ذو القرنين كان يجوب الأرض لِرَدِّ الناس إلى الله، ولم يكن عالِمًا جُغرافِيًّا يَدْرُسُ غروبَ وشروقَ الشمسِ… وحرف “في” في الآية معناه “عن”، كقولك: “تبعتُ غروب الشمس، فوجدتُها تغرب في الحرم الساعة السادسة مساء، ووجدتُ عنده الكثيرَ من المعتمرين”، هل هي غابت في الكعبة؟ لا، ولكنها غابت عن الحرم الساعة السادسة، وفيه – أي الحرم – معتمرون كُثُرٌ، فالرجل اتجه غربًا ووصل – مع غروب الشمس – إلى مَنْطِقَةِ عيونِ مياهٍ حارَّةٍ أو مستنقعاتٍ طينيةٍ، ووجد قومًا حولها، وهذا هدفه.

ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ [الكهف: 89، 90].

والسؤال: إذا غابت الشمس في العين الحمئة – كما يقول أصحاب الشبهات – فلِمَ تتكلمُ الآيةُ عن مطلعٍ لها قَصَدَهُ ذو القرنين، ولمْ تذكر أن الشمس طَلَعَتْ من العين الحمئة مرة أخرى؟

ب- شبهة أن الأرض في القرآن مسطحة وليست كروية، وأن عددها سبع أراضٍ:

يقول تعالى: ﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 20].

• تفسير ابن كثير: “كيف بُسِطَتْ ومُدَّتْ ومُهِّدَتْ، فَنَبَّهَ البَدَوِيَّ على الاستدلال [بما يشاهدُهُ] مِن بَعِيرِهِ الذي هو راكبٌ عليه، والسماءِ التي فوق رأسِه، والجبلِ الذي تُجاهَه، والأرضِ التي تحته – على قدرةِ خالقِ ذلك وصانعِه، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك، وأنه الإله الذي لا يَسْتَحِقُّ العبادةَ سواه”.

• تفسير الطبري: “يقول: وإلى الأرض كيف بُسِطَتْ، يقال: جبل مسطح: إذا كان في أعلاه استواءٌ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل”.

• تفسير صاحب الظلال: “والأرض مَسْطُوحَةٌ أمام النَّظَر، مُمَهَّدَةٌ للحياة والسير والعمل، والناسُ لم يُسَطِّحُوهَا كذلك، فقد سُطِّحَتْ قبل أن يكونوا… أفلا ينظرون إليها، ويتدبرون ما وراءها، ويَسألون من سَطَّحَهَا ومَهَّدَهَا للحياة؟”.

أقول وبالله التوفيق: عندما يخاطب القرآنُ العقلَ الإنسانيَّ، فإنه يخاطبُه في حدود نضجِه ومحدوديَّةِ فهمِه، مستدِلًّا بما حوله من مخلوقات – من حياة أو جماد – لها صلة مباشرة به، وله منها منفعةٌ مباشرة أو غير مباشرة؛ حتى يتقبلَ الدعوة إلى توحيد خالقها، خاصةً في أيام الإسلام الأولى والدعوةُ في بدايتها، والبشريةُ تعصف بها ريحُ الجاهليَّةِ، وليس مهمةُ القرآن الحديثَ عن نواميسَ وحقائقَ علميَّةٍ بإسهاب وتفصيل؛ فهو ليس كتابًا علميًّا، ولكنه يُشير إلى هذه الحقائق بما يتناسب مع وظيفته الأساسية، وهي أنه كتاب الله تعالى لهداية البشرية، وبِشَيْءٍ من التفصيل فما ينفع الناسَ، ويترك التفاصيلَ غيرَ المهمة للبشر للعقل البشري للوصول إلى مَاهِيَّةِ هذه النواميس والحقائق.

السؤال: “هل الأرض مُسَطَّحَةٌ أم كُرَوِيَّةٌ؟” عالجه القرآن الكريم حسب الأسلوب الذي بَيَّنَّا:

هناك نوعان من الأرض يتحدث عنهما القرآن الكريم: الأرضُ التي خلقها الله تعالى لتكون سُكْنَى للبشر بِيَابِسَتِهَا وبحارها وأنهارها وغلافها الجوي، وأقصد بها كوكب الأرض، وهذا الذِّكر للأرض (الكرة الأرضية إن شئت) يأتي دائمًا بصيغة المفرد، ومقرونًا بذكر السموات:

• ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

• ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59].

• ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 33].

• ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ [الأعراف: 54].

ثم هناك الأرض اليابسة (وهي البَرُّ من كوكب الأرض دون البحار والأنهار) التي يعيش عليها البشر، وبها معظم منافِعِهم المعِيشيَّة اليومية والحياتية، ومن أهم صفاتها – كما هو ظاهر لهم – الاستواء؛ لِصِغَرِ حجمها بالنسبة لمحيطِ كوكبِ الأرض، وسهولة حركتِهم عليها، وهي تأتي دون ذكر للسموات متى كان المَقامُ إظهارًا لنعم الله على البشر:

• ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].

• ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ [طه: 53].

وقد ورد في القرآن أنَّ أرضَنا هذه خُلِقَ منها سبعُ أَرَضِينَ، في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12].

فالسموات عددها سَبْعٌ، ولكن تأتي الأرض بصيغة المفرد ومنها خلق الله تعالى سَبْعَ أَرَضِينَ ولم تفصل الآيةُ، وقد فسرها الأقدمون ووقفوا على ما جاء في الأثر بأنها سبع أَرَاضٍ، ولكنْ هناك أقوالٌ شاذَّةٌ، مثل ما رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: “سَبْع أَرَضِينَ، في كل أرضٍ نبيٌّ كنَبِيِّكم، وآدم كآدمَ، ونوح كنوحٍ، وإبراهيم كإبراهيمَ، وعيسى كعيسى”.

وفَسَّرَها بعض المُحْدَثِينَ بأنها سبعُ طبقاتٍ جيولوجِيَّةٍ متراكِبَةٍ بعضها على بعض، وهذا قولٌ باطلٌ؛ لأن ما فائدة ذكرِ سبعِ طبقاتٍ للأرض في القرآن للبشر؟ ثم كيف يتنزل الأمر الإلهي (من وحي ورزق ومقادير العباد) على هذه الطبقات الأرضية المتراكبة فوق بعضها؟

ولكن أرى – والله أعلم – أن المقصودَ في الآية الكريمة هو القارَّاتُ السبعُ (آسيا، إفريقيا، أوربا، الأمريكتان، أستراليا، والقارَّةُ القطبيةُ الجنوبيةُ)، وهو الأقرب للمنطق؛ فعلى هذه الأرَضِينَ عاش البشر وفيها مصالحهم ومعايشُهم، وهي جيولوجيًّا كانت أرضًا واحدةً تفكَّكَتْ إلى سبع قارَّاتٍ (وإذا كان هذا التفسير صحيحًا، فيكون القرآن قد أخبر عن العالم الجديد – الأمريكتَيْنِ وأستراليا والقطبية الجنوبية – قبل اكتشافها بمئات السنين).

أمَّا مسألة أن كوكب الأرض مكوَّر أم مسطح، فليست هناك فائدةٌ من ذكرها في القرآن، بل قد يأتي بردَّةِ فِعْلٍ عكسيَّةٍ للعقل البشري الذي كان لا يرى إلا الأرضَ التي تحته (كما لو قلت لإنسانٍ قبل مائة سنة: إنك ستَرَى وستُكَلِّمُ قريبك في الصين ويكلمُك وأنت في فراشك في قطعة حديدٍ اسمها “سكايب”، لَاتَّهَمَكَ بالجنون).

ولكنَّ القرآن أشارَ إشاراتٍ غيرَ مباشرةٍ إلى مسألةِ كُرويَّةِ الأرضِ بما يتناسب والغرضَ المطلوبَ، بِلَفْتِ نظر البشر إلى آية الله الماثِلَةِ أمامهم كل يوم، وهي آيةُ تعاقُبِ الليل والنهار:

﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ﴾ [الزمر: 5].

والتكويرُ لا يَحْدُثُ إلا حول الجسم المُكَوَّرِ، فيقال: كَوَّرَ العِمامة – أو لَفَّ – على رأسه، فتكويرُ الليلِ والنهارِ بعضهما على بعضٍ حول كوكب الأرض يوحي بأن الأرض مُكَوَّرَةٌ.

﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ [الأعراف: 54].

النهار يَطْلُبُ الليلَ دائمًا، وهذا معناه أنَّ النهارَ – الضوءَ – متحركٌ (بحركة الشمس الظاهرية) وبصورة متكررة، مما يدل على حركةٍ دائريةٍ حول كوكب الأرض، وهذا يرجح كُرَوِيَّةَ الأرض، ولو كانت مسطحة لاستحال تعاقُبُ الليل والنهار بصورة مُنْتَظِمَةٍ كما نراها.

﴿ وَهُو الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء: 33].

الفعل ﴿ يُسَبِّحُونَ ﴾ بصيغة الجمع يدلُّ على أن كُلًّا من الليلِ والنهارِ والشمسِ والقمرِ له فَلَكٌ يَسْبَح فيه، ونَحْوِيًّا: ظرفَا الزمان ﴿ اللَّيْلَ والنَّهَارَ ﴾ لا بد لهما من مكان، وهو الأرض التي تَسْبَحُ في فَلَكِهَا، والبشرية منذُ الأزلِ تَعْرِفُ تعاقُبَ الليلِ والنهارِ بانتظامٍ وبصورةٍ متغيرةٍ – حَسَبَ الوقتِ من السنة – فيزيد الليل وينقص النهار قليلًا وبالعكس، ولو كانت الأرض مسطحةً لكان طُولُ كُلٍّ منهما أَطْوَلَ بكثير مما هو عليه.

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 37، 38].

والسَّلْخُ: هو كَشْطُ أو إزالةُ جزءٍ من كُلٍّ، يقال: سَلَخَ الشاةَ؛ أي: كَشَطَ الجلدَ، وهو جزء من الكل، وهو جسم الشاة، وسَلَخَ النهارَ من الليل يعني أنَّ النهارَ جزءٌ (عارضٌ نتيجةَ حركةِ الشمسِ)، والليلُ هو الكلُّ (دائمٌ)، وقد قال بمثل هذا العالم التونسي الطاهر بن عاشور رحمه الله (1879 – 1973م) في كتابه التحرير والتنوير، وهذا يفيد سَبْقَ القرآنِ قبل 1400 سنةٍ علماءَ الفضاءِ في العالم بإثبات أن الظُّلْمَةَ هي السائدةُ في الكون.

“عملية سَلْخِ النهار من الليل في الآية الكريمة متلازمةٌ مع حركة الشمس لِمُسْتَقَرٍّ لها، فيصبحُ معنى الآية: والليلُ يُسْلَخُ منه النهارُ والشمسُ (واو المصاحبة هنا بمعنى بسبب) تجري لِمُسْتَقَرٍّ لها”.

فُسِّرَ مُسْتَقَرُّ الشمس قديمًا على أنه نهايتُها يوم القيامة، وفُسِّرَ حديثًا على أنه دورانُها – والمجموعة الشمسية – حول مَجَرَّتِنَا لتنتهي في كوكبة النسر بنهاية الزمان، ولكن لا أرى صِحَّةَ هذه التفاسير؛ بسبب أنَّ الآيةَ تقول: ﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾، وليس “إلى مستقر لها”؛ حيث إن حرف الجر (إلى) وليس حرف (ل) يفيد الاتجاه نحو هدف مادِّيٍّ:

﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ [النساء: 77].

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36].

قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: ((يا أبا ذر، أتدري ما مستقرها؟))، فقال أبو ذر: الله ورسوله أعلم، قال: ((مُسْتَقَرُّهَا تحت العرش)) تَسْجُدُ تحت العرش لربها عز وجل ذاهبة وآيِبَةً بأمره سبحانه وتعالى.

فمُسْتَقَرُّهَا هو جَرَيَانُهَا وبُلُوغُهَا الموضعَ الذي لا تَتَجَاوَزُهُ (المغرب)، ثم تَرْجِعُ منه إلى (المشرق)، والسجودُ معلومٌ، والكَيْفُ مجهولٌ، والسؤالُ عنه لا يأتي بجوابٍ؛ لأنه في عِلْمِ الله، ولكن تتابُع النهارِ وسَلْخه من الليل بصورة دائمةٍ يشيرُ إلى إمكانية كُرَوِيَّةِ الأرض ودورانِها دورةً قصيرةً (حول مِحْوَرِهَا).

كما أنَّ انتهاءَ المجموعةِ الشمسيةِ في كوكبة النسر رأيٌ غربيٌّ باطلٌ؛ حيث إنه مَبْنِيٌّ على حساباتٍ رياضيَّةٍ تُخْطِئُ وتصيبُ، ونواميسُ اليومِ الآخِرِ تختلفُ جَذريًّا عن حساباتِ وتصوراتِ البشرِ.

وقد قال العديد من علماء المسلمين بِأَنَّ الأرض كروية:

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الفتاوى جـ25 صـ195”: “وكذلك أجمَعوا على أَنَّ الأرضَ بجميع حركاتها من البر والبحر مثلُ الكُرَةِ”، قال: “ويَدُلُّ عليه أنَّ الشمسَ والقمرَ والكواكبَ لا يوجدُ طلوعُها وغروبُها على جميعِ مَن في نواحي الأرض في وقتٍ واحدٍ، بل على المَشْرِقِ قبلَ المَغْرِبِ”.

• وكذلك قال ابن حزم “الملل والنحل ج2 ص78”: “إنَّ أحدًا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعِلْم رضي الله عنهم لم ينكروا تكويرَ الأرض، ولا يُحْفَظُ لأحدٍ منهم في دفعِه كلمةٌ، بل البراهينُ مِن القرآن والسنة قد جاءت بتكويرِها”.

• وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الأرض كروية بِدَلَالَةِ القرآنِ والواقعِ”.