سوف أبصق على قبوركم!*

 

لماذا ماتت الأشياء الجميلة في العالم الإلحادي ؟ لماذا قام الفلاسفة بافتتاح مبولة وسط باريس ليرمزوا بذلك الى انتحار الإنسان ؟ وظهر الفنان ماليفيتش الذي رسم لوحته ” مربع أبيض فوقه خلفية بيضاء ” رمزاً لنهاية الحضارة وقمة العبثية، وأرسل الفنان الفرنسي مارسيل دوشام إلى جمعية الفنانين المستقلين في نيويورك نافورة وهي في الحقيقة مبولة احتجاجاً على عبثية الحياة.
وسُمي فن الإلحاد ب”فن المبولة”.
فالإلحاد المادي قتل الروح وشَعَر الإنسـان في ظله بالعبثيـة والتفكك فمـات الفن ومـاتت القيـمة، ومـاتت روح الإنسـان، وإذا لم يكن هناك روح للإنسان فلن يكون للفن روح ؟

وظهر الفنان جاكسون بولوك الذي صوَّر عبثية الإلحاد في لوحاته الشهيرة حيث كان يصب الألوان على اللوحات ثم يتمشى عليها بأحذية مثقوبة ، وإذا بأسعارها تقفز الى أرقام مجنونة وبيعت إحدى هذه اللوحات في عام 1991 في صاله كريستي ب45 مليون فرنك، وفي معرض لفن الحداثة نظمه مركز جورج بومبيدو في باريس اجتذب المعرض 800 ألف زائر مما حقق أرقامًا قياسية تفوق أي معرض راقٍ في العالم، مع أن ما نشهده لا يزيد على مجموعة من رقاب الزجاجات أو سجاجيد عليها أكوام من الحبال وكريات من الصوف.

وقام أحد فناني ما بعد الحداثة برسم لوحة زُجاجية بتكليف من متحف الفن الحديث في نيويورك ، وأثناء نقل اللوحة سقطت وظهرت فيها شروخ؛ فطمأنهم الفنان قائلاً: ” العمل المكسور أفضل منه سليمًا.” وهذه قمة التفكيك واللامعيارية .

بعض رواد المتحف الحديث الذين تعودوا على تقبل التجريد وفن ما بعد الحداثة، توقفوا أمام سجادة كانت تأخذ شكل مخروط ، وأخذوا يبدون إعجابهم الشديد بهذا العمل الفني الرائع، إلى أن حضر أحد عمال النظافة في المتحف وحمل السجادة ثم فرشها على الأرض مع بقية السجاجيد الأخرى، فقد كانت سجادة عادية مُكومة بالصدفة .

لماذا تموت الأشياء الجميلة في الإلحاد؟ لماذا يصاب كل شيء بالحياد؟
لقد نُزعت القداسة عن الإنسان وتم تفكيكه وأصبح خالياً من المرجعية والمركز.

إن هذه الموجة من الأعمال الفنيـة التي تُعبر عن ضيـاع الإنسـان وموت القيمة وانهيـار الروح لا يمكن استيعابها إلا من خلال المنظور الإلحادي المادي..

وهل يصلح أن نقارن أعمال شكسبير ب”سوف أبصق على قبوركم” لبوريس فيان ؟

إن الإلحاد يعلنها صريحة: أنه لن يصلح لتحليل ظاهرة الوجود الإنساني، وأن العبثية والتشاؤم والعدمية ثمرة حتمية للرؤية الإلحادية للعالم من حولنا!

 

 

—————

* الكبسولة من وحي أعمال عبد الوهاب المسيري رحمه الله.